جوزيف باسيل

إفلاس الديمقراطية

مضت سنة على خلو سدّة الرئاسة الأولى في لبنان، ما كان مقدّراً أن يستمر الخلو سنة، ولا أن يكون أصلاً لولا التلاعب بنصوص الدستور، ممن يجب أن يكون قيّماً على تطبيقه بحذافيره، بناء على المواد الدستورية: 49، 73، 74، 75. لكن يبدو أنّها لعبة مقصودة لحكم البلاد بلا رئيس جمهورية، والتحكم في مقدرات الحكم دون رقيب أو حسيب. كان يفترض بالنواب وهم أساس اللعبة الديمقراطية أن يجتمعوا حكماً في اليوم العاشر «الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس». ولأن ذلك لم يحصل فليس ما يمنع من أن يجتمع مجلس النواب كهيئة انتخابية، في أي زمان ومكان لانتخاب الرئيس. إنّ النواب، خصوصاً الذين مارسوا لعبة إفقاد النصاب، ساهموا في حذف الموقع المسيحي، الأول والأوحد، من المعادلة اللبنانية، أي انّ البلاد تسير الهوينا، من دون الشريك المسيحي الذي يفترض أن يكون أحد الأساسيين في الوطن. إنّ حذف موقع رئاسة الجمهورية من معادلة الحكم هو حذف للمسيحيين من المعادلة اللبنانية، وبالتالي اعتبار أنّ الأمور تسير دون رئيس جمهورية ويمكنها أن تستمر دون مسيحيين أي بعدم وجودهم.

لا يقلل أحد من خطورة الأمر ولا يضعه في إطار «اللعبة الديمقراطية» المزيفة، لأنّه أمر خطر يضع السؤال على حافة الهاوية: هل الوجود المسيحي في لبنان مهدد؟ وهل هو واجب الوجود أم عرضة للاستغناء عنه؟

في اليوم الأول من السنة الثانية لخلو سدّة الرئاسة، نتمنى أن يفكر النواب اللبنانيون، في ما هو خارج الروتين المعهود في الدعوة إلى جلسات فولكلورية، كأن يتداعوا إلى الالتئام كهيئة انتخابية في أي مكان وزمان في بيروت، إذا كان مقر البرلمان غير متوافر أو مغلقاً، من أجل انتخاب رئيس الجمهورية، حتى بالنصف زائداً واحداً إذا تأمنت الغالبية النيابية. وأتمنى على البطريرك الماروني بشارة الراعي أن يدعو المرجعيات الدينية إلى المطالبة بجلسة واحدة لانتخاب رئيس أياً يكن، بعد أن يكون ناشد النواب جميعاً، ولا سيما المسيحيين، عدمَ التغيب عن الجلسة حتى انتخاب رئيس. إنّ أي تهاون من النواب المسيحيين في انتخاب رئيس يعتبر ممالأة للمعطلين، وهذا لم يعد مقبولاً، وإنّ تخلف النواب المسلمون عن الالتئام يعني تخلياً عن الميثاق الوطني وفكاً للشراكة مع المسيحيين. ما عادت الأوضاع تحتمل المواقف الرمادية.

وبناء على المادة 49 يقول المشرع الدستوري حسن الرفاعي «إنّ الحيلولة المتعمدة دون انتخاب رئيس الجمهورية هي بمثابة تعطيل للنظام (الجمهوري الديمقراطي البرلماني) وانقلاب عليه»، وبالتالي فإنّ مواجهة التعطيل المتعمد تكون بتطبيق نظرية «الظروف الاستثنائية» التي يتلطون خلفها حالياً للحكم من دون رئيس جمهورية.