أغاثي ديماري

أسهل طريقة لزيادة فعالية العقوبات ضد روسيا

2 تشرين الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

يكفي أن نهمس كلمة «تريكبوت» أو «كونتي» أمام خبراء الأمن السيبراني كي يشعروا بالذعر. تستعمل عصابة من المقرصنين في روسيا أنواعاً من البرمجيات الخبيثة وبرامج الفدية للتسلل إلى خوادم الحواسيب ومطالبة الشركات والمستشفيات والوكالات الحكومية الغربية بـ800 مليون دولار على الأقل. في شهرَي شباط وأيلول، فرضت بريطانيا والولايات المتحدة عقوبات مشتركة على 18 عضواً من نقابة القراصنة بسبب تورطهم في تلك الاعتداءات. وجّهت واشنطن ولندن بهذه الطريقة ضربة موجعة للمقرصنين وموسكو في آن: دعمت عصابة «تريكبوت» و «كونتي» غزو أوكرانيا وتلقّت على الأرجح توجيهات من أجهزة الأمن الروسية. تمنع تلك العقوبات أعضاء النقابة من السفر إلى الولايات المتحدة أو بريطانيا وتُجمّد أصولهم في هذين البلدين. لكن كان لافتاً ألا يفرض الاتحاد الأوروبي أي عقوبات، فترك للمقرصنين حرية التحرك في بلدانه.



لا يعكس هذا الخلل الواضح أي خطأ إداري. منذ انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2020، بدأت لندن وبروكسل تتخذان القرارات المرتبطة بفرض العقوبات بشكلٍ منفصل بالكامل، وما من آلية رسمية لضمان أي توافق بين التدابير البريطانية والأوروبية. أدى هذا الوضع إلى نشوء اختلافات تنظيمية (إنها عبارة مخففة للإشارة إلى وجود ثغرات في العقوبات)، وتستطيع موسكو وجهات خبيثة أخرى استغلال ما يحصل. تُعتبر عصابة «تريكبوت – كونتي» مثالاً بسيطاً على هذا النوع من الاستغلال، لكنها تسلّط الضوء أيضاً على ضرورة تجديد التعاون بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في مجال العقوبات. سيكون تكثيف التعاون بين الطرفين طريقة سريعة وغير مكلفة لسدّ الثغرات الفاضحة في العقوبات المفروضة وتوجيه ضربة موجعة إلى الكرملين.

قد يؤكد أي مسؤول غربي أن التعاون بين دول مجموعة السبع في مجال فرض العقوبات على روسيا يسير على ما يرام. قد يكون هذا الكلام صحيحاً على الورق. خلال الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، أقدمت الدول الغربية جماعياً على تجميد حوالى نصف احتياطيات النقد الأجنبي التي تملكها روسيا (640 مليار دولار)، بما في ذلك بريطانيا، والولايات المتحدة، و27 عضواً في الاتحاد الأوروبي. كذلك، يُعتبر تحديد سقف الأسعار بشكلٍ مشترك من جانب مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي مثالاً آخر على التعاون لفرض العقوبات الغربية. لكن على أرض الواقع، يبقى هذا التنسيق استثناءً على القاعدة بدل أن يكون المعيار المعتمد. عملياً، يتراجع مستوى التعاون بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لاستهداف رجال الأعمال المرتبطين بالكرملين والجماعات غير الشرعية التي تساعد آلة الحرب الروسية.

تتعدد الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع: تزعم الحكومة البريطانية من جهتها أنها لم تعد تشكّل ملاذاً آمناً للأثرياء الروس، لكن يُصَعّب القانون البريطاني حتى الآن فرض العقوبات على أي شخص أكثر من قوانين الاتحاد الأوروبي. مع ذلك، لا يُعتبر هذا العائق مستعصياً، إذ سيكون تكثيف التعاون لفرض العقوبات على روسيا تطوراً إيجابياً لثلاثة أسباب على الأقل. السبب الأول واضح: تسمح أي تعيينات مشتركة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بزيادة فعالية العقوبات. عند تعيين مسؤولين مشتركين لتحقيق هذه الغاية، سيُمنَع الأفراد والشركات المتورطة في نشاطات غير شرعية من السفر إلى بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي أو القيام بنشاطاتها انطلاقاً من تلك البلدان، ما قد يضخّم أثر العقوبات الغربية أو يُجبِر حلفاء آخرين يحملون العقلية نفسها (مثل كندا، وأستراليا، واليابان) على فرض تدابير مماثلة ضد المجموعة المشبوهة نفسها من الأشخاص أو الشركات.

على صعيد آخر، يمكن تسهيل رصد مخططات التهرب من العقوبات عبر إعطاء طابع رسمي لتقاسم المعلومات بين بريطانيا وأعضاء الاتحاد الأوروبي. قد تصبح التعيينات المشتركة بين الطرفين مفيدة على نحو خاص لضبط الشبكات غير الشرعية التي تهرّب أشباه الموصلات إلى الجيش الروسي، وهي عمليات تنتهك قيود التصدير الغربية بكل وضوح. يقع عدد كبير من الشركات التي تقوم بهذا النوع من النشاطات في الصين، أو تركيا، لكن تتواجد شركات أخرى في بريطانيا والاتحاد الأوروبي. في وقتٍ سابق من هذا الشهر، وضعت واشنطن 49 كياناً على اللائحة السوداء على خلفية شحن أشباه الموصلات إلى موسكو، منها ثلاث شركات تنشط من بريطانيا، وفنلندا، وألمانيا. انطلاقاً من هذا الوضع، تبدو التدابير المشتركة لمعالجة مشكلة التهرب من العقوبات منطقية. كذلك، تُعتبر بريطانيا وفرنسا المنتسبة إلى الاتحاد الأوروبي من البلدان القليلة التي تملك القدرات الاستخبارية اللازمة لتحديد الشركات التي تتحايل على العقوبات.

يتعلق السبب الثاني بالقطاع الخاص. يواجه جزء كبير من الشركات الغربية التي اختارت البقاء في روسيا بعد بدء الغزو ضد أوكرانيا وضعاً شائكاً. إلى جانب القيود التي فرضتها موسكو لتعقيد إجراءات مغادرة البلد، تذكر شركات متعددة الجنسيات أن المصاعب التي يفرضها التعامل مع أنظمة عقوبات مختلفة تزيد استراتيجيات الخروج تعقيداً. قد يكون هذا الرأي خادعاً طبعاً، ما يعني أن تختار بعض الشركات الخاصة البقاء في روسيا وتستعمل اختلاف العقوبات المفروضة كعذر لتجنب الانتقادات. من خلال تنسيق التشريعات المرتبطة بالعقوبات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، قد تصبح هذه الفكرة محط جدل أو تساعد بعض الشركات على مغادرة السوق الروسي.

أخيراً، سيكون التعاون الأوروبي الشامل في مجال العقوبات تدبيراً استباقياً مفيداً يستطيع الأوروبيون اتخاذه إذا قرر أي رئيس جمهوري في الولايات المتحدة وقف سياسة العقوبات الأميركية تجاه روسيا بدءاً من العام 2025. لا تبدو المخاطر المطروحة افتراضية بأي شكل: لم يتردد عدد كبير من المرشحين الجمهوريين، بما في ذلك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وحاكم فلوريدا رون دي سانتيس، ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي، في اعتبار دعم أوكرانيا ضد روسيا قراراً غير منطقي من الجانب الأميركي. سيكون انتخاب أي من هؤلاء المرشحين عائقاً أمام سياسة العقوبات الغربية ضد روسيا. إذا كان الأوروبيون جدّيين في التزامهم تجاه أوكرانيا على المدى الطويل، سيكون بناء جبهة موحدة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي فكرة ممتازة لبدء التحضيرات لأي تغيير محتمل في المواقف الأميركية تجاه موسكو.

لكنّ أي اقتراح منطقي على الورق حول السياسات المعتمدة لن ينجح عملياً بالضرورة. غالباً ما تكون الاقتراحات الممتازة معقدة أو مكلفة أو لا تحظى بدعم كافٍ لتنفيذها. من الناحية الإيجابية، يمكن تجنّب هذا النوع من الإخفاقات عبر تكثيف التعاون في مجال العقوبات.

أولاً، سيصبح تطبيقها سهلاً. كان الطرفان يتعاونان قبل حقبة «بريكست»، وسبق وجرى تعيين المسؤولين عن إقرار العقوبات وتنفيذها في المعسكرَين. كمنفعة إضافية، تتكل لندن على فِرَق مجهّزة ورفيعة المستوى لفرض العقوبات ويحسدها عليها نظراؤها الأوروبيون.

ثانياً، يمكن تجديد التعاون لفرض العقوبات على روسيا من دون أي مبالغ مالية أو عبر تمويل بسيط. بعد تبنّي العقوبات، من واجب الشركات الخاصة أن تطبّق التدابير المنتقاة وتغطي تكاليف الامتثال. على المستوى الحكومي، تبقى المخاطر التي ترافق تصميم وتنفيذ برامج العقوبات ضئيلة ولا تتطلب مفاوضات مطولة حول الميزانية. كذلك، لن يجني الطرفان أي أموال من هذه العملية. قد تكون العقوبات من المجالات القليلة التي تفتقر فيها بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى شركات يمكن دعمها لخلق فرص عمل وزيادة العائدات المالية، علماً أن الطرفَين أصبحا من أشرس الجهات المتنافسة اقتصادياً منذ تنفيذ خطة «بريكست».

ثالثاً، يتراجع اهتمام الرأي العام بالجوانب التقنية للعقوبات، ما يحدّ من مخاطر إبداء ردود أفعال سياسية قوية. لا يهتم إلا الخبراء بتفاصيل العقوبات المفروضة، ولا يلتفت الكثيرون إلى كونها تدابير مشتركة أو أحادية الجانب. كذلك، يسود إجماع أوروبي واسع حول ضرورة مواجهة روسيا. وفق استطلاع أجراه مركز «بروغل» في بداية العام 2023، حافظ الدعم لسياسات العقوبات على مستوى مستقر منذ شباط 2022. قد تطلق روسيا مزاعم معاكسة، لكن تدعم الأغلبيات في معظم البلدان الأوروبية العقوبات الاقتصادية والمالية. وبسبب هذين العاملَين، لن يكون تكثيف التعاون بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لفرض العقوبات مثيراً للجدل على الأرجح. بعبارة أخرى، لن يهتم الكثيرون بفرض هذا النوع من العقوبات المشتركة بين الطرفَين، باستثناء الأفراد المتضررين، والشركات ذات الصلة، والكرملين طبعاً.

تشكّل العقوبات أداة أساسية كي تقيّم البلدان الغربية قدرة روسيا على شن الحرب ضد أوكرانيا. نتيجةً لذلك، يُفترض أن يصبح تفعيل تلك التدابير وترسيخها على رأس أولويات الحلفاء، ما يضمن زيادة امتثال القطاع الخاص. هذا هو السبب الأصلي الذي يبرر تكثيف التعاون بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في مجال العقوبات. لن تكون هذه المقاربة حلاً سحرياً لتغيير حسابات موسكو في أوكرانيا، لكن يمكن الاستفادة من أي خطوة إيجابية في هذا المجال، وقد يصبح توسيع التعاون لفرض العقوبات أسهل طريقة لإعادة إحياء العلاقات السياسية بين الأطراف المعنية.