رامي الرّيس

سياسة "الطرد" لن تؤتي ثمارها

4 كانون الثاني 2024

02 : 00

الأهداف التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب ليست وليدة يوم السابع من أكتوبر وما شهده من «غزو» لكتائب القسام للأراضي الفلسطينيّة المحتلة، بل هي تنفيذ لخطط صهيونيّة قديمة ترمي لطرد الفلسطينيين من أرضهم. استغلت إسرائيل «التعاطف» الدولي بقيادة الولايات المتحدة للانقضاض على قطاع غزة وقد مارست كل أشكال الإبادة الجماعيّة واستهداف المدنيين.

كل المؤشرات العسكريّة وغير العسكريّة تؤكد هذه النظريّة، استهداف القطاعات المختلفة أيضاً تؤكد ذلك. الطريقة التي قصفت فيها إسرائيل المستشفيات والمراكز الطبيّة في غزة تثبت بما لا يقبل الشك بأن القرار في هذا الاتجاه كان واضحاً. الإيحاء بأنّ حركة «حماس» تتلطى تحت المستشفيات في أنفاق كبيرة لم يتم التحقق منه، بينما التدمير المنهجي حصل.

كذلك الأمر بالنسبة للقطاع التعليمي والتربوي بحيث قُصفت الجامعات والمدارس من دون هوادة في رسالة واضحة بأنّ العيش في غزة حتى بعد انتهاء الحرب لن يكون متاحاً في ظل غياب الخدمات الأساسيّة والبنى التحتيّة الضروريّة للاقامة في أي منطقة، طبعاً ناهيك عن الأبنية السكنيّة والأبراج التي دُمرت أيضاً عن سابق تصميم وتصوّر.

إسرائيل تريد طرد الفلسطينيين من قطاع غزة نحو سيناء، وإذا كان الموقف المصري قد حال دون ذلك حتى الآن على الرغم من سياسات الترهيب والترغيب التي مورست بأشكالها المختلفة مع القاهرة ولم يُكتب لها النجاح لغاية الآن؛ إلا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة إسقاطها من عمق المشروع الصهيوني الذي يريد السيطرة على كل الأرض بأقل عدد من السكان غير اليهود في مختلف مناطق فلسطين التاريخيّة.

هذا الاستهداف المزدوج للقطاعين التربوي والصحي شمل أيضاً عدم جعل أي منطقة آمنة في غزة، فتم كذلك التعرّض بالقصف لمراكز الأمم المتحدة ومدارس «الأونروا» لتثبيت نظريّة أن غزة غير قابلة للعيش. كما أنّ عدم إتاحة المجال لسحب جثث الشهداء من تحت الأنقاض، وهم بالآلاف، بات ينذر بكارثة صحيّة جديّة ويهدد بانتشار الأمراض والأوبئة، بالإضافة طبعاً إلى ما يعنيه ذلك من أسى لأهالي الشهداء (أو من تبقى منهم) لوداع موتاهم ودفنهم بطريقة لائقة وتتماشى مع التقاليد الدينيّة والاجتماعيّة.

ولا يمكن التغاضي أيضاً عن انتشار النفايات في الشوارع والساحات العامة واستمرار الحصار بأشكال مختلفة وقطع الكهرباء والمياه بهدف تجويع السكان ودفعهم للمغادرة. كل ما يحصل مدروس ومخطط له منذ زمن، والهدف من هذا التحليل ليس إعادة الاعتبار لنظريّات المؤامرة البائدة، بل الأكيد على ما هو منشور في الكثير من الأدبيات الصهيونيّة والاسرائيليّة على مر السنين.

ولم تتردد إسرائيل باستعمال جميع أنواع الأسلحة المحظورة ومن بينها القذائف الفوسفوريّة (في غزة وفي جنوب لبنان على حدّ سواء) مع كل المخاطر الناجمة عن ذلك، من دون أي اكتراث لقوانين الحرب أو القوانين الدوليّة والانسانيّة.

ولكن، ثمّة مسألة لافتة في هذه الحرب بالذات، وهي مختلفة تماماً عن الحروب السابقة. إنها المسألة المتصلة بعدم استعداد الفلسطينيين خوض غمار التهجير والنزوح مجدداً قياساً إلى التجارب التاريخيّة المرّة في هذا الإطار وتفضيلهم الموت على تكرار مشهد مشابه لنكبة 1948.

التشبث بالأرض رغم ضراوة الحرب ورغم الارتفاع الهستيري في مستويات القتل الجماعي التي مارستها حكومة الاحتلال الإسرائيلي وجيشه ملفت للنظر، وهو يؤكد بما لا يقبل الشك بأنه، في نهاية المطاف، لا يمكن للاحتلال أن ينجح في سياساته القائمة على الإرهاب. «دولة» تمارس الإرهاب عن سابق تصوّر وتصميم وبغطاء دولي كامل. هذا منعطف آخر يفترض بالغرب الذي يدعي حماية الديمقراطيّة والدفاع عن حقوق الإنسان أن يتعامل معه بطريقة مختلفة من الآن فصاعداً.

MISS 3