سينان جيدي

أردوغان لن يقطع علاقته مع "حماس"

23 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

أردوغان يلتقي مع قادة حماس خالد مشعل (وسط) وإسماعيل هنية (يسار) في أنقرة | تركيا، 18 حزيران 2013

منذ أطلقت حركة «حماس» عملياتها ضد إسرائيل، في 7 تشرين الأول، عادت تركيا إلى الواجهة نظراً إلى علاقتها بتلك الجماعة الإسلامية المسلّحة. تزوّد أنقرة «حماس» بالمعدّات وتدعمها منذ العام 2011. لكن كانت الولايات المتحدة، حتى الأسبوع الماضي، تعتبر هذا الوضع شائكاً لمجرّد أنه يعيق محاولات تركيا تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. لكن من المتوقع أن تكثّف الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطهما على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الآن لدفعه إلى قطع علاقاته مع «حماس».

لكن ما هو احتمال أن يرضخ أردوغان لهذا الطلب، وما سبب علاقته مع «حماس» أصلاً؟

من المستبعد أن يقطع البلد علاقاته مع «حماس»، حتى إن أردوغان لن يستنكر على الأرجح أعمالها الأخيرة التي أسفرت عن مقتل حوالى 1200 مواطن إسرائيلي. السبب بسيط: يتعاطف أردوغان مع قضية «حماس». ذكر الرئيس التركي في تغريدة خاطب فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في العام 2018: «حماس ليست منظمة إرهابية والفلسطينيون ليسوا إرهابيين. إنها حركة مقاومة تدافع عن الأرض الفلسطينية ضد قوة محتلة».

منذ هجوم «حماس» الأخير، سارع أردوغان إلى الإدلاء بالتصريح التالي: «من مسؤوليتنا أن نقف إلى جانب المظلوم... نحن ندعو جميع البشر إلى التحرّك لوقف الأعمال الوحشية غير المسبوقة في غزة».

هذا النهج لا يعكس عقلية جديدة اكتسبها أردوغان بشأن «حماس». بل تمثّل هذه الجماعة من وجهة نظره جوهر حركة التحرير الفلسطينية، وهي تعكس عموماً نهج الإسلاميين الأتراك في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.

تعلّم أردوغان هذه الأفكار عن الصراع، وقد عبّر عن آراء معادية للسامية وإسرائيل بكل حرية قبل أن يصبح رئيس تركيا. في محاولة منه للتكيّف مع دوره الجديد بعد استلام منصب رئيس الحكومة التركية في العام 2003، حرص على قمع مشاعره الحقيقية حتى موعد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في العام 2009، فهاجم في تلك المناسبة الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز واتّهم الحكومة الإسرائيلية بقتل الأطفال الفلسطينيين.

تصاعدت الاضطرابات في المرحلة اللاحقة، فأمر أردوغان بإرسال «أسطول مساعدات» إلى غزة في العام 2010. حاول ذلك الأسطول الصغير من القوارب التركية اختراق الحصار الذي تفرضه القوات البحرية الإسرائيلية، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص على متن سفينة «مافي مرمرة» بعدما دهمتها القوات الإسرائيلية الخاصة. مهّدت تلك الحادثة لتدهور واضح في علاقة تركيا الطويلة والناجحة مع إسرائيل، وقد يكون ما حصل حينها من أكبر الإخفاقات الاستراتيجية في سياسة أردوغان الخارجية.

حتى تلك الفترة، كانت أنقرة وإسرائيل قد طوّرتا علاقة حكومية وثيقة، حتى أن الروابط بين الشعبَين تحسّنت. راح الإسرائيليون يتدفّقون بأعداد كبيرة إلى البلدات الساحلية التركية في فصل الصيف، بينما استفاد الجيش وأجهزة الاستخبارات التركية من علاقة متينة مع نظرائهم الإسرائيليين، فأصبحت الدبّابات وأساطيل القوات الجوية التركية أكثر حداثة. لكن تلاشت هذه الإيجابيات كلها بعد حادثة سفينة «مافي مرمرة». بدأ أردوغان بعد فترة قصيرة يطوّر علاقته مع حركة «حماس» صراحةً.

كان قرار دعم تلك العلاقة من اختيار أردوغان شخصياً، وهو لا يشكّل خياراً استراتيجياً يعكس ما تفضّله مؤسسات الدولة التركية. لكن أصبحت علاقة «حماس» مع تركيا راسخة في هذه المرحلة ويصعب استئصالها.

تحتفظ «حماس» بمكاتب سياسية تابعة لها في تركيا، بعلم الرئيس أردوغان، وقد اجتمع قادة الحركة علناً مع الزعيم التركي في مناسبات متكرّرة، منهم خالد مشعل، وإسماعيل هنية، وصالح العاروري. منحت أنقرة جوازي سفر تركيين وترخيصي إقامة للعاروري وهنية، ما يسمح لهما بالسفر دولياً بلا مشكلة. يُعتبر العاروري رئيس «حماس» في الضفة الغربية، ويَرِد اسمه على قائمة الإرهاب الأميركية وقد يحصل من يسلّمه على مكافأة بقيمة 5 ملايين دولار. هو احتفل بعملية 7 تشرين الأول على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يكون واحداً من العقول المدبّرة لتلك الهجمات على الأرجح.

ربما تقدّم تركيا الدعم العسكري لحركة «حماس» أيضاً. في شهر تموز من هذه السنة، أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها صادرت 16 طناً من المواد المتفجّرة الآتية من تركيا والمتّجهة إلى غزة، ويبدو أنها كانت تهدف إلى تصنيع صواريخ لصالح «حماس».

كان دعم أردوغان لـ»حماس» كفيلاً بزيادة شعبية الحركة وقضيتها وسط قاعدة ناخبيه. في الأسبوع الماضي وحده، شهدت تركيا تجمّعات شعبية متعدّدة لإدانة إسرائيل. وبعد يومَين على وقوع الهجمات القاتلة، نظّم حزب «الدعوة الحرة» الإسلامي الراديكالي، وهو شريك في ائتلاف أردوغان الحاكم، مسيرة احتفالية خارج القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول، حيث راح المشاركون يهتفون «الموت لإسرائيل».

في اليوم التالي، نظمت «هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات» (منظمة تركية معروفة بدعمها المزعوم القضايا الجهادية) تجمّعاً شعبياً في اسطنبول، حيث تعهد جزء من مناصريها بقتل القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، واعتبر المشاركون الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر» بسبب دعمها إسرائيل.

إنها تطوّرات بارزة، فقد كانت التجمعات العامة محظورة في تركيا منذ العام 2013. ما كان التجمّعان في اسطنبول ليحصلا من دون إذن رسمي من الحكومة.

تزامناً مع تنظيم هذه التجمّعات، عرض أردوغان لعب دور الوساطة بين إسرائيل و»حماس» لمنع تصعيد الصراع. لكن لا أحد يأخذه على محمل الجدّ نظراً إلى علاقته مع «حماس» ورأيه بها. يوم الخميس الماضي، ذكرت وسائل إعلام تركية أن إسرائيل سحبت جميع الدبلوماسيين الإسرائيليين، بما في ذلك سفير البلد، من تركيا بسبب مخاوف أمنية على صلة بالاحتجاجات (تفيد التقارير بأن السفارة الإسرائيلية رفضت التعليق على الموضوع).

مجدداً، يبدو أن أردوغان أصبح مستعداً لحرق الجسور مع إسرائيل، مع أنه أطلق في بداية العام 2022 محاولة لتطبيع العلاقات بين البلدين، فاستضاف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ وسمح بتبادل السفراء مجدداً. كان أردوغان يأمل بهذه الطريقة في كسر عزلة أنقرة النسبية في المنطقة، بالإضافة إلى استمالة بعض الشخصيات الموالية لإسرائيل في واشنطن، كي تتحسن نظرة الأميركيين إلى أنقرة ويتخلى الكونغرس عن اعتراضه القوي على بيع الأسلحة إلى تركيا.

يُفترض ألا تكون هذه الدوافع الكامنة مفاجئة لأحد. رغم تخصيص عقد كامل لمحاولة إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، حاول أردوغان منذ العام 2022 تجديد علاقاته مع دمشق رغبةً منه في كسب حصة معينة في جهود إعادة إعمار سوريا وإرجاع عدد رمزي من اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

لكن يبدو أردوغان اليوم مستعداً للتخلي عن عملية تجديد العلاقات مع إسرائيل. تثبت هذه المواقف كلها أن الرئيس التركي لا يتردّد في تغيير سياسته الخارجية عند الحاجة.

توقّع الكثيرون ألا يصبح تجديد العلاقات الثنائية ممكناً قبل أن توقف تركيا استضافة «حماس» على أراضيها. كانت هجمات «حماس» في 7 تشرين الأول فرصة مناسبة كي يقف أردوغان إلى جانب إسرائيل، لكن كان متوقعاً أن يهدر تلك الفرصة في أسرع وقت. بدل إدانة «حماس» وإبعاد نفسه عن هذه الجماعة المسلّحة، يحرص أردوغان مجدّداً على التضحية بمصالح تركيا الاستراتيجية خدمةً لقناعاته الإسلامية. سبق وألمح الرئيس إلى احتمال إطلاق أسطول مساعدات آخر إلى غزة، وأعلن أنه ينوي تنسيق ردّه على العملية العسكرية الإسرائيلية المرتقبة في غزة مع نظيره الإيراني، الرئيس إبراهيم رئيسي. تحصل هذه التطوّرات كلها فيما تتساءل الحكومات الغربية عن نطاق تورّط إيران في الأحداث الأخيرة.

من خلال اختيار هذا المسار، يتصرف أردوغان مجدداً بطريقة تؤكد أعمق شكوك الغرب بشأن ميوله الحقيقية. فيما تابعت إدارة جو بايدن تقديم الدعم لإسرائيل عبر جهود الدبلوماسية المكوكية التي يقودها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، كانت أنقرة المحطة الوحيدة الناقصة في جولته الإقليمية. يبدو أن تركيا اختارت الوقوف إلى جانب «حماس» لمجرّد أن أردوغان يفضّل هذا الخيار.


MISS 3