بشارة شربل

"محاكاة" اللامسؤولية

14 تشرين الأول 2023

02 : 00

نفهم أنّ الوضع شديد الصعوبة، وأنّ قرار فتح الجبهة الجنوبية مرتبط بتطوّرات غزة، وفي يد «حزب الله». لكن ما لا يمكن فهمه هو أن يخرج وزير خارجية إيران من السراي، محذراً من امتداد النار، طبعاً إلينا، ممسكاً بمفاتيح الحرب والسلم من دون أن يقول له مسؤول لبناني شجاع: شكراً لاهتمامكم وسخاء جهودكم، لكن لبنان مرهقٌ لا يحتمل مغامرات.

ليس علينا أنّ نلوم عبداللهيان الساعي وراء مصالح محور الممانعة، ملاحقاً استثمار «الجمهورية الاسلامية» في أذرعتها من اليمن والعراق وسوريا الى غزة ولبنان، لكننا نأخذ على الرئيس ميقاتي خروجه الخميس من جلسة مجلس الوزراء محرجاً ومربكاً وعاجزاً، ليس عن مصارحة اللبنانيين بمكمن الخطر المهدّد مصير البلاد فحسب، بل أيضاً عن اتخاذ موقف حاسم يدعو الى التزام القرار 1701 لتجنيب شعبنا الدمار والدماء.

ما جاء في مقررات مجلس الوزراء بعد ستة أيام من «طوفان الأقصى» لا يرقى الى مستوى المسؤولية الملقاة على أعلى سلطة في البلاد. تأكيد المؤكد عن حقوق الفلسطينيين ومبادرة السلام العربية والتضامن في وجه الإجرام الاسرائيلي، كلام بديهي يشبه شعارات تظاهرات «النفير» ولا يحتاج الى برهان، لكن ما ليس بديهياً هو معرفة أنّ اسرائيل قد تضمر للبنان ما تنفّذه في غزة، ورغم ذلك يجري الاستسلام للأمر الواقع وذرّ الرماد في العيون من خلال الإيهام بإجراءات والدعوة الى اجتماعات «المحاكاة».

هذا مؤسف دولة الرئيس. أنت المسؤول الرسمي الأول. تصديتَ بصدرك للفراغ الدستوري وتمتعت بتوقيع المراسيم نيابة عن رئيس الجمهورية وسهّلت جريمة تعطيل الاستحقاق بقبولك تأدية دور البديل، ثم فاخرتَ بالغطاء القانوني الذي وفَّره لقراراتكم المجلس الدستوري وهيئة القضايا، وكأننا لا نعرف كيف تُنسج الفتاوى ولا نعلم «البير وغطاه»! فالأحرى بك ما دمت تتصدر المشهد السياسي الرسمي أن تسمّي الأشياء بأسمائها كون كلامك عن اتصالات مع الأطراف المحلية «المعنية» يجعلنا نحار في هويتها: «حزب الخضر» أو «حزب الله»؟

نحن معك دولة الرئيس، لا فراغ في مؤسسات الحكم. ومعكَ في تأمين أمور المواطنين رغم أنك أتيت الى السلطة بدولار يساوي 18 ألفاً فصار 90، وباحتياطي 14 ملياراً مع حقوق السحب الخاصة، فتبخّر نصفها حتى الآن.

ما لنا ولحديث الأرقام. ما يجري في غزة «حرب وجود» ذات ملامح قد تكرّر نكبة 1948. لذا فإنّ ما يجب أن نتحسب له ليس عدد أكياس الطحين وبواخر النفط والأصوات العالية لبعض زملائك الوزراء، بل الخطر من الانزلاق الى جهنم، وتداعياته على الكيان ووحدة لبنان.

دولة الرئيس، التحدي الحالي أكبر من مهارة تسيير الأمور أو الهروب الى الأمام. ولعلمك فإنّ حكومتك المبتورة التي لم تحصل أصلاً على ثقة البرلمان لا تمثّل إلا نصف لبنان في أحسن الحالات، وهي تكاد لا تمثّل إلا «حزب الله» وبعض الحلفاء لو استُفتي اللبناني بسؤال بسيط: هل تقبل أن نذهب الى الحرب في إطار «وحدة الساحات»؟ انتبه الى ذلك، وتصرَّف على هذا الأساس.


MISS 3