سيلفانا أبي رميا

ضوء الرقص الكلاسيكي يخفت في لبنان

أليس مسابكي: نحتاج معهداً وطنياً للباليه

9 تشرين الثاني 2023

02 : 00

لا تزال عروض الرقص الكلاسيكي والباليه خجولة في لبنان منذ تأسيس جورجيت جبارة أول مدرسة له بمرسوم جمهوري موقّع من رئيس الجمهورية شارل حلو ورئيس الحكومة رشيد كرامي، عام 1964. فثقافة الباليه شبه معدومة وتتفوّق عليها بأشواط النشاطات الرياضية والواجبات المدرسية للأطفال، حيث ساهمت قلة التثقيف والوعي حول الرقص الكلاسيكي في تراجع مكانته في صفوف الأجيال الصاعدة. وفي حوار مع «نداء الوطن» تطرّقت المدرّبة المتمرّسة أليس مسابكي إلى مشاكل هائلة تخنق هذا الفن، ومحاولات محبّيه لمنع اندثاره من سجّل الرقص والفن اللبناني.



هل صحيح أنك دخلت عالم الباليه بالصدفة؟

صحيح. تعرّفت في المدرسة إلى أستاذة الباليه سونيا بولوديان التي دعتني لتلقّي الدروس في معهدها، من دون أي تجاوب من أهلي نظراً للأوضاع المادية حينها، فما كان من جدّي إلا أن بادر باستلام زمام الأمور متكفّلاً بكل شيء، حتى بإيصالي إلى الصفوف وانتظاري وإعادتي إلى البيت. لولاه لما دخلت هذا المجال الذي كان يُعتبر نادراً، فخلال الستينات كان راقصو الباليه يُعَدّون على أصابع اليد.

بدّلني كثيراً هذا النوع من الرقص، فتحوّلت من الفتاة الخجولة في المدرسة وبين أصدقائها، إلى راقصة جريئة ومتمرّسة تشعر بالأمان والراحة والثقة كلما دخلت غرفة الباليه أو صعدت مسرحه.

لماذا لم يُخصَّص حتّى اليوم صرحٌ وطنيٌّ للباليه؟

للأسف، كان يُنظر إلى الرقص الكلاسيكي والباليه كأنه دخيل على مجتمعنا الشرقي، حتى أنّ رائدته جورجيت جبارة تعرّفت عليه وتعلّمته في مصر قبل أن تنقله إلى لبنان. ورغم إنشاء معهد وطني للغناء والموسيقى الشرقية، هُمّش الرقص ولم يحظَ باهتمام ولا بمعهد ولا بمسرح وطني.

هل فكرة إنشاء معهدٍ وطنيّ مطروحة؟

بالتأكيد، لكن هذه العملية تحتاج أقلّه إلى 6 أساتذة متمرّسين، رقصوا الباليه وغاصوا في عالمه وأسراره وشروطه، بعيداً عن الذين اكتفوا بالتخرّج من الجامعة والأكاديميات مكتسبين مناهج نظرية بحتة. كذلك، يحتاج المعهد إلى مساحة واسعة يُبنى عليها وتجهيزات خاصة ودقيقة وباهظة. ويبقى المعهد الوطني حلماً، يقودنا إلى أن تُصبح للبنان فرقة باليه وطنية تمثله في بلدان العالم وتنافس نظيراتها على الجوائز والبطولات الاحترافية. ولكن كلّ ذلك، لا يبرّر غياب جمهور الباليه الكلاسيكي في لبنان، العنصر الأساسي للمضيّ قدماً بهذا النوع من الفن نحو المسارح الوطنية والعالمية.



صفوف تجمع بين المتعة والاحتراف



ما مدى إحترافية المدارس المحلية؟

تعليم الباليه ليس بالأمر السهل أبداً، ويمكن أن يسبّب ضرراً للتلاميذ في حال كان الأستاذ غير متمرّس وغير محترف، فينتج عنه تشوّه في شكل الجسم وإصابات جسدية مختلفة. وكَثُر في لبنان تأسيس المدارس من قبل أشخاص اكتفوا بدراسة الباليه لـ4 أو 5 سنوات وقرّروا تدريسه، وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ الفرق شاسع بين من يرقص الباليه ومن يستطيع تعليمه للطلاب. فلمدرسة الرقص أصولها التي لا تقتصر على النجاح في الصفوف، بل تتطلّب برنامجاً أكاديمياً مدروساً يتبعه الطلاب بالإضافة إلى امتحانات يخضعون لها ضمن شروط تقنية معيّنة تؤهّلهم لنيل الشهادة. اتّبعت مثلاً في مدرستي المنهج الفرنسي، ويرتكز نجاح طلابي على سلسلة اختبارات يشرف على بعضها حكّام أجانب لتقييمهم ومنحهم العلامات التي يستحقّونها.

أخبرينا أكثر عن مدرستك؟

افتتحت معهدي الخاص في العام 2003. في 2011، وبعد سنوات من التجارب أسّست برنامجاً تقنياً ينقل الباليه من مجرّد هواية إلى رسالة أكبر وأعمق. اتّبعت مع تلاميذي الذين تخطّت أعمارهم الـ8 سنوات خطة صارمة تقضي بحضور إجباري لجميع الصفوف، بمعدل 3 أو 4 مرات أسبوعياً تتخطّى مدّة كل منها الساعتَين، ما قادني وطلابي إلى استمرارية واستقرار وتعمّق في حبّ الرقص.

وكأي مادة تعليمية أخرى، للباليه قواعد علمية تتطلّب فهم تركيبة الجسد وطريقة تحرّك الأعضاء، خصوصاً الساقين والرقبة والذراعين والحوض، للحدّ من الحركات الخاطئة المؤذية، كحركة فتح الذراع ومدّ الرجلين. كما يجب على الأستاذ الأخذ في الاعتبار عمر التلميذ، فمرونة وليونة الجسم تختلف كلّما زاد سنّاً. بالإضافة الى أهمية فهم شخصية كل طالب عبر الحوار معه ما يسهّل تلقّفه الدروس.

ما الصعوبات التي تواجه صفوف الباليه اليوم؟

أثّر الوضع الاقتصادي والأزمات المالية المتكررة على الطلاب، حيث يصعب على الأهالي تحمّل تكلفة الوقود المرتفعة لإيصال أولادهم مرّات عدّة في الأسبوع لمتابعة صفوفهم. مع الإشارة، الى أنّ بعض الأهالي قرّروا محاربة هذه الظروف نظراً لموهبة أولادهم واحترافهم. إضافةً الى تحوّل هذا الفنّ الى نوع من الكماليات يحصل عليه أولاد الطبقة المتوسطة لا بل الغنية لارتفاع تكاليف الصفوف وتحوُّل الدفع إلى الدولار الأميركي حصراً. علماً، أنني رفضت التخلّي عن الكثير من طلابي مقدمةً لهم المِنح بمجهود شخصي وإيرادات خاصة.

كذلك، يتفاجأ البعض من وجود شبّان ضمن صفوفي، لأن رقص الشباب ما زال يندرج ضمن المحرمات في مجتمعنا. مع الإشارة، الى أنّ معظم هؤلاء موهوبون جداً، ووجودهم يضفي تنوّعاً جميلاً على العروض التي شاركوا فيها، وعلى جوّ المعهد بشكل عام. ويبقى الرقص طريقة للتعبير تنبع من طاقة الشخص الداخلية الطبيعية بغضّ النظر عن جنسه.








ماذا قدّمت خلال مسيرتك؟


لن أذكرها جميعها، لكنني أعود بالذاكرة إلى الثمانينات حين قدّمت عرضاً رائعاً Variety Show مع إيدي فرزلي ومي شلحط، وفي العام 1998 قدّمت Cycles، أما في التسعينات فنفّذت عروضاً راقصة تفسيرية عن الفن المعاصر ضمن سلسلة مؤتمرات لشلحط. وفي العام 2000، أنجزت عرض «العبور» مع مجموعة من طلابي عبّرنا فيها عن عبور الشخص من حالة الحرب نفسياً وجسدياً وجغرافياً. كذلك، في العام 2004، أنتجت «الزمن المتوقّف» le temps arrêté وكتبت النص ومثّلته فيما رقصَته الى جانبي الفنانة الإيطالية الفرنسية باولا بيكولو على مسرح «مونو» في الأشرفية. وفي الـ2010 أنجزت مسرحية «رشميّا» التي اقتبستها عن رواية إيفلين بوستروس Sous la Baguette du Coudrier، وشكّلت مزيجاً من الرقص المعاصر والشرقي.


كل ذلك، بالإضافة إلى مشاركتي في الكثير من المهرجانات منها Festival du Bassin Méditerranéen حيث قدّمت When The Dust Settles. وآخر أعمالي كان عرضاً راقصاً منفرداً انطلقت به من شعر جاد حاتم عن القمر ورقصت على موسيقى الفنان العراقي نصير شمّا، على أمل أن أتمكن قريباً من توسيعه إلى عرض جماعي مع فرقة كاملة.




أليس مسابكي



هل يقف العمر عائقاً أمام تعليم الباليه؟

أبداً، فالباليه لا يتطلب عمراً معيّناً. ها أنا أعطي الدروس من دون توقُّف، فكل شخص يجد أنه ما زال قادراً على تعليمه بما يتطلبه من قفز ومدّ وحركات سريعة، يمكنه إكمال طريقه حتى النهاية.


MISS 3