مايا الخوري

المُعالِجة النفسية كارلا أوانيس: لتجنيب الأطفال مشاهد الموت والدمار

27 تشرين الأول 2023

02 : 05

تتصدّر حرب غزّة عناوين الصحف والنشرات الإخبارية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومهما حاولنا إبعاد أطفالنا عنها في المنزل، لا بدّ من إنخراطهم في تفاصيلها في المدرسة وفي المجتمع. وسواء تعرّضوا لمشاهد الحرب ومآسيها بشكل مباشر أو غير مباشر، لا بدّ من وسيلة نواكب فيها فضولهم من دون إثارة الخوف والذعر في نفوسهم الطريّة. فكيف نتحدث معهم عن الحرب وكيف نحميهم من صور الموت والدمار التي تثير مشاعر الذعر والقلق لديهم؟



إذا كان الراشدون، الذين واكبوا مفاصل كثيرة في هذا الوطن، شبيهة بضراوة حرب غزّة، لا يتحمّلون مشاهد القتل والدمار والموت، فلماذا نعرّض أطفالنا لهذه الصور المدمّرة لنفوسهم وهم لا يملكون النضج النفسي المتكامل والصلب بعد؟

هكذا تستهلّ الأخصائية في علم النفس، المعالجة النفسية والمستشارة في نفس جسدي، كارلا أوانيس راشد حديثها، لافتةً إلى مسؤولية الأهل ومقدمي الرعاية في تحديد قدرات الطفل على الصعيدين العاطفي والنمو الإجتماعي، وفق سنّه ومستوى إستيعابه وفهمه، لتقديم معلومات بسيطة له لأن الهدف الأساس هو التوعية والحماية لا التخويف والذعر.

وتشير إلى أن أطفال الحضانة والروضة الصغار محميون نوعاً ما من مشاهد الحرب، لأنهم متواجدون في بيئة بريئة بعيدة بطبيعة الحال عن تلك الأخبار، إلا أن الأكبر سنّاً الذين يذهبون إلى المدرسة وينخرطون في المجتمع، فأكثر عرضة لها. «لذا لا بدّ من إستباق الأمور والتحدث معهم عن الموضوع، لتقديم المعلومات البسيطة اللازمة وفق الطريقة المناسبة لسنّهم. وبالتالي حمايتهم من الأخبار المتداولة في المجتمع خصوصاً إذا كانوا يعيشون في كنف عائلة لا تثير تلك المواضيع أمامهم».



كارلا أوانيس



إذاً سنّ الطفل هو المعيار الأساس الذي يحدد كيفية تقديم المعلومات له. ويُستحسن أن يكون قد بلغ أعوامه السبعة. وتضيف: «لبدء حوار سليم، يجب أن نسأله في البداية عن معلوماته الخاصة حول الحرب، وماذا سمع عنها وما رأيه فيها، فنأخذ تلك المعلومات لإعادة هيكلتها في القصة التي نريد سردها له، طبعاً بما يناسب سنّه، مستخدمين تفاصيل بسيطة، بأسلوب غير معقّد، وأمثلة مرتبطة باهتماماته الخاصة في اللعب ليفهمها».

إلى ذلك يجب إستقبال أسئلته برحابة صدر والإجابة عنها من منطلق حواري، بعيداً كلياً من مشاعر الخوف والقلق، وإستيعاب المشاعر التي يعبّر عنها في تلك اللحظة. وتقول: «في حال شعرنا بقلقه وتوتره تجاه هذا الحوار، وُجب دعمه وطمأنته إلى أننا في مكان آمن بعيداً من الخطر، وأننا نحاول فهم ما يحصل في البلاد المحيطة بنا واستيعابه وتفهّم ظروفها ورفع الصلوات لها والتعاطف معها، متجنّبين المعلومات المثيرة للرعب والذعر أو إعطاء أي تفاصيل مثيرة للقلق. حيث من الضروري بثّ روح الأمل والطمأنينة في نفس الأطفال، لأنهم يستمدّون الأمان من أهلهم ومقدّمي الرعاية لهم، مثلما يمتصّون مشاعر القلق لديهم». لذا ننصح الأهل بالتحلّي بالهدوء والموضوعية أثناء حوارهم معهم».

ومن المهمّ برأيها أيضاً تجنّب مشاهد الوجع والموت والأطفال والفيديوات المتداولة عبر مواقع التواصل وفي نشرات الأخبار، والتي لا نتحمّل نحن الكبار رؤيتها فكيف حال الأطفال. كما تجنّب كل ما يمكن أن يسبّب لهم صدمة. لافتةً إلى «ضرورة الإبتعاد في أحاديثنا عن الأطفال الذين يموتون ويُشرّدون ويفقدون عائلاتهم ومن يحبّون. وحماية أولادنا من التعابير التي نتداولها كراشدين والتي تثير مخاوفنا نحن، لأننا لا نستطيع السيطرة عليها، فتنعكس على الطفل وتسبب له قلقاً كبيراً. وتقول: «يفضّل عدم إعطاء الأطفال تفاصيل دقيقة عن المآسي والدمار، فيما يمكن سرد قصة البلدين المتنازعين وأسباب إندلاع الحرب من دون تفنيد وجعها ونتائجها والصدمات التي تسبّبها. خصوصاً أن الطفل يخشى خسارة أهله ومن يحبّ والبقاء لوحده من دونهم، وأن يدمّر منزله».

إن تعريض الطفل لهذه المشاهد لخطر جداً لذا من واجب الأهل الإنتباه إلى عدم توافر وسائل تتيح عرضها في محيطه، كالتلفاز ومواقع التواصل. أما إذا حصل، فوُجب إعطاء معنى لهذه الصور، كالقول مثلاً: «تحدثنا سابقاً عن الحرب وكيف تقع، تعلم بأنه عندما يحدث صدام بين أشخاص، يستعملون القوة والسلاح لتحقيق ما يريدون، وذلك ليس الحل الأنسب. إنما هناك من لا يختار حلاً مناسباً بل يفضّل العنف، الذي يدفع ثمنه الأبرياء. ما تراه هو نتاج بشاعة الحرب وسيئاتها».

ورداً عن سؤال حول العوارض التي يمكن أن تنتج بسبب تعرّض الأطفال لمشاهد الحرب وشعورهم بالخوف، تقول:

صعوبات في التركيز.

اضطرابات في النوم، أرق وبكاء في الليل.

فقدان الشهية أو زيادة في الشهية.

عدم السيطرة على المشاعر، ومنها الغضب السريع.

توارد أفكار سلبية، توتّر وقلق وزيادة في التبوّل.

بكاء كثير.

تعلّق كبير بالأم والمطالبة المستمرّة بعدم الإنفصال عن الأهل.

عوارض نفس جسدية، مثل أوجاع غير بيولوجية في البطن والرأس.

عندها نجلس مع الطفل ونتحدّث معه عن ملاحظاتنا لمشاعره، لأن الحوار مهمّ جداً وكذلك التفاعل والتواجد الدائم معه، للتعبير من خلال اللعب وأداء أدوار معيّنة. وإذا لم يجد الأهل الكلمات المناسبة لطمأنته ولم يتمكّنوا من تخليصه من تلك العوارض، فيُنصح بإستشارة أخصائي. إضافة إلى ضرورة تخفيف إضطراباتهم ومخاوفهم، لأنه لا يمكن الطلب من الأولاد عدم الشعور بالقلق والخوف فيما يعيشون هم في هذه الحال».

وتوضح راشد أن ما يمرّ به العالم ليس طبيعياً، يسبب إضطرابات كثيرة، لذا يجب أن يتجنّب الأهل تلك المشاهد وينشروا التوعية وأن يقوموا بدورهم وفق إمكاناتهم المتاحة، من دون أن ينسوا أهمية حماية منزلهم من كل ما يحدث في الخارج. ومن دون أن ينسوا حاجة أطفالهم لحضورهم والتلاحم معهم وللحب والحنان وأن يؤكّدوا لهم أن عائلتهم متحدة مهما كانت الظروف، وتستطيع تخطي الأزمات. وأن يتأكّد الأطفال أن ثمة أموراً لا نستطيع التحكّم بها، ويجب تقبّل ذلك، مقابل أمور أخرى نحاول التحكم بها قدر الإمكان، ليشعروا بالإطمئنان».

وتختم: «يجب أن يكون المنزل مكانا آمناً، يتبع الطفل فيه نمطاً معيّناً نحافظ عليه قدر الإمكان إضافة إلى استمرار ممارسة النشاطات المعتادة في المنزل وخارجه. لأن هذه الأمور الإيجابية تفسح في المجال أمام إستمرار هذه الحياة التي نضطر للأسف بأن نمرّ بمراحلها هذه».


MISS 3