ريتا ابراهيم فريد

الصحة النفسية وقلق الحرب

د. جانين أبو طقه: لا تكبتوا مشاعر الخوف

31 تشرين الأول 2023

02 : 00

يعيش قسم كبير من اللبنانيين في حالة ترقّب بالتزامن مع الحرب في غزة. البعض يتابع الأخبار لحظة بلحظة ويمضي غالبية أوقاته على مواقع التواصل الإجتماعي، فيما يسترجع البعض الذكرى الأليمة لانفجار الرابع من آب، بالتزامن مع قلق وخوف وحزن شديد جراء أخبار الموت ومشاهد الدمار. في هذا الإطار، تواصلت «نداء الوطن» مع المعالجة النفسية د. جانين زيادة أبو طقه التي شدّدت على ضرورة التعبير عن مشاعر الخوف ومشاركتها مع الآخرين، كما وجّهت نصائح تساعد على الحفاظ على الصحة النفسية خلال هذه الفترة.

كثيرون يعيشون اليوم في حالة خوف نتيجة الظروف الأمنية المحيطة وأخبار الحرب. لكن متى يصبح هذا الخوف غير طبيعيّ؟

الخوف هو شعور طبيعي حين يحسّ الفرد بأنّ هناك ما يهدّد حياته، خصوصاً حين يكون ذلك الخطر واقعياً. لكنّ الأمر يتخطّى الحدود الطبيعية حين يدخل الإنسان في حالة هلع تتملّكه من دون توقّف، بحيث يواظب الدماغ على إعطاء إشارات للجسم بأنّ هناك خطراً ما، ويستجيب الجسم من خلال عوارض مختلفة، منها تشنّج العضلات، وقد يؤدّي ذلك الى نوبات هلع، ويتأثّر النمط اليومي لحياة الإنسان. فالبعض مثلاً يخلدون الى النوم بثيابهم العادية تحسّباً لما قد يحصل، أو يجهّزون حقيبة أغراض كي يحملوها مباشرة ويغادروا. هنا يمكن القول إننا خرجنا عن الحالة الطبيعية. علماً أنّ هذا الخطر قد يكون بعيداً، فتخيّلوا ما يمكن أن يعاني منه الجسم خلال هذه الفترة.

هل من الصحّي أن نعترف بمشاعر الخوف ونتحدّث عنها أمام الآخرين؟ أم أن ذلك قد يساهم في تفاقمها؟

بالتأكيد هو أمر صحّي. من المهمّ جداً أن يعترف الإنسان بمشاعره لا أن يكبتها في جسمه ويقوم بردود فعل إنفعالية. لكن من الضروري أن يعبّر عنها بطريقة سليمة ويقول: أنا خائف وقلق، وعليّ أن أحاول البحث عن حلول. فحين يكتفي الإنسان بالتعبير عن مشكلته من دون التفكير في حلّ، من شأنه أن يدخل في دوّامة سلبية وقد يجذب نحوه الأشخاص المحيطين به. لذلك، هذا الخوف الذي نعيشه اليوم على صعيد الجماعة، يمكننا أن نتشارك بالتعبير عنه، وقد نصل الى حلول على صعيد جماعي أيضاً.

كثيرون يكرّسون معظم وقتهم لمتابعة مواقع التواصل الإجتماعي وأخبار الحرب. هل يمكن أن نصنّف ذلك في خانة الإدمان؟

الأمر ليس إدماناً على مواقع التواصل الإجتماعي، إنّما قد يكون تجسيداً لتعاطف مع أشخاص نشعر بالعجز أمام تقديم المساعدة لهم. فننشر أخبارهم على صفحاتنا ونطلب الرحمة للضحايا ونصلّي على نية المصابين والجرحى.

الى جانب ذلك، فمتابعة الأخبار بهذه الدقّة تأتي نتيجة أسباب مختلفة. البعض للأسف يتابع فقط على سبيل الحشرية. بينما يتابع آخرون بسبب خوفهم من تداعيات الحرب وتوسّعها على صعيد المنطقة. وهناك من يتابع ليحاول تقديم المساعدة من خلال منظّمات غير حكومية.

ماذا عن إحساس الذنب الذي نشعر به بعد كل مجزرة، حين نلوم أنفسنا لأننا بقينا أحياء؟

أكثر ما يلفت انتباهنا أثناء مشاهدتنا صور المجازر هو الأبرياء والعائلات التي تعيش التفكّك، والأشخاص الذين يبحثون عن أحبّائهم، أو الذين توفّوا بطريقة مروّعة. من الطبيعي هُنا أن نشعر بالتعاطف وأن ينهض الحسّ الإنساني بقوّة في داخلنا، فنشعر بالذنب لعدم قدرتنا على القيام بشيء حيال ما يحصل أو على الأقلّ تقديم المساعدة واحتضان هذه الأوجاع التي نشاهدها على وسائل الإعلام. هُنا يقف الإنسان عاجزاً أمام هذا الظلم الكبير. وحينها يشعر بالذنب لأنه يكمل حياته ولا يزال ينعم بأبسط الأمور الحياتية مثل الطعام والشراب والنوم، بينما هناك ضحايا وأبرياء يعانون الأمرّين بظروف مأسوية وقاسية جداً.

بالنسبة للبنانيين بشكل خاص. كيف يمكن الربط بين «تروما» انفجار الرابع من آب وبين ما يحصل في غزة؟

لا شكّ في أنّ كليهما شكّل صدمة وهلعاً لم يقتصر على الأفراد، إنما هو على صعيد شعب كامل وتاريخ ووطن. رغم أنّ الحقيقة الكاملة في انفجار المرفأ لم تظهر، بينما العدوّ في غزة معروف، لكنّ الأبرياء كانوا هم الضحايا في الحالتين، من هُنا الترابط الإنساني بين المجزرتين.

البعض يشعرون أنهم فقدوا الإحساس بأي شيء بعد انفجار المرفأ، حتى مشاعر التعاطف. كيف يمكن توصيف هذه الحالة؟

هو ليس فقداناً للإحساس. لكن عندما يخسر الإنسان شخصاً عزيزاً، سينهار ويبكي ويمرّ في مراحل الحداد. وحين يشارك في دفن شخص بعيد، سيبكي على موتاه الذين فقدهم. بالتالي حين نشاهد ما يحصل في غزة، سنتذكّر أوجاعنا التي مررنا بها، ومنها الحرب الأهلية وانفجار بيروت. وهُنا للأسف يشعر البعض أنّه لم يحصل على التعاطف الكافي لأوجاعه من الآخرين، بينما يشعر البعض بالتعاطف الإنساني مع الشعوب الأخرى بينما لا يزال يبكي على أوجاعه، ويسأل نفسه عن كيفية قدرته على تضميد جراحهم بينما جراحه هو لم تُختم بعد.

كمعالجة نفسية، هل من نصائح تساعدنا للحافظ على صحتنا النفسية خلال هذه الفترة الصعبة؟

الأهمّ هو محاولة إقامة توازن بين التفكير العقلاني وبين المشاعر. فلا يمكن لأيّ عنصر أن يلغي الآخر. وحين نفكّر بعقلانية، سوف نركّز أكثر على ما يحصل هُنا والآن Here and now، لا أن نستمرّ بربط الماضي بالحاضر أو القلق مما قد يحدث في المستقبل و»يمكن هالشي يصير ويمكن ما يصير»، فهذا العنصر المفاجئ أو المجهول قد يتلف أعصاب الإنسان. من الضروري أيضاً المحافظة على الروتين اليومي والذهاب الى العمل أو الجامعة أو المدرسة وممارسة النشاطات اليومية التي نقوم بها عادة، وأن يحاول الإنسان أن يكون منتجاً. يُنصح أيضاً بممارسة تمارين التنفّس والاسترخاء إذا كان ذلك ممكناً. أنصح أيضاً بتطوير الأفكار البديلة عن السوداوية وتعزيز مشاعر الأمل والإيجابية والرجاء. ربما يكون ذلك من خلال الصلاة أو تنمية العلاقات وطلب الدعم من الأصدقاء والمقرّبين، كذلك يمكن طلب المساعدة من أصحاب الإختصاص. وأيضاً يجب الانتباه الى الحاجات الأساسية كالطعام والنوم وممارسة الرياضة. كل هذا يساعد الإنسان على تعزيز غريزة الحياة لديه.


MISS 3