منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى والعبور التاريخي للمقاومين الفلسطينيين لغلاف غزة وإنزال هزيمة تاريخية بجيش العدو الصهيوني وآلته الحربية، والتفوق على تقنياته الكهرومغناطيسية وإعماء جميع عيونه الأمنية، انكشف الجيش الذي لا يقهر أنه فعلاً أوهن من بيت العنكبوت. فهبّ الغرب بقده وقديده، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، لنجدة طفله المدلل، فاحتشدت الأساطيل وحاملات الطائرات وقوات النخبة من القوى العسكرية المجربة وانخرطت بتقديم الخبرة والمشورة والمشاركة الميدانية أحياناً في حرب إبادة للشعب الفلسطيني في غزة، وقتل واعتقال وتجريف للمخيمات في جنين ونابلس والقدس ورام الله... آلاف القتلى من المدنيين سقطوا، 70 بالمائة منهم من الأطفال والنساء وما يزيد على ثلاثين ألف جريح ومصاب وأكثر من ربع مليون مسكن دُمّرت على رؤوس أصحابها، والعداد يراكم أعداده ساعة بعد ساعة.
وما يسمى بالعالم الحر لا يكتفي بالتفرج على فصول الإبادة التي تمارسها النازية الصهيونية، بل يرفض ويعيق أي دعوة لوقف العدوان الصهيوني على غزة حتى لدواعٍ إنسانية. والأنكى هو موقف وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في عمان بوزير خارجية أميركا أنطوني بلينكن الذي يفخر بيهوديته، ويعلن بوجههم رفضه وقف إطلاق للنار في غزة ويدافع عن حق الصهيوني الفاشي المحتل بالدفاع عن نفسه في قصفه الهمجي الممنهج للمساكن والمشافي والمدارس، وفي حصاره المطبق على شعب غزة وحرمانه من الكهرباء والماء والغذاء والدواء.
وما يلفت هنا أنّه مع هذه المشهدية الدموية غير المسبوقة للنازية الصهيونية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، أن يخرج على الملأ وزير الآثار المتطرف في حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ليطلق دعوته إلى إبادة أهل غزة ومحوها عن الخارطة بقنبلة نووية. الأمر الذي يدعونا إلى الحذر الشديد عندما يتولى متطرفون دينيون زمام الحكم. فالوزير عميحاي بن إلياهو، ينتمي إلى اليمين المتطرف، الذي يبني مواقفه على نظريات وفتاوى دينية متشددة، ويعلن العداء الصريح للعرب والفلسطينيين.
والده هو الحاخام شموئيل إلياهو، من اليهود الشرقيين «السفرديم» المشبع بالأفكار الدينية المتطرفة. وهو من الحاخامات الذين ينظّرون لحرب الـ»هرمجدون» ونهاية العالم وعودة المسيح.
ويأتي تندید الرئیس التركي أردوغان بالعدوان الصهیوني على غزة وتأیید الغرب غیر المشروط له، قاده hذا التحدي إلى اعتبار أنّ الغرب الداعم للإجرام الصهيوني والمشجع له، یریده حرباً بین الصلیب والهلال كما قال. ولا يُخفى أنّ إیران التي تدعم فصائل فلسطینیة مقاومة ذات ایدیولوجیة دینیة، و»حزب الله» منخرطان في هذه المواجهة مع العدو الصهیوني من خلفية دينية. ولفت العدید من المراقبین ما ورد في خطاب السید نصرالله الأخیر، عندما قال إنّ الضربة القاضیة لإسرائیل لم یحن وقتها بعد، ويتم إرجاع ذلك وفقاً للاعتقاد الشیعي الإثني عشر إلى أنّ الأمر مرتبط بظهور الإمام المهدي المنتظر. هذا الوضع یدعونا إلى إعادة تسلیط الضوء باختصار على معتقدات قیام الساعة في الأدیان المختلفة.
هرمجدون أو أرمجدون
وفق الرؤية اليهودية، هو موقع تجمّع الجيوش للمعركة متى يحين وقت النهاية. وكلمة هرمجدون تظهر مرة واحدة فقط في العهد الجديد اليوناني. تعني جبل أو سلسلة من الجبال. جبل تل مجدو ليس في الواقع جبلاً ولكن تل (تم إنشاؤه من قبل أجيال عديدة من الناس الذين يعيشون وأعادوا بناءه على نفس البقعة) التي بنيت الحصون القديمة عليها لحراسة طريق البحر، وهو الطريق التجاري القديم الذي يربط مصر مع الإمبراطوريات الشمالية، الأناضول وسوريا.
ووفقاً لأحد التفاسير المسيحية، فإنّ يسوع سوف يعود إلى الارض ويهزم الدجال (الوحش) والنبي الكاذب والشيطان في معركة الشيطان هرمجدون. ثم ستأتي النار من عند الله، من السماء وتلتهم يأجوج ومأجوج والشيطان، وهي عقيدة مسيحية ويهودية مشتركة، تؤمن بمجئ يوم يحدث فيه صدام بين قوى الخير والشر، وسوف تقوم تلك المعركة في أرض فلسطين في منطقة مجدو أو وادي مجدو. (المصدر ويكيبيديا)
أرمجدون أو هرمجدون هي كلمة جاءت من العبرية هار- مجدون أو جبل مجدو، بحسب المفهوم التوراتي هي المعركة الفاصلة بين الخير والشر أو بين الله والشيطان وتكون على أثرها نهاية العالم.
معركة هرمجدون وفق رؤية الشيعة هي معركة المهدي الكبرى لتحرير القدس. المفهوم الشيعي للملحمه الكبري غير رؤية اليهود والنصارى كما جاء بروايات أهل البيت. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة، أنّ النبي قال: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق». أين الأعماق؟
موضعان بالقرب من حلب في دولة سوريا. من خلال تهديدات أميركا والدول الغربية لتوجيه ضربة إلى سورية واسقاط نظام بشار الأسد، سينزل الأميركيون والأوروبيون في هذه الأرض وهذه المنطقة كما أخبر الرسول ثم يشحذون سيوفهم للقضاء على المسلمين في الملحمة الكبرى.
يرى أتباع الشيعة أنه قد ورد ذكر لهذه المعركة والمعركة التي تسبقها، وهي معركة تحرير القدس في أحاديث مسندة إلى الرسول محمد وإلى أهل البيت، والتي تذكر المراحل النهائية لحركة الإمام المهدي المنتظر في آخر الزمان، بعد هلاك قوات السفياني في الحجاز والهزيمة التي تمنى بها على يد رايات الشرق في العراق، تعود المعركة إلى ساحتها الأساسية بلاد الشام استعداداً لأكبر معارك المنطقة في أحداث الظهور، معركة تحرير القدس، التي يمتد محورها من دمشق إلى طبرية فالقدس.َ
عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله يقول: يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ. روى مسلم وغيره عن الرسول محمد: لا تقوم الساعة حتّى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتّى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر.
طابع عالمي
طوفان الإقصى هي عملیة تحرریة واجهت فیها فصائل المقاومة الفلسطینیة وبینها الإسلامي والعلماني قوات جیش محتل لأرض فلسطین التاریخیة، فأخذ الرد علیها بدءاً من العدو المكسور طابعاً عالمیاً، فرفع شعار أنها حرب الخیر مع الشر، وهو نازي الأخلاق والممارسة یصنّف نفسه وكيانه بخانة الخیر، بینما هم أصل الشر أینما حلوا. إن الكيان الصهیوني المنقسم على نفسه، المكسور والمهزوم، ورغم كل الجرائم التي یرتكبها لم یتمكن بعد شهر من حصار غرة وتدميره 30% من مبانیها فوق رؤوس ساكنیها، فشل في تحقیق ما یمكن أن یعید له الاعتبار جراء هزيمته في طوفان الأقصى.
لذا من غیر المستبعد أن تلجأ حكومة نتنیاههو إلى توریط قوى دولیة في حربها القذرة إنقاذاً لنفسها من نفسهها، ومن غیر المستبعد مع وجود الحشود العسكریة الضخمة في البحر المتوسط وفي الخلیج، وبصورة غیر مسبوقة منذ الحرب العالمیة الثانیة، أن تفلت الأمور من ید أسیاد القرار، فتتدحرج المواجهات نحو الملحمة الكبرى، فیخرج المنظرون الدینیون للنفخ فیها باعتبارها حرب قیام الساعة!
ولتفادي توسعة الحرب والدفع بها نحو مزید من التصعید ما یهدد الأمن والسلم الدولیین بالخطر، على دوائر القرار في أمیركا والغرب ممارسة الضغط اللازم للجم التهور الصهیوني، والاقتناع بأنّ ولوج طریق الاعتراف بحق الشعب الفلسطیني في دولته المستقلة وحقه في تقریر مصیره هو السبیل الوحید لإنهاء الحروب وسیادة الاستقرار في المنطقة، واستبعاد احتمال الهرمجدون!
