مجيد مطر

فرصة لاستعادة القضية الفلسطينية عربياً

14 تشرين الأول 2023

02 : 00

من دون مبالغة أو تعظيم للواقع، شكلّت العملية العسكرية المعقّدة التي قامت بها «حماس»، مخترقة السور الحديدي لحماية مستوطنات غلاف غزة، الذي كلّف الخزينة الاسرائيلية أكثر من مليار دولار لبنائه، حدثاً تاريخياً، سيكون حديثاً للأجيال القادمة، وسينصفه التاريخ حيث يجب أن ينصفه، ذلك بمعزل عن هذا الكم الهائل من التساؤلات التي أثيرت حوله، داخل إسرائيل أو خارجها.

ولا جدال بأنّ هذا الحدث قد أعاد تسليط الأضواء مجدداً على القضية الفلسطينية، ببعديْها الوطني والعربي، ليجدد تلك المقولة الواقعية المحقة بأنّ الشعب الفلسطيني لا يستطيع تحرير أرضه بمفرده من دون مساعدة جديّة من العرب.

لقد فقدت القضية الفلسطينية مركزيتها بفعل عاملين: أحداث الحادي عشر من أيلول وسقوط بغداد. وهما حدثان أميركيان أصابا النظام العربي بهزال شديد، أدى بدوره إلى فقدان القضية الفلسطينية مركزيتها كمصلحة عربية مشتركة.

سريعاً وبحنكته المعهودة، أدرك ياسر عرفات خطورة استهداف البرجين، فقام بإدانة تلك الهجمات الإرهابية، مطلقاً حملة تبرع بالدم للجرحى والمصابين الأميركيين، ومبدياً أقصى درجات التعاطف معهم، قاطعاً، في الوقت نفسه، الطريق على أرييل شارون الذي حاول آنذاك إقناع الرئيس الأميركي بالترابط الموضوعي بين منفّذي تلك الأحداث وبين مقاومة الشعب الفلسطيني المحقة.

مبادرة ياسر عرفات في إدانة ذلك الفعل إلارهابي، قد دلّت على فهم عميق للصراع وطريقة إدارته. فالمعركة لا تُخاض فقط بالسلاح، بل بالاعلام واكتساب الأصدقاء ومخاطبة العقل الغربي الذي يرى الواقع من وجهة نظر مختلفة ثقافياً وسياسياً، حيث يجب التعامل معه على هذا الأساس. هذا الغرب الذي استحوذت عليه فكرة الحرب على الإرهاب القائمة على مقولة: من ليس معنا فهو ضدنا.

أمّا سقوط بغداد بيد الأميركيين، فقد أخاف الدول العربية وتحديداً الخليجية منها، فانكفأ التضامن العربي مع القضية الفسطينية، ليتراجع دورهم لصالح ايران التي استطاعت أن تملأ الفراغ، لتوظّف ذلك سياسياً بغية نيل الاعتراف الغربي - الأميركي بنفوذها في المنطقة، من دون أن يهدف مشروعها، بالضرورة إلى إزالة إسرائيل من الوجود، حيث دلّت التجارب أنّ الأقوال لا تقابل الأفعال.

ولم يقع الدور العربي ضحية المعايير المزدوجة التي يمارسها الغربيون لصالح إسرائيل فقط، بل وقع أيضاً ضحية المعايير المزدوجة نفسها، التي تمارس لصالح ايران ضد الدول العربية، في ظل اختلال فاضح في موازين القوى، ما أتاح تقدّم المشاريع غير العربية في المنطقة: الإسرائيلية، التركية، الإيرانية على حساب شعوبنا ودولنا.

إنّ الاطلالة على فعل الانحياز الغربي الفاضح، من دون أن نسقط في فكر المؤامرة، تستدعي منا استعراض بعض الدلالات والتساؤلات، على سبيل المثال لا الحصر.

ففي الوقت الذي تفاوض فيه الولايات المتحدة ايران لإطلاق سراح مواطنيها المعتقلين، وتدفع لها المليارات ثمناً لذلك، يصح التساؤل: كيف سيكون موقفها في ما لو قامت دولة عربية بالفعل نفسه؟ وماذا سيكون موقفها أيضاً في ما لو أعلنت دولة عربية دعم فصائل المقاومة بالسلاح والمال علناً لمحاربة إسرائيل؟ وكيف ستتصرف حيال دولة عربية أخرى عندما تعلن أنّها بصدد بناء مشروع نووي، وصلت فيه نسب التخصيب إلى مراحل متقدمة في مسار صنع القنبلة النووية؟

ما تقدم لا يعني أنّ ايران تشكل نداً جدياً لواشنطن وحلفائها في الإقليم، بل اقتناع غربي بأنّ دعم الإيرانيين لبعض الفصائل الفلسطينية، يقف عند الحدود المرسومة، والتي تعكس موازين القوى المختلة لغير صالح محور الممانعة، فالمكاسب المسموح بها، هي تلك التي تتحقق على حساب العرب والقضية الفلسطينية حصراً.

لا شك أنّ اجتياح «حماس» لغلاف غزة، قدّم فرصة للعرب لاستعادة القضية الفلسطينية مجدداً إلى كنف النظام العربي، وهذه الاستعادة تتطلب أولاً العمل على توحيد الفلسطينيين وكسر نمطية الانقسام الذي تحول إلى قاعدة ثابتة في السياسة الفلسطينية، ثانياً تبدأ الاستعادة من خلال مشروع يدعم حل الدولتين، وذلك منعاً لدخول أطراف أخرى تحاول أن تجعل من القضية الفلسطينية ورقة تفاوضية لتحقيق مكاسبها الخاصة.

وهذا الاسترجاع قوامه سياسة خارجية عربية تهدف إلى مخاطبة الغرب لكشف ممارسة إسرائيل الرافضة لاحترام القرارات الدولية، وأنّ السير بنهج السلام لا يعني التخلي عن الحق بالمقاومة، حتى ولو أدى ذلك إلى توتير العلاقات مع واشنطن نفسها.

القضية الفلسطينية راهناً تفتقد حضور ياسر عرفات، الذي عرف متى يقاوم ومتى يفاوض. وما معاداته من قبل إسرائيل وقوى الممانعة، الا دليل على أنه كان على صواب.


MISS 3