كريغ سينغلتون

شركات البطاريات الصينية...نسخة جديدة من "هواوي"؟

7 تشرين الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

سيارات BYD الكهربائية في ميناء سوتشو | الصين، 11 أيلول 2023

تريد إدارة جو بايدن أن تكون نصف السيارات الجديدة التي تباع في الولايات المتحدة كهربائية بحلول العام 2030. في غضون ذلك، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات أكثر جرأة، فأمر بأن تكون انبعاثات جميع الشاحنات الصغيرة والسيارات الجديدة التي تباع بعد العام 2035 صفرية. تُعتبر هذه التطورات كلها إيجابية بالنسبة إلى الصين.



اليوم، تسيطر شركات تجمعها علاقات وثيقة مع الحزب الشيوعي الصيني على نصف إمدادات بطاريات السيارات الكهربائية حول العالم. تستحق جهود إزالة الكربون في قطاع النقل الإشادة طبعاً، لكنّ الانتقال السريع إلى السيارات الكهربائية لن يكتفي بترسيخ مكانة شركات البطاريات الصينية العملاقة في السوق، بل إنه سيُعرّض الولايات المتحدة والدول الأوروبية أيضاً لتهديدات سيبرانية خطيرة، مثلما مهّد توسّع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة «هواوي» لاختراق الصين لشبكات اتصالات غربية أساسية.

من خلال تطوير إنتاج البطاريات المتقدمة لتسريع ثورة التكنولوجيا الفائقة في المراحل المقبلة، تفوّق المخططون المركزيون الصينيون على الغرب بكل وضوح. تمتد الخطة الصينية الثالثة عشرة على خمس سنوات، وهي التي أدارت استثمارات البلد الصناعية بين العامين 2016 و2020، وها هي تسلط الضوء الآن على احتمال أن تتفوق بكين في منافستها مع الولايات المتحدة وبلدان أخرى من خلال السيطرة على سلاسل إمدادات البطاريات والسيارات الكهربائية، بما في ذلك مجموعة من المعادن الأرضية النادرة الأساسية. لكن لا تقف خطة الصين الممتدة على خمس سنوات عند هذا الحد اليوم، فهي تربط أي إنجازات في هذين المجالَين بتحوّل الصين إلى مركز قوي للعلوم والتكنولوجيا.

تسيطر شركتان صينيتان عملاقتان اليوم على أسواق السيارات الكهربائية والبطاريات العالمية: CATL وBYD. غالباً ما يربط البعض بين شركة CATL وأعمال السخرة التي يقوم بها الإيغوريون، وهي تنتج واحدة من كل ثلاث بطاريات للسيارات الكهربائية. أما شركة BYD، فهي تتجه كي تصبح أكثر من يبيع السيارات الكهربائية في العالم. تدين الشركتان بازدهارهما إلى الدعم الصيني الهائل وارتباطهما بمؤسسات قوية تابعة للحزب الشيوعي الصيني. تشكّل هذه الروابط وسواها قنوات منظّمة يستعملها الحزب الشيوعي الصيني لفرض سيطرته المباشرة أو غير المباشرة على عمليات كل شركة، ونظامها الداخلي، وقرارات التوظيف فيها، ما يؤثر بكل وضوح على سلاسل إمدادات البطاريات.

أمضى مؤسس شركة CATL ومديرها التنفيذي، زانغ يوشون، العقد الأخير كمندوب علمي وتكنولوجي في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو الكيان الأعلى مستوى للإشراف على «الجبهة المتحدة الصينية» (شبكة معقدة من المنظمات والأفراد تهدف إلى ترسيخ سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الصناعة والمجتمع المدني في الصين). كذلك، توجّه «الجبهة المتحدة» برامج الصين الخارجية لتوظيف المواهب، علماً أن هذه البرامج تُسهّل نقل التكنولوجيا الأجنبية بطرق غير شرعية وسرقة الملكية الفكرية، وفق معطيات مكتب التحقيقات الفدرالي وتوجيهات مسرّبة من الحكومة الصينية. في الوقت نفسه، يعمل زانغ كنائب رئيس «اتحاد عموم الصين للصناعة والتجارة»، وهو أكبر تكتّل مهني في البلد وينص نظامه الداخلي على أنه ينشط «بقيادة» الحزب الشيوعي الصيني ويتولى «تنفيذ» أجندة الرئيس الصيني شي جين بينغ بالكامل.

لكنّ علاقات شركة CATL الوثيقة لا تقتصر على انتماءات سياسية بسيطة. تماشياً مع القواعد التي أصدرتها لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية في العام 2018 بشأن جميع الشركات المدرجة في البورصة، يذكر نظام الشركة الأساسي الذي يحكم عملياتها صراحةً أن «الشركة بصدد إنشاء منظمة تابعة للحزب الشيوعي [داخلياً] وتنفيذ نشاطات حزبية». هذه الخلايا الحزبية وروابط الشركة الأخرى مع دولة الحزب الواحد تمنح الحزب الشيوعي الصيني القدرة على الوصول إلى تقنيات الملكية وبيانات السوق الاستراتيجية في شركة CATL بلا رادع، ما قد يضمن تفوّق الكيانات الصينية الأخرى في المنافسة ويُضعِف مكانة الشركات الأميركية والأوروبية في الأسواق العالمية.

لكن في خطوة تُذكّرنا بتوجّه «هواوي» إلى السيطرة على شبكة الجيل الخامس وقطاع الهواتف الذكية، بدأت شركتا CATL و BYD تتطلعان منذ الآن إلى السيطرة على الصناعات المرتبطة بالبطاريات، بما في ذلك شبكات شحن السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين طاقة البطارية، كي تتمكن المنشآت من تخزين الطاقة.

من المنطقي أن تنتقل الشركتان إلى مجال شحن السيارات الكهربائية، لكن قد تغيّر أنظمة تخزين طاقة البطارية نطاق نفوذهما. تستعمل هذه الأنظمة الطاقة وتُخزّنها من مصادر متنوعة، ثم تطلق تلك الطاقة عبر خطوط النقل المتاحة عند انقطاع الكهرباء أو تستعملها كوحدة احتياطية حين تضعف طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لكن يجب أن تكون هذه البطاريات الصينية متّصلة بالشبكات الكهربائية الخاصة بالدول المضيفة، مع أنها لا تخضع في الوقت الراهن لمراجعة دقيقة أو إشراف مكثّف في الولايات المتحدة أو أوروبا. كذلك، لا يُفرَض على شركات الطاقة الأميركية أن تُفصِح عن أي تفاصيل حول شراكاتها مع شركات البطاريات الصينية.

بسبب الثغرات القائمة على مستوى الشفافية، لا تزال محاسبة المشاركين في مشاريع راهنة ومستقبلية مع أنظمة تخزين طاقة البطاريات الصينية في الولايات المتحدة بعيدة المنال. لكن حققت جهات عدة في فلوريدا، وفرجينيا، وتكساس، ونيفادا، بعض الإنجازات في هذا المجال. كان مقلقاً أن تشير التقارير إلى تركيب بطاريات من شركة CATL في قاعدة مشاة البحرية الأميركية في «كامب ليجون»، حيث نشأت وحدة للعمليات الخاصة وكُلّفت بإجلاء غير المقاتلين من تايوان إذا أقدمت بكين على غزوها. كذلك، أطلقت CATL حملة مكثفة لتسويق أنظمة تخزين طاقة البطارية في العواصم الأوروبية، وقد أصبحت المشاريع قيد التنفيذ في بريطانيا، والمجر، وأماكن أخرى.

كما حصل مع شركة «هواوي»، تبدو المخاطر التي تطرحها تلك الأنظمة الصينية فورية وواضحة. تكشف أبحاث أجرتها شركة «أيون» البريطانية لإدارة المخاطر أن أوجه القصور المنتشرة في مجال الأمن السيبراني والمرتبطة بأنظمة تخزين طاقة البطارية قد تسمح للجهات الخبيثة بقطع الكهرباء عن الشبكة على نطاق واسع.

كذلك، أوضح تقرير صادر عن وزارة الطاقة الأميركية، في العام 2022، أن جهات خبيثة باتت قادرة على اختراق أنظمة الطاقة الموزعة، بما في ذلك أنظمة تخزين طاقة البطارية، في الولايات المتحدة. تؤكد الهجمات السيبرانية الصينية المشتبه بها ضد شبكة الكهرباء في الهند، في العامين 2021 و2022، على جهوزية الصين لاستهداف شبكات محورية. اتّضح هذا التهديد أيضاً حين اعترفت إدارة بايدن بتخبّطها لرصد الجهات السيبرانية الصينية الناشطة في شبكات البنية التحتية الأميركية.

لا تبدو شبكات شحن السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين أكثر أماناً. تشمل بطاريات السيارات الكهربائية المتصلة بالإنترنت وأجهزة شحنها عدداً من نقاط الضعف السيبرانية القابلة للاستغلال، وهي ترتبط عموماً باختراق واسع للبيانات، وفق دراسة بريطانية. يكشف بحث مشابه قامت به مختبرات «سانديا» الوطنية في الولايات المتحدة أن الجهات الخبيثة تستطيع تركيب البرمجيات الضارة في السيارات الكهربائية عن بُعد خلال عملية الشحن، ما يسمح لها بمراقبة المركبات سراً وتعطيلها. في السياق نفسه، يذكر تقرير منفصل من مختبرات «سانديا» عدم وجود أي مقاربة شاملة للتعامل مع الأمن السيبراني في معدات السيارات الكهربائية داخل الولايات المتحدة، وقد اكتفت بعض الأطراف الناشطة في هذا القطاع بتبنّي «أفضل الممارسات المحدودة».

لكن لا تقتصر المخاطر على الجانب الرقمي طبعاً. تفرض قوانين صينية عدة، لا سيما قانون الأمن القومي من العام 2017 وقانون مكافحة التجسس المُعدّل حديثاً، أن تتماشى عمليات جميع الشركات الصينية مع مصالح بكين الاستراتيجية. في زمن الحرب أو السلم، تستطيع بكين أن تطلب المساعدة من الشركات الصينية في عمليات التجسس أو التخريب، فتُجبرها مثلاً على تقاسم خرائط شبكات أساسية تحصل عليها من تعاونها مع منشآت أميركية أو أوروبية. تتماشى هذه المطالب على أكمل وجه مع الدمج العسكري المدني في الصين: تهدف هذه الاستراتيجية الوطنية إلى هدم الحواجز بين المؤسسات المدنية والعسكرية لجعل المدنيين في خدمة العسكريين.

من الواضح أن صانعي السياسة على طرفَي الأطلسي تأخروا في فهم تهديدات «هواوي». رغم إنفاق الحكومة الأميركية مليارات الدولارات لاستئصال معدات «هواوي» واستبدالها بأخرى، لا تزال منتجات الشركة تخترق هندسة الاتصالات في الولايات المتحدة. يتكرر الوضع نفسه في أوروبا أيضاً.

بدل الاكتفاء بفرض رسوم عقابية على واردات السيارات الكهربائية الصينية، يُفترض أن تسارع الحكومات الأميركية والأوروبية أيضاً إلى فرض تدابير تنظيمية شاملة وأن تشرف على هذه القطاعات بدقة. تتطلب هذه العملية مراجعة أساليب نقل التكنولوجيا المحتملة التي تفيد الحزب الشيوعي الصيني. كذلك، يجب أن يقوم القادة على المستوى دون الوطني بدورهم، فيطلبون من المرافق العامة الواقعة ضمن صلاحياتهم كشف تفاصيل أي شراكات ماضية، أو راهنة، أو مستقبلية، مع شركات البطاريات الصينية.

لقد أصبح التهديد الذي تطرحه هيمنة بكين على قطاع البطاريات واضحاً. لكن لم يتّضح بعد مدى استعداد الأميركيين وشركائهم الأوروبيين لإبداء إزالة الكربون على حاجاتهم الأمنية الدائمة.


MISS 3