شربل داغر

"أنا" ليلى بعلبكي

30 تشرين الأول 2023

02 : 00

غياب ليلى بعلبكي سابقٌ، مديد، بعيد، إذ قررتْ التوقف عن الكتابة منذ عقود، وهجرت لبنان في الوقت نفسه.

كما لو أن العلاقة بين الكتابة والبقاء في بيروت كانت لازمة.

ومن يتفحص في ما جرى، قد يقول: لقد أصابتْ. أي أن ما بقي لا يعدو أن يكون نجاحات فردية لأدباء، فيما يتراجع المجتمع، الذي كانت رواية بعلبكي الرائدة، «أنا أحيا» (1958)، من تجلياته الباكرة.

فما أعلنته بعلبكي، منذ عنوان روايتها، يتعدى موضوع الرواية، ليبلغ الصوت والنبرة: صوت «الأنا» التي تتبرم من والدها، وأمها، وجارها، ورب عملها، فيما يثيرها جرح قديم في صدر صديقها العراقي...

هذا الصوت لا يحترم، من دون حرج، المألوف في العادات المحلية، لا سيما بين الرجل والمرأة.

أما النبرة فنزقة، لصبية «شقية» (كما يقال في المصرية المحببة).

فرانسواز ساغان أعلنت ذلك، قبل سنوات قليلة منها: «صباح الخير، يا حزن»، فيما أعلنت بعلبكي صرخة كتومة، ما هو مشروع حياة، في الكتابة على الأقل. صوت بعلبكي جعل للأديبة وجهاً وصوتاً واسماً، ولم تعد تتخفى خلف أسماء مستعارة.

ونبرة صوتها أحالت لغة التعبير العاطفي، بين مي زيادة ونازك الملائكة، على سبيل المثال، صالحة للإنشاء المدرسي وحسب.

هذا الصوت لم يكن إيديولوجياً بالمعنى السياسي، ولا الحزبي، في أدبيات اليسار اللبناني خصوصاً، بل كان صوتاً يعارك في مهموس المجتمع اللبناني، في يومياته، في علاقاته: بين الوالد وابنته، بين المقيم والجيران، بين احتمالات الرغبة المؤجلة دوما بين طالبَين...

ما كان قد تجلى في شعر إدفيك جريديني (شيبوب) وثريا ملحس منذ مطالع الخمسينات في القرن الماضي، بقي من دون أثر حتى العقدين الأخيرين.

أما في السرد، فقد نقلَ حكايات المرأة المكتومة، بعد ما كتبَه يوسف إدريس بشكل خاص في «بيت من لحم».

هذا السرد عرفَ، ولا سيما مع أعداد كبيرة من الروائيات، طفرة عارمة تتعدى من دون شك ما قالته بعلبكي: هذه اكتفت بالصوت والنبرة، فيما اتجهت روائيات وروائيات إلى حكي... الممنوع، ولا سيما الجنسي.

المفارقة في هذا كله، هو أن قضية المرأة تَظهر، تتأكد، في الشعر كما في السرد، فيما تتراجع أحوالها في المجتمعات، ولا سيما مع الحشمة الفقهية ذات الأساس السياسي.

بعلبكي انتصرت بكتابتها أمام محكمة في بيروت، هل كانت لتربح القضية في أيامنا هذه، في بيروت أو غيرها؟


MISS 3