مئات آلاف النازحين خلال ثلاثة أشهر من التصعيد في سوريا

إردوغان يُهدّد بتدمير "الممرّ الإرهابي" شرق الفرات

08 : 53

معاناة المدنيين مستمرة... (أ ف ب)

في مأساة انسانيّة جديدة، نزح أكثر من 400 ألف نسمة في شمال غربي سوريا في غضون ثلاثة أشهر، على وقع التصعيد العسكري لقوّات النظام

وحليفتها روسيا، في حين ندّدت الأمم المتّحدة أمس باستمرار الهجمات الدمويّة التي تستهدف المدنيين والمرافق الخدماتيّة والطبّية، بينما حذّر

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من أنّ بلاده مصمّمة على تدمير "الممرّ الإرهابي" في شرق الفرات، "أيّاً تكن نتيجة المفاوضات مع الولايات المتّحدة

حول إنشاء منطقة عازلة على الحدود السوريّة".


وتتعرّض محافظة إدلب ومناطق مجاورة، حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين نسمة، لقصف شبه يومي تُنفّذه مقاتلات سوريّة وأخرى روسيّة منذ نهاية نيسان،

لا يستثني المستشفيات والمدارس والأسواق، ويترافق مع معارك ميدانيّة ضارية تتركّز في ريف حماة الشمالي. وتسبّب القصف بمقتل أكثر من 740

مدنيّاً في غضون نحو ثلاثة أشهر، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان، في وقت أشارت منظّمات انسانيّة إلى أن المنطقة تعيش "كابوساً" مع

استمرار التصعيد.


جريمة حرب

وكشف المتحدّث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة الإقليمي التابع للأمم المتّحدة ديفيد سوانسون لـ "وكالة الصحافة الفرنسيّة" أمس، أن "أكثر

من 400 ألف شخص نزحوا منذ نهاية نيسان في شمال غربي سوريا". كما ندّدت الأمم المتّحدة بـ"اللامبالاة الدوليّة" حيال تزايد عدد القتلى المدنيين جرّاء

الغارات الجوّية التي استهدفت أخيراً "المرافق الطبّية والمدارس وغيرها من البنى التحتيّة المدنيّة مثل الأسواق والمخابز".

وقالت رئيسة المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة ميشال باشليه في بيان: "هذه الممتلكات مدنيّة ويبدو من المستبعد جدّاً أن

تكون قد ضُربت عرضاً نظراً إلى النمط المستمرّ لمثل هذه الهجمات". وشدّدت على أن "الهجمات المتعمّدة ضدّ المدنيين هي جريمة حرب، كما أن من

أمر بتنفيذها أو نفّذها مسؤول جنائيّاً عن أعماله".

وتسبّبت غارات لقوّات النظام أمس، بمقتل ثلاثة مدنيين وإصابة عشرين آخرين بجروح. وقضى أحد القتلى جرّاء استهداف سوق جملة للخضار في مدينة

سراقب، للمرّة الثانية منذ الإثنين، وفق المرصد وشهود عيان. وقال مدير مركز الدفاع المدني في المدينة ليث العبد الله: "السوق شريان الحياة في

المدينة لأنّ أرزاق الناس موجودة فيه"، مضيفاً: "الوحشيّة التي يستخدمها الطيران الحربي في قتل المدنيين وتدمير ممتلكاتهم أمر فظيع".

ويأتي التصعيد الأخير، رغم كون المنطقة مشمولة باتفاق روسي - تركي تمّ التوصّل إليه في سوتشي في أيلول 2018، نصّ على إقامة منطقة

منزوعة السلاح بين قوّات النظام والفصائل الجهاديّة، لم يُستكمل تنفيذه. وشهدت المنطقة هدوءاً نسبيّاً بعد توقيع الاتفاق، إلّا أن قوّات النظام صعّدت

منذ شباط قصفها، قبل أن تنضمّ المقاتلات الروسيّة إليها لاحقاً. وفرّ السكّان تحديداً من ريف إدلب الجنوبي، حيث باتت مدن وقرى بأكملها خالية من

سكّانها جرّاء كثافة الغارات، ومن ريف حماة الشمالي، حيث تدور معارك "استنزاف" بين قوّات النظام والفصائل المقاتلة، تسبّبت بمقتل المئات من

مقاتلي الطرفين وتتزامن مع غارات كثيفة.


وتوجّه الفارون، وفق بيان لمكتب تنسيق الشؤون الانسانيّة، إلى مناطق لا يطاولها القصف شمالاً، قريبة من الحدود مع تركيا حيث توجد مخيّمات

للنازحين. ويُقيم حوالى ثلثي النازحين خارج هذه المخيّمات، إذ تستقبل نحو مئة مدرسة في محافظة إدلب وحدها فارين من التصعيد. ومع اكتظاظ

المخيّمات ومراكز الإيواء، يضطرّ كثيرون للإقامة في العراء وتحت الأشجار. ونزحت غالبيّة الفارين الى داخل محافظة إدلب، بينما توجّه عدد قليل إلى

شمال محافظة حلب.

وتمسك "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بزمام الأمور إداريّاً وأمنيّاً وعسكريّاً في إدلب ومحيطها، حيث تتواجد أيضاً فصائل إسلاميّة ومقاتلة

أقلّ نفوذاً. وتحظى محافظة إدلب بأهمّية إستراتيجيّة لقربها من الحدود مع تركيا التي تُقدّم الدعم للفصائل المقاتلة، ومحافظة اللاذقيّة الساحليّة

معقل عائلة الرئيس السوري بشار الأسد.

ولفتت الأمم المتّحدة إلى أن "مدناً وقرى بأكملها خلت على ما يبدو من سكّانها الذين فرّوا بحثاً عن الأمان والخدمات الأساسيّة"، مشيرةً إلى أن يوم

الإثنين كان من بين "الأيّام الأكثر دمويّة" في المنطقة منذ نهاية نيسان. ووثّقت منذ بدء التصعيد 39 هجوماً ضدّ منشآت وطواقم طبّية في المنطقة،

بالإضافة إلى تضرّر خمسين مدرسة على الأقلّ جرّاء الغارات والقصف. وتردّ الفصائل الجهاديّة باستهداف مناطق تحت سيطرة قوّات النظام، بالقذائف

الصاروخيّة، ما تسبّب بمقتل سبعين مدنيّاً منذ نهاية نيسان، وفق المرصد.


وعيد تركي

في سياق آخر، واصلت تركيا والولايات المتّحدة هذا الأسبوع مباحثاتهما في شأن إنشاء "منطقة عازلة" في شمال سوريا للفصل بين الحدود التركيّة

والمقاتلين الأكراد المدعومين من واشنطن، والذين تعتبرهم أنقرة "إرهابيين". ورأى وزير الخارجيّة التركي مولود شاوش أوغلو الأربعاء أنّ "المقترحات

الجديدة التي قدّمتها الولايات المتّحدة حول المنطقة الآمنة، ليست بمستوى يُرضي تركيا".

وفي هذا الصدد، أكّد إردوغان أنّه "أيّاً تكن نتيجة المفاوضات مع واشنطن حول إنشاء منطقة عازلة على الحدود السوريّة، نحن مصمّمون على تدمير

الممرّ الإرهابي في شرق الفرات". وجاء ذلك في كلمة له أمس، خلال اجتماع مع رؤساء فروع حزب "العدالة والتنمية" في الولايات التركيّة، في العاصمة

أنقرة. وهدّد بأنّ "من يُمارسون البلطجة بالاعتماد على قوّات أجنبيّة في المنطقة، إمّا أن يُدفنوا تحت التراب أو يقبلوا بالذلّ". وأوضح أنّه "لا يُمكن للحظر

الأوروبي والأميركي الذي لم يعد مخفيّاً ضدّ تركيا، وتزويد "الارهابيين" بالأسلحة والمعدّات ضمن عشرات آلاف الشاحنات، أن يُثنينا عن إيجاد حلّ لمشكلة

الإرهاب".

وشدّد إردوغان على أن تركيا ستقطع ارتباط "الإرهابيين" في شرق الفرات بشمالي العراق، عبر عمليّتي "المخلب 1" و"المخلب 2". ولفت إلى أن "هدف

تركيا من عمليّة "المخلب"، يتمثّل في إنشاء خط أمني عبر مواجهة "الإرهابيين" في سهل مسطّح خارج الحدود، بدلاً من الجبال الشديدة الانحدار على

الحدود".

وهدّدت تركيا مراراً بشنّ هجوم على الوحدات الكرديّة التي تُصنّفها "إرهابيّة" وتعتبرها امتداداً لحزب "العمال الكردستاني"، الذي يخوض تمرّداً ضدّها

على أراضيها منذ عقود. وشنّت أنقرة هجومَيْن واسعي النطاق في شمال سوريا، بدأت الأوّل صيف العام 2016 وتمكّنت بموجبه من طرد تنظيم

"داعش" من منطقتَيْ جرابلس والباب في شمال محافظة حلب. وفي آذار 2018، تمكّنت من السيطرة على منطقة عفرين ذات الغالبيّة الكرديّة إثر

هجوم استمرّ لنحو ثلاثة أشهر ضدّ المقاتلين الأكراد. وتوفّر الولايات المتّحدة من جهتها، دعماً واسعاً لمقاتلي "وحدات حماية الشعب" الكرديّة، الذين

يُشكّلون مكوّناً رئيسيّاً في "قوّات سوريا الديموقراطيّة"، التي شكّلت شريكاً مهمّاً لواشنطن في قتال تنظيم "داعش" وهزيمته.

من ناحيتها، أبدت دمشق رفضها القاطع لمضمون المحادثات الأميركيّة - التركيّة الجارية في شأن إنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا، معتبرةً أنّ أيّ

تفاهم في هذا السياق هو بمثابة "اعتداء" على سيادة سوريا.

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبّب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل مئات آلاف الأشخاص، وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتيّة وأدّى إلى نزوح وتشريد

وتهجير ولجوء أكثر من نصف السكّان داخل البلاد وخارجها.

MISS 3