إيمي ماكينون

الفلسطينيون يعيشون في حالة يأس

13 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

امرأة فلسطينية بمواجهة قوات الأمن الإسرائيلية في مدينة الخليل بالضفة الغربية | 9 شباط 2022

فيما يتعامل الإسرائيليون مع صدمة الهجوم الذي أطلقه عناصر «حماس»، يستعد الفلسطينيون لغزو برّي انتقامي لقطاع غزة، وهو تحرّك سيتردد صداه لأجيال حسب تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. قُتِل أكثر من ألف إسرائيلي، منهم عدد من الأطفال الرضع وكبار السن، واحتُجِز أكثر من مئة شخص كرهائن، ما يُعقّد مطاردة إسرائيل لحركة «حماس». في غضون ذلك، قُتِل ما يتجاوز الألف وخمسمائة شخص في غزة، التي تُعتبر من أكثر المناطق اكتظاظاً في العالم، بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت المنطقة.

أجرت صحيفة «فورين بوليسي» المقابلة التالية مع خالد الجندي، مدير برنامج فلسطين والشؤون الإسرائيلية الفلسطينية في معهد الشرق الأوسط، الذي علق على توقيت الهجوم وظروف الحياة في غزة راهناً، ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك.

خالد الجندي



لماذا اعتبرت «حماس» أنّ الوقت حان لإطلاق هذه الاعتداءات في جنوب إسرائيل؟ هل يمكنك رصد أي نوع من العوامل الخارجية التي افتعلت هذه الأحداث؟

تكثر مسببات هذا الحدث. يتعلق السياق العام طبعاً بالاحتلال الإسرائيلي القائم منذ 56 سنة والمستمر إلى أجل غير مسمى، وبالحصار الخانق الذي فُرِض على غزة منذ 16 سنة وكان سبباً في تعدد جولات القتال هناك على مر السنين. نشأت الآن أيضاً الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وبدأت أعمال العنف تتصاعد في الضفة الغربية. كان هذا العام الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ عقدين. في غضون ذلك، زاد إرهاب المستوطنين بدرجة ملحوظة، وتلاحقت أعمال التخريب المتنوعة في مختلف القرى الفلسطينية، معظمها في الشمال، من دون أن يحاسب الجيش الإسرائيلي أحداً، أو بمساعدة هذا الجيش أحياناً. في الوقت نفسه، زادت التجاوزات ضد المسجد الأقصى في القدس. ليست صدفة أن تسمّي «حماس» هذه العملية «طوفان الأقصى».

وسط هذه المعمعة كلها، بدأ العالم العربي يمضي قدماً. تتعلق اللعبة الجديدة بتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. أصبح حل الدولتين غير وارد، ولم يعد تحرير فلسطين ممكناً. في غضون ذلك، تنشغل واشنطن بمسائل أخرى ولم يعد هذا الملف من أولوياتها. أظن أن هذه العوامل كلها دفعت البعض إلى اعتبار الفلسطينيين الشعب الوحيد الذي يدفع ثمن الوضع القائم. هذا الوضع مريح جداً لإسرائيل، وهو يرضي بقية أعضاء المجتمع الدولي أيضاً لأن الفلسطينيين يتحملون معظم التكاليف. أرادت «حماس» إذاً أن تقلب هذه الحسابات رأساً على عقب.

الرد على تلك الاعتداءات سيُصعّب حياة سكان غزة. ما هو المغزى منها إذاً؟

هذا هو السؤال المحوري. أنا أتساءل فعلاً عن هدفهم النهائي. كانوا يعرفون أن هذه العملية ستنتج رداً غير مسبوق. لكن يكشف هذا الوضع طبيعة العقلية الكامنة وراء ذلك التوجّه. إذا كنتم مستعدين لإطلاق عملية مشينة وجريئة لهذه الدرجة وأنتم تعرفون عواقب ما تفعلونه، يمكن اعتبار هذا التحرك مؤشراً على حجم اليأس السائد هناك. ما الذي يدفع الناس إلى اتخاذ هذا النوع من الخطوات، لا على مستوى قتل الآخرين فحسب، بل رغم معرفة الكلفة المترتبة عليهم؟

يكفي أن ننظر إلى غزة تحديداً. بدأت معدلات الانتحار ترتفع فيها. لا يعيش السكان هناك في ظروف بائسة فحسب، بل إن الوضع لا يوحي بأي نهاية وشيكة. يعيش الفلسطينيون في هذه الحالة من اليأس، ويُفترض أن نخاف كثيراً من تداعيات اليأس لأن الناس باتوا مستعدين لفعل كل شيء. هذا الوضع لا يبرر ما حصل، لكن لا يمكن الاستخفاف ببلوغ مرحلة يُقدِم فيها الناس على تحركات انهزامية بالكامل.

كيف سيؤثر ما حدث على الدعم الذي تحصل عليه «حماس» وسط الفلسطينيين؟

ظاهرياً، قد تزيد شعبيتهم. كل من يُلحِق الأضرار بإسرائيل يكسب النقاط وسط الرأي العام الفلسطيني، لا سيما عند مقارنة أداء الحركة بالقادة في الضفة الغربية، حيث يسود وضع معاكس بالكامل. تشمل تلك المنطقة السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاءً من الضفة الغربية، وأبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس]، وأعوانه. هم يلتزمون بجميع القواعد، ويعارضون العنف، ويؤيدون المفاوضات، ويريدون التحرك بالشكل الصحيح. لقد التزموا بجميع معايير المجتمع الدولي في مجال بناء المؤسسات والتمويل وهذه المسائل كلها. هم فاسدون طبعاً، لكن ينبثق فسادهم من جمود السياسة الفلسطينية، أي غياب أي برلمان أو رقابة، وهو جزء من شروط الاحتلال. لا يريد الأميركيون والإسرائيليون إجراء أي انتخابات، ولا يريدون أن تنشأ حكومة تمثيلية حقيقية لأنها لن تلتزم على الأرجح بخطوات مثل التنسيق الأمني مع إسرائيل.

هم يفعلون ما يعتبرونه صائباً وينسّقون الشؤون الأمنية. لكن ما الذي حققوه؟ إنها لعبة خاسرة في مطلق الأحوال لأن الشعب يعتبرهم متواطئين أو تابعين للأمن الإسرائيلي. لكن ما الذي يحصلون عليه في المقابل؟ هل يتلقون المكافآت على امتثالهم والتزامهم بالقواعد المناسبة؟ هل حصلوا على دولة خاصة بهم؟ لا، لم يحصل ذلك.

لا أهمية لالتزام الفلسطينيين بالقواعد إذاً لأن هذا النهج لا يحقق لهم شيئاً. لهذا السبب، يبدو لهم اختيار «حماس» أكثر جاذبية. حتى لو كان دفع الثمن حتمياً، نحن ندفع الثمن مهما فعلنا. نحن نخسر الأراضي يومياً، ونخسر الناس ومنازلهم يومياً، ويتم إخلاء القرى في غور الأردن بشكلٍ مستمر، ما يعني أننا نخسر في مطلق الأحوال. هم يتحركون بطريقة ما على الأقل. هذه هي عقلية الفلسطينيين على ما أظن حين يضطرون للاختيار بين الطرفين. «حماس» ستدفع الثمن حتماً، لكنهم يتوقعون على الأرجح التعويض عن ذلك الثمن عبر اعتبارهم قادة تحرير فلسطين الجدد أو حتى مستقبل القيادة الفلسطينية.

ماذا سيكون موقف السلطة الفلسطينية من هزم «حماس»؟

ما معنى الهزيمة في هذه الحالة؟ يمكنهم أن يقتلوا جميع القادة، وقد أقدمت إسرائيل على هذا الفعل أصلاً. في بداية الألفية الثالثة، هم قتلوا القيادي الأول والثاني والثالث على التوالي، لكن ثمة بدلاء عنهم دوماً. لا أظن أن أحداً يستطيع محو حركة سياسية أو فكرة سياسية بحد ذاتها، بغض النظر عن رأيهم بها. إنه سبب آخر لشعوري بخيبة أمل: ما من مسؤولين ناضجين في العالم الدبلوماسي كي يطالبوا بإطلاق ردّ منطقي ومدروس بدل الوقوع في فخ الردود العاطفية بعد أي حدث.

لكن توحي طبيعة هذه الاعتداءات بأنها كانت مُصمّمة أصلاً لإطلاق ردة فعل عاطفية.

هذا صحيح، وهو أمر طبيعي. نحن بشر في النهاية. لكن عندما يفرض المسؤولون الأكثر اتزاناً كلمتهم، بعد تلاشي أثر الصدمة الأولية، أتمنى أن يجلس المعنيون ويفكروا بردود منطقية.

يجب أن يقيّموا الوضع بموضوعية ويستنتجوا أن 2.3 مليون مدني في غزة ليسوا مسؤولين عن ما حصل. لا علاقة لهم بالمذبحة التي وقعت في إسرائيل في عطلة نهاية الأسبوع، وإلا سنتبنى منطقاً مشابهاً للإرهابيين.

ما الذي تسمعه من معارفك في غزة راهناً عن الوضع السائد هناك في آخر 48 ساعة؟

الوضع مريع هناك. معظم الناس الذين أعرفهم في غزة بدؤوا يهربون من منازلهم إلى بيوت أقاربهم حيث يتراجع احتمال التعرض للهجوم. لكنهم لا يملكون مكاناً يقصدونه لأن أحداً لا يعرف المواقع التي سيتم استهدافها. تبقى الأهداف المحتملة قابلة للتغير. قد يتم استهداف المباني السكنية، وجميع أنواع البنى التحتية المدنية، وكل ما يمكن التفكير به.

لا تحمل إسرائيل سجلاً إيجابياً في مجال حماية المدنيين. ونظراً إلى السخط السائد في إسرائيل في الوقت الراهن، من الواضح أنها لن تأخذ عناء التفكير بأي خطوط حمراء. لكنّ المستهدفين يبقون بشراً. حين نسمع وزير الدفاع الإسرائيلي وهو يصف مليونَي فلسطيني في غزة بالحيوانات البشرية، من الطبيعي أن نخاف ونقلق مما سيحصل لأنهم سيتصرفون على هذا الأساس. عند تجريد العدو من صفة الإنسانية، لا مفر من أن يصبح كل شيء مباحاً.


MISS 3