ستيفن كوك

لماذا تتحمّل الولايات المتحدة علاقة قطر مع "حماس"؟

20 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة | قطر، 13 تشرين الأول ٢٠٢٣

من بين الأسئلة المتداولة خلال النقاش المتواصل حول هجوم حركة «حماس» ضد إسرائيل في الأسبوع الماضي، يبرز السؤال التالي: «ما قصة قطر»؟ بعد حصول الهجوم، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بياناً تلوم فيه إسرائيل. كان ذلك البيان صادماً، نظراً إلى حصيلة القتلى. وجّهت المملكة العربية السعودية أصابع الاتهام إلى إسرائيل أيضاً، لكن كان الأسلوب الذي استعملته في بيانها أقل حدّة. يتعارض موقف هذين البلدين مع ردّة فعل الإمارات العربية المتحدة، منافِسة قطر وأقرب شريكة لإسرائيل في العالم العربي، فقد اعتبرت هجوم «حماس» «تصعيداً خطيراً» وعبّرت عن صدمتها «بالأخبار التي تشير إلى خطف مدنيين إسرائيليين من منازلهم».

يوم الإثنين الماضي، ذكرت وكالة «رويترز» أن وسطاء قطريين أجروا محادثات مع «حماس» ومسؤولين إسرائيليين للتفاوض على إطلاق سراح نساء وأولاد أخذتهم الجماعة الفلسطينية المسلّحة كرهائن خلال الهجوم. كان ذلك الخبر إيجابياً منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول. رغم بيان وزارة الخارجية القطرية قبل أيام، بدا وكأن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يبذل قصارى جهده لاتخاذ خطوات بنّاءة والتأكيد على دور بلده كشريك للولايات المتحدة وحليف أساسي من خارج حلف الناتو. قد لا ينجح القطريون في مساعيهم، لكنهم يستحقون الإشادة على محاولاتهم بغض النظر عن النتيجة.

يعكس الصمت الذي رافق جهود الدوحة لصالح العائلات الإسرائيلية تفاوت الآراء بشأن قطر في أوساط السياسة الخارجية. يظنّ البعض أنها مُفجّرة الأحداث في المنطقة، بينما يعتبرها البعض الآخر الجهة التي تخمد الأحداث المتفجّرة.

قد يكون هذان الرأيان صحيحَين. لكن لا تتعلق آراء واشنطن المتضاربة بشأن قطر بأي بعد استراتيجي من جانب القادة القطريين بقدر ما ترتبط بالقيود المفروضة على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

من ناحية معينة، من الواضح أن قطر تتّخذ خطوات تفوق ثقلها السياسي على مستوى مساعدة واشنطن. في منتصف التسعينات، حين توتّرت العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ولم تعد القوات الأميركية بمعظمها مرحّباً بها في المملكة، فتحت قطر أبوابها أمام الولايات المتحدة ومنحت القيادة المركزية الأميركية قاعدة جديدة ومتطوّرة لعملياتها في الخليج العربي. تملك القوات الجوية الأميرية القطرية قاعدة «العديد» التي استعملها البنتاغون لإدارة الحروب في أفغانستان والعراق ولإطلاق عدد غير محدود من العمليات لمكافحة الإرهاب. منذ بضع سنوات، باتت تلك القاعدة تشمل حتى 10 آلاف عنصر أميركي، وهو عدد كبير طبعاً، لكنه يبقى أقلّ بكثير من الأعداد التي بلغت ذروتها في العقد الثاني من الألفية الثالثة.

كانت قاعدة «العديد» بالغة الأهمية في آب 2021، حين انسحبت القوات الأميركية من أفغانستان وجلبت آلاف الأفغان معها. قامت جهات أخرى في المنطقة بدورها أيضاً، لا سيما الإماراتيين، لكن كانت قطر أول وجهة لعدد كبير من اللاجئين. في ما يخص الغزو الروسي لأوكرانيا خلال الشتاء اللاحق، كان الأمير القطري حازماً في إدانته للكرملين، على عكس شركاء آخرين للولايات المتحدة، بما في ذلك إسرائيل.

عندما علّق الروس صفقة حصلت بوساطة الأمم المتحدة وتركيا لتسهيل تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية التي تُعتبر أساسية لتأمين الإمدادات الغذائية العالمية، تعاون القطريون مع تركيا والروس لإيجاد الحل المناسب. لم يحقق الدبلوماسيون التابعون للدوحة النجاح المطلوب، لكنهم فرضوا حضورهم وحاولوا التوصّل إلى حل. هم لم يُظهِروا اهتماماً علنياً كبيراً بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومع ذلك عيّنت قطر دبلوماسياً لها في غزة، بموافقة إسرائيل، لتوزيع المساعدات على أفقر سكان غزة.

لا يساعد القطريون الولايات المتحدة في الخارج فحسب، بل في الداخل أيضاً. قبل بدء الحرب بين إسرائيل و»حماس»، نظّمت السفارة القطرية مثلاً حفلها السنوي الخامس لدعم «الجمعية الأميركية للتوحّد». وعندما اجتاح إعصار «كاترينا» نيو أورلينز في العام 2005، تعهّد القطريون تقديم 100 مليون دولار لمساعدة سكان لويزيانا.

لكن رغم التحرّكات الإيجابية والبنّاءة التي اتخذتها قطر في بعض المجالات، لا مفرّ من اعتبارها شريكة مثيرة للمشاكل أيضاً. في السنة التي شهدت بناء قاعدة «العديد» الجوية، أطلق القطريون قناة «الجزيرة».

في البداية، بدت هذه الشبكة التلفزيونية الحكومية متنفّساً حقيقياً، فراحت تبثّ الأخبار والتعليقات (من دون التطرّق إلى شؤون قطر) في منطقة تُستعمل فيها وسائل الإعلام الحكومية لعرض أفكار الأنظمة ونشاطات الزعماء اليومية. لكن اتّضح مع مرور الوقت أن عدداً كبيراً من المنتجين والصحافيين والمعلقين في الشبكة العربية التابعة لقناة «الجزيرة» يميل إلى دعم التطرّف الإسلامي ومعاداة السامية والولايات المتحدة.

في ما يخص فلسطين، يتمسّك القطريون بمبادئهم الداعمة لحقوق الفلسطينيين وتحقيق العدالة في قضيّتهم. قد تكون جهودهم بنّاءة فعلاً، لكنّ مساعيهم لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة كانت الاستثناء الذي يثبت القاعدة العامة على ما يبدو.

اتّضح هذا الوضع على الأرجح في خطاب الأمير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 19 أيلول 2023، فأعلن الأمير القطري حينها: «لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يبقى أسير تعسّف الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني ورفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لأي حل سياسي عادل وفق مبادئ الشرعية الدولية».

إنه موقف منصف. لكن عاد الأمير تميم وشكّك بارتباط اليهود بالقدس. هو لم ينتقد امتلاك الإسرائيليين الأراضي في القدس الشرقية، بل استنكر «تهويد القدس». يُفترض ألا يغفل أحد عن الفرق بين الموقفَين. لم يكن كلامه مفيداً بأي شكل.

لتجنّب اتّهامه بمواجهة الأسئلة الشائكة بأسئلة مضادة أخرى، خصّص الأمير مقطعَين كاملَين للتعبير عن غضبه تجاه الإسرائيليين، لكنه اكتفى بعبارتَين عن المأساة القائمة منذ عقد كامل في سوريا، حيث مات مئات الآلاف وتهجّر الملايين. تورّطت قطر في هذه الأهوال عبر دعم جماعات المقاومة هناك، ويبدو أن «حماس» تقلّد جزءاً من تكتيكاتها.

لطالما شكّك الكثيرون في المنطقة والمراقبون في الغرب بارتباط القيادة القطرية مباشرةً بجماعة «الإخوان المسلمين»، نظراً إلى طريقة تعامل القطريين مع الفلسطينيين، وهوية الجماعات التي موّلوها في سوريا، وترحيبهم بتصاعد القوة السياسية الإسلامية بعد الانتفاضات العربية، وطبيعة التعليقات التي تنشرها قناة «الجزيرة».

يظنّ الدبلوماسيون القطريون، وأعضاء جماعات الضغط القطرية، وأصدقاء الدوحة في واشنطن، أن استعمال تلك الحجج لاعتبار القطريين ممثلين لجماعة «الإخوان المسلمين» يُشوّه طريقة تعامل الأمير القطري مع العالم، وهي مقاربة براغماتية وقائمة على مبادئ واضحة. في النهاية، يبقى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كارثياً بمعنى الكلمة، ويبقى الرئيس السوري بشار الأسد مجرماً طالب معظم الناس برحيله في مرحلة معيّنة، وتبقى قناة «الجزيرة»، برأي مسؤولين قطريين وعاملين لديهم، مستقلة عن الحكومة القطرية في المحتوى الذي تقدّمه.

إنها حجج منطقية أيضاً، لكن بدرجة معينة. رحّبت قطر بجماعة «الإخوان المسلمين» عند طردها من مصر في العام 2013، وبقي كبار قادة «حماس» (أسّسها الفرع الفلسطيني من «الإخوان المسلمين» في أواخر الثمانينات) في الدوحة لأكثر من عشر سنوات. تبرز أيضاً علاقة قطر الاستراتيجية مع تركيا، حيث لا يُعتبر «حزب العدالة والتنمية» جزءاً من فروع «الإخوان المسلمين» في المنطقة، لكنه دعم قضية مشتركة معهم في العقد الماضي. تتزامن هذه المعطيات كلها مع ادّعاءات مفادها أن القطريين موّلوا «حماس» عبر مساعدات كانت تتّجه ظاهرياً لدعم سكان غزة المحتاجين.

يظنّ البعض أن الوجود الإسلامي في الدوحة يفيد الولايات المتحدة. يشكّل القطريون صلة وصل تستطيع واشنطن استعمالها للتواصل مع شخصيات لا تريد الارتباط بها أو تعجز عن التواصل معها. يؤكد القطريون أنفسهم هذه الفكرة ويقولون إنهم يتابعون مراقبة قادة «الإخوان المسلمين» و»حماس» عبر الترحيب بهم في الدوحة.

إنها فكرة منطقية بدرجة معينة، لكن ثمة حلقة مفقودة. ربما يُبقي القطريون قادة «حماس» و»الإخوان المسلمين» تحت المراقبة في الدوحة، فيسمحون لهم بشرب الشاي في فندق «فور سيزونز» أو التنزه على طول الكورنيش، لكنهم يسمحون لهم أيضاً بإطلاق نشاطاتهم علناً ولا يمنعونهم من تنفيذ أجنداتهم، سواء أرادوا إضعاف الحكومة المصرية أم التخطيط ضد الإسرائيليين. يقال إن قادة «حماس» راقبوا الاعتداءات ضد إسرائيل وتداعياتها اللاحقة من مكان آمن في قطر. لو رحّب القطريون فعلاً بشخصيات من «حماس» في عاصمتهم لمراقبتهم واحتوائهم، لتمكّنت الدوحة من إطلاق تحذير مسبق حول هجوم 7 تشرين الأول، فتشارك حينها في منع هذه الكارثة الإقليمية الكبرى. لكن تشير جميع المعطيات إلى عدم تنبّه قادة قطر لما يحصل وعدم معرفتهم بالهجوم مسبقاً.

يميل المسؤولون الأميركيون إلى الإغفال عن السلوكيات غير المناسبة في مجال معيّن لأنهم يعرفون أو يتمنّون أن يكون شركاؤهم مفيدين في مجالات أخرى. نتيجةً لذلك، لن يأخذ المسؤولون عناء انتقاد الأمير تميم علناً بسبب خطابه الذي يتجاهل المعطيات التاريخية في الأمم المتحدة إذا كان يفيد البلد في مجالات أخرى، فهو يسعى مثلاً إلى إطلاق سراح النساء والأولاد الإسرائيليين المحتجزين كرهائن لدى «حماس».

نصل أخيراً إلى مشكلة خاصة بقطر نفسها: بما أن الولايات المتحدة تهتم كثيراً بقاعدة «العديد» (هي نتاج جهود طموحة ومفرطة لتغيير الشرق الأوسط ومنشأة لا بديل عنها حتى الآن)، يتردّد صانعو السياسة الأميركية في معالجة أقلّ الجوانب نفعاً من طريقة تعامل الدوحة مع المشاكل الإقليمية.

لكن يصعب توجيه اللوم بالكامل إلى القطريين، إذ تُعتبر سياستهم الخارجية المزدوجة مصدر قوة ونفوذ وامتيازات. تتعلق المشكلة الحقيقية بامتناع واشنطن عن سؤالهم عن الأسباب.


MISS 3