باسمة عطوي

مخاصمة الدولة "سلاح" سلامة بموافقة المنظومة السياسية - القضائية

تقاعد أبو سمرا يُحيي أمل تحريك ملف سلامة

6 تشرين الثاني 2023

02 : 00

لماذا تراجع زخم التظاهرات؟

أيام قليلة تفصل عن تقاعد قاضي التحقيق الاول في بيروت شربل أبو سمرا في 9 تشرين الثاني الحالي، ما يعني أن طرفيّ المواجهة في ملف رياض سلامة أي الحاكم السابق للمصرف المركزي والمنظومة السياسية التي تحميه من جهة، وهيئة القضايا في وزارة العدل من جهة أخرى سيبذلون جهدهم لوضع هذا الملف في المكان الذي يريدونه، فأي من الفريقين سيصل الى هدفه؟

على ضفة هيئة القضايا، فهي لن تقف مكتوفة الايدي بعد تعيين قاض جديد بدلاً من أبو سمرا (بحسب ما علمت نداء الوطن)، بل ستتحرك لتعيد هذا الملف الى المسار الذي يضمن عودة حقوق الدولة اللبنانية. وهذا ما لم تكن مطمئنة له في عهد القاضي أبو سمرا، فكانت الدعوى لكف يده أمام محكمة التمييز على خلفية عدم توقيفه سلامة. أما على ضفة المنظومة السياسية فما تريده فهو إدخال الملف في دوامة تعطيل طويل الأمد، على غرار ما حصل في ملف انفجار المرفأ. أي أن تتحول جرائم الاختلاس والتزوير وتبييض الاموال المتهم بها سلامة، الى حقيقة ضائعة، والمجرم يسرح ويمرح على هواه مستخدماً اسلوب قضايا مخاصمة الدولة. والمعروف أن هيئة غرف التمييز معطّلة منذ أكثر من سنة ونصف السنة بسبب إحالة أكثر من نصف أعضائها على التقاعد وعدم تعيين بدلاء عنهم. وهذا يعني أن هذه الهيئة لن تنظر في دعاوى المخاصمة إلا بعد تعيين الأعضاء، علماً أن تعيينهم بحاجة إلى مرسوم وزاري وهو الأمر غير المتوفر حالياً بحجج طائفية مغرضة!

بداية الإشكالات

للتذكير، بتاريخ 3/8/2023 تقدمت الدولة اللبنانية، ممثلة برئيسة هيئة القضايا بوزارة العدل باستئناف الطعن بالقرار الصادر عن قاضي التحقيق الأول في بيروت بتاريخ 2/8/2023، الخاص بترك سلامة رهن التحقيق، واستند القرار الصادر عن الهيئة الاتهامية إلى نص المادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يوجب على قاضي التحقيق بعد استجواب المدعي إتخاذ القرار بتوقيفه أو تركه.



رجا سلامة وماريان الحويك إلى التحقيق من جديد



رجا وماريان

بحسب مصدر قضائي لـ»نداء الوطن» فإن «تعيين قاض جديد سيحرك ملف سلامة ويمكنه من إكمال التحقيق فيه، لأن الدعوى تشمل إلى رياض سلامة، كلاً من شقيقه رجا ومساعدته ماريان حويك وباقي شركائه. وهذا يعني أن الملف ليس مربوطاً فقط بدعوى المخاصمة التي أقامها الحاكم السابق للمركزي ضد الدولة»، موضحاً أن «القاضي الجديد الذي سيستلم الملف ليس هناك دعوى عليه من قبل سلامة. حتى لو تم رفع دعوى عليه وفي حال بقي قاضي التمييز في الهيئة العامة على نهجه السابق بعدم الاجتماع، سيتوقف الملف بالنسبة لرياض سلامة، ولكن ليس بالنسبة لشركائه الذين يمكن استكمال التحقيق معهم».

شربكة تعيين البديل

تجدر الاشارة الى أنه تمّ اقتراح القاضي وائل صادق ليتولى منصب قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا بعد إحالته على التقاعد في التاسع من تشرين الثاني المقبل، لكن قضاة دائرة التحقيق رفضوا تنفيذ قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله، الذي قضى بتكليف صادق بديلًا عن أبو سمرا، ما أدى الى تراجع صادق نتيجة اعتراض قضاة دائرة التنفيذ على تكليفه من قبل القاضي رزق الله. والقضاة المعترضون هم فؤاد مراد، فريد عجيب، بلال حاوي وروني شحادة. وقد جاء الاعتراض على طريقة التكليف وليس على أسماء القضاة المكلفين، لسبب أساسي وهو عدم مراعاة درجات القضاة.

وفي تفاصيل هذا الاعتراض، فإن تكليف صادق (سني) كان تجاوزًا لـ4 قضاة هم أعلى درجة منه، فيما كان متوقعاً أن يكلّف القاضي فؤاد مراد (كاثوليكي) على اعتبار أنه الأعلى درجة بين زملائه قضاة دائرة التحقيق. وبما أن سلامة مع شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك وآخرين متهمون بجملة جرائم مالية أبرزها الاختلاس والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، يرى مطّلعون على هذا الملف أنّ «المنظومة السياسية مهتمة بمعرفة اسم من سيستقر عليه الرأي ليكون قاضي التحقيق الأول. كما أنّ الأوساط القضائية ولا سيما رئيس المجلس الأعلى للقضاء سهيل عبود والنائب العام التمييزي غسان عويدات يتابعان القضية أيضاً للاتفاق على اسم بداية هذا الأسبوع».



نزار صاغية



العقبة الأساسية ليست في اسم القاضي

يشرح المدير التنفيذي لـ»المفكرة القانونية» المحامي نزار صاغية لـ»نداء الوطن» أن «مشكلة رياض سلامة في مكان آخر لأنه تقدم بدعوى مخاصمة أمام محكمة التمييز ضد الدولة اللبنانية، على نسق الدعاوى التي قدمت ضد القاضي طارق بيطار في ملف المرفأ. وهذه الدعاوى توقف التحقيق بشكل فوري حتى تبت الهيئة العامة للتمييز بهذه الدعوى. وهي لا يمكنها ذلك لانه لم يتم تعيين الاعضاء، وهي اليوم فاقدة للنصاب الذي يمكنها من الاجتماع والبت بالدعاوى»، جازماً بأن «قضية سلامة ستبقى جامدة طالما انه لم يبت بدعوى امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز. وهذه البدعة التي تم اطلاقها بايقاف هيئة محكمة التمييز، أصبح بموجبها أي مدعى عليه يمكنه ايقاف اي دعوى مقامة ضده. هذه من اخطر البدع التي تم ترسيخها في لبنان، والتي من شأنها ان تلغي اي عمل محاسبي او قضائي. وهذا ما ينادي بتصحيحه ائتلاف إستقلال القضاء مرات عديدة وقدم اقتراح قانون لتجاوز هذه العقبة، ولكن اقتراح القانون في ادراج المجلس النيابي من دون تحريك».

إيقاف أي دعوى

يضيف: «أريد افتراض حسن النية، فإذا تّم تعيين أفضل قاضي تحقيق، فالمدعى عليه يمكنه ايقاف الدعوى المقامة ضده بدعوى مخاصمة الدولة، أي اننا أصبحنا بمكان لا أهمية لشخصية القاضي واستقلاليته، لأن هناك ثغرة يمكن للمتضررين أن يعطلوا من خلالها أي دعوى، وهنا لب المشكلة. صحيح أن هناك ملاحظات على القاضي أبو سمرا ومحاباته للسلطة السياسية، ولكن طالما أن هذا الموضوع لم يتم حلّه في محكمة التمييز فان شخصية القاضي وهويته وسيرته الذاتية لن يكون لها تأثير، وهذا هو المهم والاساسي».

يلفت صاغية الى أنه «تّم انتداب قاض مكانه وهو القاضي صادق وأصدر نادي القضاة بياناً ضد هذا الانتداب، لأنه إعتبر أنه يجب أن يحل مكانه الشخص الذي لديه الاقدمية اي القاضي فؤاد مراد. ولكن تم القفز فوق قضاة التحقيق الذين لديهم اقدمية»، معتبراً أن «هذه الخطوة تدل على الهامش الذي تعطيه السلطة السياسية لنفسها خلافاً للأعراف المعمول بها، كي تتمكن من تعيين القاضي الذي تريده في هذا الموقع، ولهذا حصلت مشكلة كبيرة مع وزارة العدل بعد البيان الذي اصدره نادي القضاة».



علي زبيب



ما الحكمة من شكوى اسكندر؟

من جهته يشرح الخبير القانوني في الشؤون المصرفية والاقتصادية الدكتور علي زبيب وجهة نظره حول مصير سلامة بعد تقاعد أبو سمرا، فيقول لـ»نداء الوطن»: «هناك تساؤلات عديدة حول امكانية أو قيام المنظومة السياسية بالتدخل مباشرة لضمان قاض جديد يهتم بمحاباة سلامة كي لا تتطور الامور ويوجه اليه الاتهام ويطلب توقيفه»، مؤكداً أن «الملف المتعلق بسلامة لم يسر بالطريق القانوني الصحيح على الأقل خلال ولاية القاضي أبو سمرا على هذا الملف، وكل المتابعين لم يكونوا متفائلين بحدوث تطور جديد فيه. ولا بد من التذكير أن القاضي أبو سمرا رفض التعاون مع الوفد القضائي الاوروبي، ولم يسمح لهم بالدخول الى مصرف لبنان للتحقيق في الجرائم المالية المتهم فيها حاكم مصرف لبنان السابق وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك وهي الاختلاس والاثراء غير المشروع والتهرب الضريبي». ويشير الى أن «عدم تعاون أبو سمرا اعتُبر نوعاً من المحاباة لسلامة، أما بالنسبة الى البديل، فالمادتان 35 و 36 من قانون تنظيم القضاء العدلي، تنص على أنه لا بد من اعتبار رئيس الدائرة القضائية هو الرئيس الاعلى درجة ويجب ان يحل مكان قاضي التحقيق الاول في هذه الحالة، وعند تساوي الدرجات يكون الرئيس او الاقدم عهداً في القضاء، واذا تساووا يحل مكانه القاضي الاكبر سناً»، جازماً بأنه «في ظل هذه الشروط والمواصفات بات موضوع أسماء القضاة المرشحين للحلول مكان أو سمرا محدوداً الى حد ما، ولم تعد هناك لائحة كبيرة من الاسماء».

مشكلة لم نفهمها

يرى زبيب أن «المشكلة الفعلية التي حصلت مؤخراً والتي لا نزال كأوساط قانونية لم نفهمها الى الآن، هو ما قامت به رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر (التي هي دائمة الحرص على انجاز الملفات بسرعة وايضاً كان لها موقف حاد من رياض سلامة). حيث أنها تقدمت بدعوى امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز وطعنت بتصرفات أبو سمرا، لأنها اعتبرت انه في جلسة 2 آب ترك الحاكم رهن التحقيق بانتظار استكمال الاستجواب وكان الحري به توقيفه»، مستدركاً أن «المشكلة ليست في طبيعة الشكوى بل في اجراءات الشكوى. لأنه بمجرد أن القاضية اسكندر تقدمت أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز (المتوقفة عن العمل بسبب شغور مراكز أكثر من نصف أعضائها وعدم وجود امكانية تعيين هؤلاء الاعضاء لعوامل سياسية ومنها الفراغ في رئاسة الجمهورية)، هذا ما أدى الى دخول ملف سلامة في دوامة طويلة، خاصة أن القاضية اسكندر هي التي ادعت باسم الدولة على سلامة وشقيقه ومساعدته بالاختلاس والتزوير وتبييض الاموال. ولذلك، إدعاؤها امام محكمة التمييز بموضوع التحقيق الذي أجراه أبو سمرا مع سلامة اعطى الاخير خدمة عظيمة، لأنها ساهمت في إطالة أمد البت في ملفه بانتظار اجراء تشكيلات قضائية جديدة وهذا لن يحصل في وقت قريب».

ويختم: «هذه الخطوة غير مفهومة وتقتضي التبرير من القاضية اسكندر، وللأسف الشديد لا تزال الاوليغارشيا هي نفسها ولا يزال حاكم مصرف مركزي إرتكب فظاعات ببلد وشعب وقطاع مصرفي وأدى الى هذا الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، من دون عقاب او محاسبة كما يجب. علماً انه ليس وحده المسؤول، ونتمنى أن لا يكون مصير ملف سلامة كمصير عدد كبير من الملفات في لبنان وأهمها ملف المرفأ.


MISS 3