أنشال فوهرا

إقتصاد إسرائيل... لن يصمد في زمن الحرب

11 تشرين الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

زراعة الخيم في جنوب اسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة - 25 تشرين الاول 2023

في جنوب إسرائيل، تنتظر المحاصيل من يقطفها تحت أشعة الشمس، وهي تذبل مع مرور كل دقيقة جديدة وتهتز من وقتٍ لآخر على وقع هدير مركبات الجيش. أصبحت مزارع المنطقة عبارة عن منصة شاسعة للجيش، حيث تكثر خِيَم الزيتون الخضراء والدبابات. في غضون ذلك، لا يمكن رؤية أي عدد من عمال المزارع. في 7 تشرين الأول، اجتاحت حركة «حماس» تلك المنطقة وهرب حتى 7 آلاف تايلاندي من إسرائيل بعد خطف حوالى 24 شخصاً وقتل 36 آخرين، علماً أن التايلانديين يشكلون أكبر نسبة من اليد العاملة في مجال الزارعة.

يتكل قطاع الزراعة اليوم على متطوعين من طلاب الجامعات. حاول هؤلاء إنقاذ الوضع عبر قطف الفاكهة قبل تعفّنها، لكن لم تكن جهودهم كافية. لذا بدأت الحكومة الإسرائيلية تستورد بعض المنتجات.

يفتخر الإسرائيليون بابتكاراتهم التكنولوجية في قطاع الزراعة وبقدرتهم على زرع محاصيلهم في منطقة قاحلة في معظمها وإعالة شعبهم. لكن أصبح هذا القطاع الآن على رأس قائمة القطاعات التي ستتحمّل أكبر أعباء الحرب الطويلة مع «حماس». تتعدد القطاعات الأخرى التي ستتأثر بالوضع أيضاً، منها النفط والغاز، والسياحة، والرعاية الصحية، والبيع بالتجزئة، والتكنولوجيا.

على صعيد آخر، أوقفت خطوط جوية كثيرة رحلاتها إلى إسرائيل، وطلبت الحكومة وقف النشاطات في أحد حقول الغاز بهدف تقليص مخاطر الاعتداءات المستهدفة. في الوقت نفسه، تراجعت قيمة الشيكل الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة منذ 14 سنة، وخفّض البنك المركزي توقعات النمو الاقتصادي هذه السنة من 3% إلى 2.3%، وتواجه أبرز القطاعات اضطرابات كبرى.

دخلت إسرائيل الحرب وهي تملك احتياطيات بقيمة 200 مليار دولار وتتكل على مساعدات بقيمة 14 مليار دولار من الولايات المتحدة، وتُخصَّص معظم هذه المبالغ لتمويل الجيش. مع ذلك، يظن الخبراء أن الصراع المستمر سيكلّف الاقتصاد الإسرائيلي المليارات وسيطيل مدة التعافي مقارنةً بالماضي. يتولى المتطوعون الإسرائيليون، محلياً وخارجياً، أعمالاً إضافية ويقدمون المزيد من المساعدات الاقتصادية. إنها مبادرة جديرة بالثناء، لكنها لا تكفي للتعويض عن العجز الاقتصادي.

يقول ميشيل ستراتشينسكي، خبير اقتصادي في جامعة القدس العبرية والمدير السابق لقسم الأبحاث في البنك الإسرائيلي المركزي، إن كلفة المواجهتَين السابقتَين (حرب لبنان في صيف العام 2006، والحرب ضد «حماس» في 2014) بلغت 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي وأثّرت على قطاع السياحة في المقام الأول. لكن تشير التقديرات هذه المرة إلى تراجع الأرقام السنوية بنسبة تتراوح بين 3.5 و15%، خلال الربع الأخير من هذه السنة.

أصبحت بلدات كاملة مهجورة اليوم، وأغلقت الشركات أبوابها بعد إجلاء 250 ألف شخص اضطروا للبحث عن ملجأ آمن في أنحاء فنادق البلد أو قصدوا أقارب يعيشون في أماكن أخرى. كذلك، أدى استدعاء 360 ألف عنصر احتياطي كانوا يشغلون وظائف متنوعة في زمن السلم إلى اضطراب عمل الشركات وتهديد استمراريتها ككيانات ربحية.

يوضح ستراتشينسكي: «ستترافق هذه الحرب مع تكاليف تفوق المواجهتَين السابقتَين أيضاً بسبب مشاركة عدد هائل من عناصر الاحتياط الذين يشكلون جزءاً من سوق العمل في الظروف الطبيعية، لكنهم سيغيبون عن وظائفهم خلال الحرب. إذا طالت مدة هذه الحرب، سيتكبّد الاقتصاد الإسرائيلي تكاليف متزايدة نتيجة غياب الموارد البشرية».

يشكّل قطاع السياحة 3% من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل وينتج 6% من الوظائف الإجمالية بطريقة غير مباشرة، لكنه تعرّض لضربة قاضية في الفترة الأخيرة. خَلَت أهم نقاط الجذب السياحية من الناس، لا سيما الشاطئ في تل أبيب والممرات المرصوفة بالحصى في البلدة القديمة في القدس.

في ذروة الموسم السياحي اليوم، يقصد عدد صغير من الزوار المطاعم والحانات الواقعة في أحياء تاريخية من يافا، معظمهم من الصحافيين. في المقابل، يغيب السياح الذين يقصدون هذا الجزء من العالم للتشمّس والاستمتاع بخليط من أجواء الشرق الأوسط والغرب.

بدأت الفنادق تستضيف النازحين داخلياً، وهي تتلقى بعض الدعم من الحكومة لكنها تتكبّد خسائر هائلة في هذه الظروف.

يقول محمد، صاحب متجر سكاكر من عرب إسرائيل في تل أبيب (طلب عدم الإفصاح إلا عن اسمه الأول حفاظاً على سلامته): «نحن في ذروة موسم السياحة، لكن لا وجود لأي سياح في البلد. لا يحضر الأولاد ولا العائلات لشراء السكاكر». عندما سُئِل صديقه أحمد حسونة عن وضع عمله، رفع يديه في الهواء ونظر إلى السماء وقال وهو يشير إلى متاجر لم تفتح أبوابها منذ اندلاع الحرب في الجنوب: «كل شيء جامد. الوضع صعب جداً».

يتقاسم رجال الأعمال الإسرائيليون العرب واليهود مشاعر اليأس نفسها في هذا المكان، فيرتشفون القهوة ويحدقون بالشوارع الخالية. في فندق «ماركت هاوس» المجاور، يجلس علاء مرشاجي العربي الإسرائيلي وراء مكتب الاستقبال ويقول إن نسبة الإشغال تقتصر على 10% مقارنةً بالسنوات السابقة، ويتألف جميع العملاء من الصحافيين. يضيف زميله أفي كوهي، اليهودي الإسرائيلي، أن معظم الغرف يشغلها أشخاص اضطروا لإخلاء منازلهم في الجنوب، وهم يستفيدون من خصم كبير في الأسعار: «نحن نستضيفهم ونتكبد خسارة بنسبة 50%، ونقدم لهم وجبات طعام مجانية أيضاً. تساعدنا الحكومة في الوقت الراهن، لكن سيستمر هذا الوضع حتى 22 تشرين الثاني فقط».

حقق قطاع الشركات المبتدئة في إسرائيل نجاحاً كبيراً. قد لا يتأثر بالأحداث الأخيرة بقدر القطاعات الأخرى، لكنه بدأ يتعرض للضغوط أصلاً حين انسحب المستثمرون من البلد الغارق في احتجاجات حاشدة بسبب الإصلاحات القضائية. تراجعت الاستثمارات في هذا القطاع إلى النصف في السنة الماضية بعد تصاعد الاضطرابات نتيجة احتجاج آلاف الناس على الإصلاحات القضائية الحكومية التي يعتبرها البعض كفيلة بإضعاف المحاكم وتقوية السياسيين الحاكمين.

سارع عدد من أصحاب الرساميل العالميين إلى مساعدة الشركات الإسرائيلية الناشئة، وهم يحاولون جمع ملايين الدولارات لإنقاذها من الإفلاس، فأطلقوا مبادرة «الأمّة الحديدية» لحماية الشركات واقتصاد البلد من الانهيار بسبب الضغوط المتزايدة. زادت أعباء 20% من عناصر الاحتياط الذين كانوا موظفين في قطاع التكنولوجيا مثلاً. يزعم مؤسّسو تلك المبادرة أن 150 شركة سبق وطلبت المساعدة لتلقي بين 500 ألف ومليون ونصف دولار لضمان صمودها.

وفق دراسة أجرتها الجامعة العبرية بعنوان «التزام المجتمع المدني في إسرائيل خلال حرب السيوف الحديدية»، تطوّع حوالى نصف سكان إسرائيل لمساعدة مواطنيهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتسهيل تعاملهم مع تداعيات هجوم «حماس» والحرب المترتبة عنه. صرّح المشرف على الدراسة، ميشيل ألموغ بار، لوسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الجمعيات الخيرية المحلية والمنظمات غير الحكومية تبرعت بعشرات ملايين الدولارات، بينما يُفترض أن تصل هبات اليهود في أميركا الشمالية إلى مئات ملايين الدولارات.

في غضون ذلك، بدأ خبراء الاقتصاد يدعون الحكومة إلى تغيير أولويات الميزانية لتأمين تكاليف الجهود الحربية التي ستصل على الأرجح إلى مليارات الشيكل. كتب 300 خبير اقتصادي إسرائيلي رسالة مفتوحة إلى الحكومة وطالبوا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المال بتسلئيل سموتريتش المنتمي إلى حزب يميني متطرف بفرض مجموعة تدابير عاجلة، حتى لو كان جزء من الناخبين لا يتقبلها. هم يدعون إلى إعادة توجيه المبالغ المخصصة للبرامج التعليمية الخاصة بالجماعات المتطرفة واستعمالها لتسديد النفقات العسكرية.

برأي ستراتشينسكي، يجب أن تُعطى الأولوية لإعادة تخصيص مليارات الشيكل لتسديد «نفقات الدفاع» و»التعويض على المتضررين من أفراد وشركات»، لا سيما في الجنوب والشمال: «نحن نوصي بإعادة توجيه ما يُسمّى «أموال الائتلاف»، أي المبالغ المخصصة لبرامج أساسية تخصّ جهات مختلفة بموافقة الائتلاف الحاكم. ترتبط هذه المسائل بالناخبين التابعين لتلك الجهات، لا بالمصلحة العامة».

إقترحت الحكومة الإسرائيلية خطة لتقديم المساعدات الاقتصادية وتأمين مليار دولار لمساعدة الشركات، وتعهد وزير المال سموتريتش بوقف جميع المبادرات التي لا ترتبط بالجهود الحربية وبتقوية قدرات الدولة. لكن يُصِرّ اليمين المتطرف على عدم السماح للفلسطينيين بأن يكونوا جزءاً من الحل. منع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وهو الزعيم الأكثر تشدداً في مواقفه في معسكر اليمين المتطرف، تمرير اقتراح يقضي بتوظيف عدد إضافي من الفلسطينيين للتعويض عن نقص العمال في المزارع الإسرائيلية.

يفتقر قطاع الزراعة إلى 10 آلاف مزارع، وقد اقترحت وزارة الزراعة الإسرائيلية خطة لتوظيف 8 آلاف عنصر من الضفة الغربية (نساء فلسطينيات من جميع الأعمار، ورجال في عمر الستين وما فوق). لكن يحذر بن غفير من المخاطر الأمنية التي يطرحها هذا الاقتراح، ويدعم البعض هذا الادعاء في ظل تصاعد انعدام الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن يعتبر آخرون هذا الموقف منحازاً، إذ يشمل 2% من الشعب الإسرائيلي أصلاً فئة من عرب إسرائيل. يحمل هؤلاء تعاطفاً معيناً تجاه الفلسطينيين، لكنهم لا يتآمرون سراً مع حركة «حماس».

رغم تراجع قيمة الشيكل، قررت لجنة بنك إسرائيل التي تتألف من خمسة أعضاء وتشرف على السياسة النقدية أن تبقي سعر الفائدة بمعدل 4.75%، وقد شدد حاكم البنك المركزي على قوة تحمّل الاقتصاد المحلي. قال محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون: «يُفترض ألا تحصل تغيرات كبرى في وضعنا المالي الأساسي».

إسرائيل معتادة على الصراعات وقد تجاوزتها في مناسبات كثيرة في الماضي، لكن من المتوقع أن تطول الحرب هذه المرة، حتى أنها قد تتحول إلى مواجهة إقليمية. يظن ستراتشينسكي أن العامل المحوري سيتعلق في نهاية المطاف بمدة الصراع.


MISS 3