جان الفغالي

ثمن الحرب من دون حرب

26 تشرين الأول 2023

02 : 00

لم يعد السؤال: هل تمتد الحرب إلى لبنان؟ بل أصبح: إلى أي مستوى يمكن أن يصل الثمن الذي سيدفعه لبنان؟

في الأصل كان لبنان حتى السادس من تشرين الأول الحالي، عشية اندلاع حرب غزة، في وضعِ بداية التعافي، بعد موسمِ صيفٍ حافل، وكان الرهان على شتاءٍ واعد وموسم أعياد مزدهر يعيد صورة الصيف بأوجهها البهية.

امتلأت حجوزات الفنادق لموسم الشتاء، قبل أن ينتهي موسم الصيف، وبدأت تباشير التعافي تظهر، إلى أن حلّ السابع من تشرين الأول. انقلبت صورة البلد رأساً على عقِب، دخل اللبنانيون في أجواء الحرب، وثمَّة مَن هوَّل بالإنخراط فيها من خلال «وحدة الساحات» التي سبق أن روَّج لها، وبدأت الأسئلة تتوالى: هل سينخرط لبنان في الحرب؟ متى تكون الساعة الصفر؟ هل سيشنّ «حزب الله» عملية بريَّة؟ ماذا سيكون انعكاسها على لبنان؟ ماذا عن تهديدات إسرائيل بأنّها سترد بطاقةِ نيران تدميرية؟

كل هذه التساؤلات تحوَّلت إلى مخاوف لدى اللبنانيين، وبدأت ترجمتها تباعاً: المغتربون الذين أمِلوا في أن يُمضوا فترة الأعياد في لبنان، ألغوا حجوزاتهم ومشاريعهم، «طارت الشتوية»، الطلاب الذين تسجَّلوا في جامعات لبنان، بدأوا الإلتحاق بجامعات في الخارج، الأطباء الذين غادروا لبنان، بعد انهيار الليرة، وكانوا عادوا بعدما بدأ الوضع بالإنتعاش، يغادرون مجدداً. شركة «طيران الشرق الأوسط» خفَّضت أسطولها الجوي إلى الثلث، كما خفَّضت رحلاتها، البعثات الديبلوماسية غادر معظم أفرادها، كما غادر مواطنو بلدان تلك البعثات، قرى وبلدات الجنوب تعيش أجواء حرب حقيقية، أهلها منهم مَن نزح، ومنهم مَن يصمد في ارضه للحفاظ على ممتلكاته لكن الجميع خسروا محاصيلهم خصوصاً أنّ الحرب جاءت في مواسم ينتظرها ابن الجنوب ولا سيما موسم الزيتون.

إذا لم تكن هذه هي الحرب، فكيف تكون الحرب؟ وإذا لم تكن هذه هي مفاعيل الحرب؟ فماذا تكون مفاعيل الحرب؟

المشكلة أنّ مَن يقومون بالحرب، ومَن وراءهم، «حزب الله» ومن ورائه إيران، يتعاطون مع البلد وكأنّه مجموعة «مجسّمات» لا مشكلة في أن يُطلِقوا الصواريخ من خلفها، كما لا مشكلة في أن تتلقى هذه «المجسّمات» الضربات والصواريخ والقذائف. والأهم من كل هذه الخسائر المحققة، أنّ البلد يعيش من دون بوصلة، يشبه مركب نازحين، عليه حمولة فوق طاقته، لا ربَّان يقوده بل متروكٌ للأمواج العاتية تحت طائلة أن يغرق.

هذه هي حال البلد اليوم، انغماس في مفاعيل الحرب وتحمّل خسائرها، من دون أن يكون هناك قرار بالمشاركة فيها. هذا الواقع يعزز مقولة انّ لبنان أول من يدخل الحرب وآخر مَن يوقِّع السلام. نحن اليوم في قلب الحرب، ومن العبث تكرار أننا ما زلنا في منأى عنها. ويُسأل هنا مَن أدخلنا فيها، والسؤال الأبرز يجب أن يأتي من البيئة الحاضنة له.


MISS 3