جنى جبّور

جيزيل خوري... غيابٌ مؤلمٌ لإعلامية مناضلة

16 تشرين الأول 2023

02 : 04

خُتم «المشهد» «مع جيزيل» أمس، بعد معركة شجاعة مع السرطان لنحو عامين ونصف العام، حيث كانت تُعالج في المستشفى خلال الأسبوعين الأخيرين بعدما تدهور وضعها فجأة ونُقلت إلى منزلها الجمعة بناءً على طلبها. وعن عمر 62 عاماً، أسلمت جيزيل خوري زوجة الشهيد سمير قصير وابنة عمّ الوزير والإعلامي سجعان قزي الذي سبقها بأشهر بالمرض نفسه، الروح، محاطة بولديها في منزلها، فخسر الجسم الإعلامي برحيلها قامة شامخة في الشجاعة والمواقف الإنسانية ومدافعة شرسة عن الحريات، وصاحبة مسيرة مهنية زاخرة استمرت نحو أربعة عقود كانت خلالها من أبرز الأسماء في مجال الحوار السياسي التلفزيوني.



وُلدت الراحلة في الأشرفية سنة 1961، وهي متحدرة من بلدة العقيبة الساحلية في قضاء كسروان. بعد دراسات في الإعلام والتاريخ، انطلقت مسيرتها الإعلامية على الشاشة الصغيرة عبر «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بعيد افتتاحها، مقدمةً مجموعة برامج ثقافية ووثائقية وسياسية، من أبرزها برنامج «حوار العمر» في أواسط التسعينات، الذي حققت فيه نجاحاً كبيراً من خلال حواراتها مع بعض من ألمع الأسماء الفنية والثقافية والسياسية في لبنان والعالم العربي.



مع رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري



مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع





تألقها المهني

بعد نحو عقدين، انتقلت إلى قناة «العربية» الإخبارية عند افتتاحها العام 2003. عملت فيها لسنوات عدة قدّمت خلالها برنامجي «بالعربي» و»ستوديو بيروت». وتابعت مسيرتها التلفزيونية على قناة «بي بي سي عربي» اعتباراً من نهاية 2013، حيث قدمت برنامج «المشهد» الذي يسلط الضوء على بعض روايات شهود العيان الأكثر اقناعاً في التاريخ الحديث في الشرق الأوسط. وحطت رحالها أخيراً في قناة «سكاي نيوز عربية» العام 2020، حيث قدّمت برنامجها الحواري «مع جيزال». كما كتبت وأنتجت أفلاماً وثائقية عن أبرز القامات السياسية العربية، وأسست شركة «راوي» للإنتاج الوثائقي إلى جانب الصحافية والسفيرة سحر بعاصيري.

بعد اغتيال زوجها الصحافي والمؤرّخ سمير قصير في 2 حزيران 2005، أبَت إلّا أن تجعل من الألم حافزاً للدفاع عن الحرّية. فأطلقت مؤسسة «سمير قصير» رسمياً في 1 شباط 2006، وحوّلتها إلى إحدى أبرز المؤسسات الإقليمية المتخصصة في رصد الانتهاكات ضد الحرّيات الإعلامية والثقافية في المشرق العربي، ودعم الأصوات الإعلامية المستقلّة في لبنان ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وجعلت من المؤسسة حاضنةً لمهرجان «ربيع بيروت»، الذي قدّم، على مدى 15 عاماً، أهم الانتاجات الفنية اللبنانية والعالمية مجاناً للجميع، في أنحاء المدينة كافة. حملت قضية حرية الصحافة إلى المحافل العالمية، دافعةً الاتحاد الأوروبي لإطلاق «جائزة سمير قصير لحرية الصحافة» عام 2006، والتي أصبحت أكثر جوائز الصحافة عراقةً وجذباً للصحافيات والصحافيين العرب.




وسام شرف برتبة فارس من فرنسا



أيامها الأخيرة

أيامها الأخيرة، كانت صعبة للغاية. تقول مديرة مهرجان «رييع بيروت» الممثلة رندة الأسمر التي رافقتها خلالها، وشاركت «نداء الوطن» هذه اللحظات قائلةً: «دَخلت في عزلة قوية، وقرّرت أن تكون مع عائلتها وأولادها فحسب. رافقتها خلال هذا الفترة العصيبة، وكانت جيزيل متعبة وتقضي معظم وقتها نائمة. لم أستوعب بعد حجم الخسارة التي تركتها برحيلها، فالصحافة خسرت كبيرتها وودعت الثقافة احد ابرز قاماتها المدافعة الشرسة عن صورة لبنان الحر ووجوده في العالم العربي والغربي». وأضافت: «لن أنسى غرامها بمهرجان «ربيع بيروت» الذي سلّمتني مهامه. كانت تنتظره بفرح وحماس من سنة لأخرى. كانت تعمل معنا على إنجاز أدق التفاصيل. يصغر الكلام ويصعب التعبير في هكذا لحظة... جيزيل ستبقى معي لآخر العمر. الرحمة لروحها الحلوة».






مع حبيب قلبها الشهيد سمير قصير



ومع حفيدها



مصدر راحة للمؤسسة

بغصة واضحة وحزن كبير، عبّر المسؤول الإعلامي في «مؤسسة سمير قصير» جاد شحرور عن أسفه لغياب الراحلة، هو الذي دفن أعز أصدقائه عصام عبدالله قبل ايام، واليوم يودع صديقته جيزيل خوري، واستذكر في حديثه معنا المرة الأخيرة التي رآها فيها قائلاً: «منذ نحو الشهر، التقينا داخل مكاتب «مؤسسة سمير قصير». يومها جلسنا وتحدثنا، نحن الذين تكوّنت صداقتنا منذ ما يقارب الـ7 سنوات. بعدها لم أرها مجدداً بسبب متطلبات العلاج والتدابير الصحية التي أدّت إلى عزلها لحمايتها من الأمراض والعدوى، واقتصرت أحاديثنا على الهاتف»، مضيفاً: «مرحلتها الأخيرة كانت صعبة للغاية فالمرض والآلام والعلاج أنهكتها بشكل كبير. ورغم ذلك، لم تستسلم، وكانت كلّما شعرت بتحسّن، تعمل جاهدةً وبنشاط على تسجيل حلقات لبرنامجها «مع جيزيل» عبر «سكاي نيوز عربية».

وعاد بذاكرته الى لقائهما الأول في العام 2016، حيث كان على موعد معها بمناسبة انضمامه إلى المؤسسة، ويقول: «تأخّرَت قليلاً بالوصول، وفور دخولها قالت: «عذراً على التأخير، اليوم أصبحت جدة وأعيش حالة غرام مع حفيدي كيان (إبن رنا)». في هذه اللحظة، أدركت من تكون جيزيل خوري. هي لم تدخل مقدّمةً نفسها مهنياً بل استهلت حديثها بموضوع عائلي من القلب، تطرّقنا خلاله إلى العائلة وأهميتها وتصوُّرنا للمؤسسة». وتابع: «ما أصعب أن أتذكر لحظاتي معها... جيزيل كانت إنسانية من دون حدود، واضحة المواقف، مُحبّة وكريمة لا تبخل بمساعدة الأشخاص مهنياً واجتماعياً وثقافياً. كانت علاقتها بالموظفين ممتازة وخالية من رهبة المدير والموظف، علاقة عائلية تصرّ خلالها على الوقوف إلى جانب كل موظف في مصابه. محبتها فاقت الوصف وأعتبر نفسي محظوظاً لأني كنت جزءاً من يومياتها في المؤسسة وخارجها». أمّا عن مصير المؤسسة بغياب مؤسستها فأشار الى أنّ «مسؤوليتنا باتت أكبر وأصعب لكي نبقى ثابتين ومحافظين على النهج نفسه والخطوات نفسها. فجيزيل كانت قريبة من كل المشاريع التي نقوم بها، تضع ملاحظاتها وتسأل عن التطورات وتساعدنا في إنجازها. أنا أؤمن أنّ الأيام المقبلة ستبرهن أننا ثابتون على نهج سمير قصير وجيزيل خوري»، خاتماً: «كانت ابتسامة جيزيل الدائمة ضدّ قاتل زوجها مصدر راحة لنا في المؤسسة، كما كان وجودها أساسياً بيننا. ستبقى معنا وستبقى ذكراها مؤبدة»... «احبك كثيراً؛ هذه الكلمة قليلة جداً على شخص أعطى من دون حدود».



مع فريق عمل "مؤسسة سمير قصير"



ومع جاد شحرور


عــــــــــزاء ورثــــــــــاء

انتُخِبت الراحلة عضواً في مجلس إدارة المنتدى العالمي لتطوير الإعلام بين 2016 2020، وعضواً في لجنة تحكيم جائزة «غيلرمو كانو» لحرية الصحافة التي تمنحها اليونسكو. نالت وسام الفنون والآداب الفرنسي من رتبة ضابط عام 2012، ووسام جوقة الشرف الفرنسية من رتبة فارس عام 2019».

وأثار نبأ وفاتها سلسلة رسائل تعزية عبر الشبكات الاجتماعية، من إعلاميين وسياسيين ومشاهير أشادوا بميزاتها وكفاحها الطويل من أجل الحريات الإعلامية:

كتب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع: «لقد كانت سياديّة وحرّة بامتياز، قادتها حرّيتها وسيادتها إلى توأم مماثل جرى اغتياله للأسباب ذاتها، فدفعت غالياً ثمن مبادئها وقناعاتها. جيزيل لقد عانيتِ كثيراً من عدم تحقيق أهداف القضيّة التي من أجلها ناضلتِ واغتيل سمير قصير، ولكن أعدُك أن القضيّة مستمرّة وستحقِّق أهدافها عاجلاً أم آجلاً».

بدوره، قال رئيس حزب «الكتائب» سامي جميل: «برحيلها يفقد لبنان إعلامية متميزة، حملت راية الكلمة الحرة وناضلت في سبيل ترسيخها في لبنان والعالم العربي».

واعتبر نقيب محرري الصحافة جوزف القصيفي أنّ «سيفتقد الجمهور إطلالتها الجميلة والانيقة، وقدرتها على الإحاطة بالموضوعات بلغة جاذبة ورشيقة تدل إلى تضلعها اللغوي والمهني».

وتقدمت السفارة الأميركية في بيروت بخالص العزاء لعائلتها والأجيال من الصحافيين والصحافيات الذين ألهمتهم. من جهتها، نعتها السفارة الفرنسية في بيروت مشيدةً بما قدمته عبر مسيرتها في سبيل حرية الصحافة في لبنان والعالم العربي.

وقالت الوزيرة السابقة مي شدياق: «قضّيتي حياتك نجاحات اعلامية بس كمان وعذاب ونضال بحياتك الخاصة والوطنية. بقد ما عم تغلي الدنيا حولنا يمكن استعجلتي تروحي تواسي حبيبك ‎سمير قصير».

أمّا رئيس تحرير «الشرق الأوسط» غسان شربل فقال: «ذهبت جيزيل خوري حاملة الجرحين: بيروت النائمة تحت خيبتها وسمير قصير المعلق بين سطرين».

وكتب الإعلامي عمرو أديب: «كانت محترمة بكل ما تحمله الكلمة من حروف... محترفة في عملها صادقة في قضيتها».

من جهتها قالت دنيز رحمة: «وداعاً صديقتي وأستاذتي. كنتِ النموذج للاعلاميات الراقيات المثقفات المثابرات وصاحبة قضية واحدة هي قضية لبنان».

وعبّر الاعلامي يزبك وهبة قائلاً: «إل بي سي» تفتقدك وأنت من رعيل المؤسسين، وأداؤك المهنيّ يُدرّس».

وأشار بسام أبو زيد الى أنها «مثال الصحافية المهنية والمتمسكة بالحرية. ستفتقد الصحافة اللبنانية والعربية جيزيل خوري وخسرناها زميلة وصديقة».

وكتبت الاعلامية ريما نجيم: «بكّير جيزيل... كان بعد في كتير حوارات عمر لازم نعملها بعد. سلّمي ع سمير وجبران والكلّ. عندك اشياء كتير تحكيها معن عن اللي صار واللي عم بصير».

وقال الاعلامي ريكاردو كرم: «لم يهزمها المرض فقط بل أنهكتها ندوب الحياة وآلامها. أغمضت عينيها لتستريح في أحضان الربّ تاركةً أحلام ومشاريع مروان ورنا وأحفاد وأصدقاء أغدقت عليهم نعمة الحب الصادق والصافي والمتفاني».

أمّا الاعلامية هلا المر فقالت: «كان لي الشرف ان أتعاون معها ببرنامج «بيروت تتذكر» مع المرحوم الياس الرحباني وكان من اعدادي هالبرنامج الحلو وتعرفت فيه على شخصيتها الحلوة».

وعبّر الممثل طارق السويد كاتباً: «انا وصغير ما كنت اعرف شو يعني اعلام وشو يعني حوار بس كان في شي يشدني إحضرا... يمكن صوتا، هدوءا و تهذيبا... لما كبرت إلتقيت فيا مرة وحدة بس وتمنيت الحديث ما يخلص».

أمّا كارول سماحة فقالت: «بعدني مش عم صدق. رح ابقى اتذكّر أحاديثنا وكيف كنتِ تخبّي الزّعل والوجع ورا ابتسامتك، هيك عرفتك قويّة وصلبة رغم كل المعاناة ولا مرّة حكيتي أو خليتي حدا يحس».

بدورها كتبت كارمن لبّس: «مستحيل ما تتذكر وجها وهي مبتسمة رغم كل يلي قطعت فيه. الرحمة لروح أحد أهم الوجوه الإعلامية اللبنانية يلي تركت بصمة ما بتشبه حدا».


MISS 3