ريتا ابراهيم فريد

خوف الأطفال من المدرسة...متى يستدعي تدخّل معالج نفسي؟

14 تشرين الأول 2023

02 : 01

مع انطلاق العام الدراسي الجديد، يلاحظ بعض الأهالي خوفاً لدى أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة، خصوصاً تلاميذ الصفوف الصغيرة، ويترافق أحياناً مع عوارض جسدية وأوجاع، ليتبيّن في ما بعد أنّ سببها نفسي. «نداء الوطن» تواصلت مع المعالج النفسي داني شربل الذي تحدّث عن أسباب هذا الخوف وكيفية التنبّه للعوارض التي ترافقه، مشدّداً على ضرورة التنسيق الدائم بين الأهل وإدارة المدرسة.



علمياً، هل من الطبيعي أن يخاف الأطفال من المدرسة؟ ومتى يمكن أن نعتبر أنّ الأمر دخل مرحلة الخطر؟

نعم الخوف طبيعي بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 6 سنوات، وخصوصاً التلاميذ الذين يدخلون للمرة الأولى الى المدرسة، لأنّهم سيعانون من قلق الإنفصال عن الأمّ. هذا الأمر لا بدّ من حصوله، على أن يتمّ بشكلٍ تدريجي كي يتيح للطفل أن يتأقلم مع وضعه الجديد، وأن يتحلّى بالقدرة العاطفية والمعرفية التي تساعده على البقاء لفترة من دون والدته. هذا يُسمّى «التعلّق الآمن»: فالطفل يشعر بحزن بسيط حين تغيب والدته، لكنّه سرعان ما يكمل نهاره بشكلٍ طبيعي ويلعب ويتسلى مع زملائه. ثمّ يشعر بالفرح حين يلتقي مجدّداً بأمّه بعد المدرسة. لكن حين يستمرّ القلق لفترة طويلة تتجاوز الشهر ونصف الشهر، يمكننا أن نعتبر أنه بات خطيراً. وهُنا قد يعاني الطفل من صعوبة في التركيز والإنتباه، ويكون هناك بكاء دائم، إضافة الى بعض العوارض الجسدية التي تنطوي في حقيقتها على قلق الانفصال عن الأمّ.



المعالج النفسي داني شربل




هناك أطفال يذهبون الى المدرسة بحماس، فيما يعاني زملاؤهم في الصف نفسه من خوف مفرط. فمن هم الأطفال الأكثر عرضة لهذا الخوف؟

الأطفال الذين يواجهون المشاكل داخل أسرتهم، أو الذين انفصلوا بشكلٍ قسري عن أحد الوالدين لدى حصول طلاق مفاجئ مثلاً، أو الأطفال الذين عانوا من وفاة أحد الوالدين، هم المعرّضون أكثر من غيرهم لمواجهة القلق والخوف من المدرسة. كما أنّ الاهتمام المبالغ فيه بالطفل من قبل والديه، يمكن أيضاً أن يعرقل قدرته على الاستقلالية والتفرّد وتكوين «الأنا» المستقلة. الى جانب ذلك، الأطفال الذين يواجهون التنمّر من قبل زملائهم قد يعانون من خوف أكبر من غيرهم وقلق من الذهاب الى المدرسة.



ما هي أبرز العلامات التي تظهر على الطفل وتشير الى خوفه من المدرسة، وعلى الأهل التنبّه لها؟

من أبرز هذه العوارض: البكاء المتكرّر، التبوّل اللاإرادي، القلق، الخوف الدائم، فقدان القدرة على التركيز، العدوانية وادعاء المرض.

في هذه الحالة، كيف يجب أن يتصرّف الأهل؟

عند ملاحظة أي من هذه العوارض، لا بدّ من التنسيق بين الأهل وبين الأساتذة وإدارة المدرسة. ومن الضروري أن يتحلى المدرّسون بالوعي الكافي حول موضوع الخوف من المدرسة وحول أسبابه من أجل التنبّه بشكلٍ سريع ومعالجته في وقتٍ مبكّر. ولا بدّ من الإشارة الى أنّ بعض المدارس باتت في الفترة الأخيرة تسمح بحضور الأهل خلال الأيام الأولى من دخول الطفل الى المدرسة، كي يعتاد بشكلٍ تدريجي على الانفصال عن أمه.






متى يصبح من الضروري اللجوء الى معالج إختصاصي ليساعد الطفل؟

حين تتخطّى هذه العوارض فترة الشهر والنصف كما ذكرنا منذ قليل، بحيث يؤثّر هذا القلق على إنتاجية الطفل وتركيزه، ويمنعه من المشاركة في الصف مع زملائه. وأحياناً قد يشعر بخجلٍ كبير يؤدّي به الى الانزواء، أو قد يعبّر عن عدوانية كبيرة. هُنا ننصح باللجوء الى إختصاصي نفسي.

هذا الخوف قد يترجم أحياناً بعوارض جسدية مثل ألم المعدة، حرارة مرتفعة، تسارع في نبضات القلب... فهل هو ادعاء للمرض؟

أحياناً يكون ادعاء للمرض. لكن أحياناً بالفعل يكون هناك ألم وتظهر على الطفل عوارض جسدية حقيقية، على أن يكون سببها نفسي. كما أنّ الإمساك والألم في المعدة قد يدلّ على توتّر في العلاقة مع العالم الخارجي.

لكن قبل أن نجزم، لا بدّ من عرض الطفل على طبيب صحة عامة للتأكّد من عدم وجود أي مشاكل عضوية جسدية، والطبيب يمكنه تشخيص الحالة وتحويل الطفل الى إختصاصي نفسي إذا لزم الأمر.

هل من نصائح عامة للأهل لمساعدتهم على التنبّه الى هذا الموضوع تمهيداً لمعالجته في وقت مبكّر؟

على الأهل أن يدركوا أنّ هذه المرحلة حساسة جداً، من هُنا ضرورة أن يتنبّهوا لأبسط التفاصيل التي قد تكون إشارة الى مشاعر قلق وخوف لدى أطفالهم، ومحاولة تحديد أسبابها والبحث عن حلّ عبر التنسيق مع إدارة المدرسة، خصوصاً حين يعود سبب الخوف الى تنمّر يتعرّض له الطفل في الصف. بالنسبة الى قلق الانفصال، أنصح الأهل بأن يطمئنوا طفلهم بأنّهم لم يتخلّوا عنه وأن يؤكّدوا له أكثر من مرة بأنّهم سيعودون لاصطحابه معهم، وبالتالي لا داعي للقلق. ويمكن أن يكون ذلك من خلال وعدٍ بنزهة بعد المدرسة، أو بشراء هدية له. بهذه الطريقة يشجّعونه على الذهاب الى المدرسة بحماسة، وفي الوقت نفسه يتعلم الانتظار للحصول على ما يريد، وهُنا يدرك قيمته أكثر.




MISS 3