إيفون أنور صعيبي

عاملات المنازل لسن "كماليّات"... والضريبة على العُجّز والموظفات

27 تموز 2019

09 : 33

من قال ان استقدام عاملات منازل اجنبيات هو أحد عوامل الترف؟

وكأن الإجحاف المجتمعي والاستبداد الطبقي والاضطهاد الإنساني والعذاب النفسي... كلها لا تكفي معاناة المرأة اللبنانية. وأمام تقلّص الخيارات لا بل انعدامها تجد الأم اللبنانية نفسها مضطرّة إلى العمل لملاقاة زوجها أثناء اللحاق بقطار «الزيادات» التي تطاول أسعار الفوائد، والأقساط المدرسية، وأكلاف الحياة المعيشية على الصُعُد كافة...وكأن ما ينقص انعدام أنظمة حماية الشيخوخة وغياب التغطية الاجتماعية وارتفاع نسب الهجرة الاغترابية التي تُفقِد الأمهات فلذات اكبادهن بسبب السياسات المالية والاقتصادية الفاشلة، وانحسار النموّ ونفاد فرص العمل، ليس سوى موازنة إفقارية «ذكورية»...

لم تستهدف الموازنة الحالية بضرائبها أصحاب المهن الحرة ولا ارباب الصناعات والتجار فحسب، ولم تقم بقضم الحقوق المكتسبة ولم تتطاول على جيوب المواطنين فقط؛ كما انها لم تكتف باعفاء أجور ومخصصات حماتها ورعاتها، بل خلُصت في نهاية المطاف الى ان راحة العجزة والنساء العاملات وذوي الاحتياجات الخاصة غير ضرورية وهي مظهر من مظاهر الترف وبالتالي يمكن ان تحتمل زيادة ضريبية.

تشمل الزيادة هذه المرة رسم تجديد إقامة العاملة المنزلية من 300 ألف ليرة الى مليون ليرة (لاعتبارها من عمال الفئة الثالثة) ما يعني ان إجازة العمل والإقامة باتت تكلف مليوناً و950 الف ليرة. ولكن مهلاً؛ من قال ان استقدام عاملات منازل اجنبيات هو أحد عوامل الترف؟ "كارلا" زوجة وأم لثلاثة أطفال أعمارهم بين 3 و 9 أعوام، وهي أيضاً موظفة بدوام كامل تعمل لمساندة زوجها وكسب موارد إضافية لإعالة العائلة. تتقاضى كارلا راتباً شهرياً يبلغ 1200 دولار وهي بحاجة الى عاملة تساعدها في الاعمال المنزلية اليومية. اليوم ولاستبقاء العاملة المنزلية يتوجب على كارلا ان تضحي بأكثر من راتب شهر والا توجّب عليها ترك عملها للتفرغ لواجبات المنزل. "ام مازن" سيدة عجوز تبلغ 75 عاماً من العمر تعمل ابنتاها لتأمين متطلبات المعيشة وغلائها المتفاقم فيما يعمل ابنها مازن مهندسا في الخليج وقد قرر البقاء هناك رغم تدهور الاوضاع حيث هو، لغياب فرص افضل في لبنان. ولانهم يخشون ترك والدتهم العجوز والمريضة وحيدة اثناء دوام العمل استقدموا عاملة اجنبية لترعاها وتبقى بجوارها نظراً لاعتبار الكلفة التي قد يتكبدونها جراء التعاقد مع ممرضة لبنانية او موظفة للاعتناء بأم مازن باهظة الثمن. ومع زيادة الرسم سيكون مصير مسنات كثيرات مشابهات لام مازن "مأوى العجزة" لعدم قدرة ذويهن على تحمل أعباء الضرائب الفاجرة.

اما "نور" فمراهقة من ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة لمن يرعاها اثناء تواجد ابويها واخوتها خارج المنزل. بالطبع موازنة على هذا الشكل قلصت الدور الاجتماعي لجمعيات مشهود بكفاءتها في هذا المجال، ستغفل مصير نور وغيرها من أصحاب الاحتياجات الخاصة.


في العادة تعمل الدول على زيادة الضرائب لسببين: الأول يتمثل بتأمين إيرادات إضافية، اما الثاني والاهم فيتمحور حول تحفيز خيارات معينة وفرض تغييرات سلوكية في المجتمع (كخلق رزم تحفيزية واعفاءات ضريبية للسيارات الصديقة للبيئة او لاعتماد الطاقة الشمسية من جهة، ومن جهة ثانية زيادة الضرائب على السيارات الفارهة على سبيل المثال التي يمكن لصاحبها ان يتحمل ضرائب إضافية كما ان فرض ضرائب عليها يقلص الفاتورة النفطية وحكماً الفاتورتين البيئية والصحية). وفي الحالتين فان هذا البند يعتبر ساقطاً ومجحفاً.


اذاً، لن تأتي الضرائب العشوائية غير المبنية على أسس علمية وغير الممنهجة بالعائدات المرجوة، بل ان كل ما ستسببه هو المزيد من العجز المالي لدى الافراد. في لبنان ألف سبب وسبب لاندلاع ثورة ووضع حد للمهزلة الحاصلة انما شعب "جائع" هو شعب مكبل ومضطرب، وغير قادر ان يثور ويتمرد!

MISS 3