طوني فرنسيس

القطاع إذ يختصر النكبة

11 تشرين الثاني 2023

02 : 00

ربع لاجئي فلسطين عام 1948 ذهبوا إلى غزة، والقطاع الذي كان عدد سكانه لا يتجاوز المئتي ألف نسمة صار اليوم يضم أكثر من مليونين قتلت منهم إسرائيل في شهر أكثر من عشرة آلاف.

تختصر سيرة القطاع سيرة بلد اسمه فلسطين، في ضياعه وإلحاقه واحتلاله واخلائه، وفي علاقة منظمات تحريره بعضهم ببعض، وعلاقة هؤلاء جميعاً بالعرب والعالم.

أعلنت إسرائيل عن نفسها دولة عام 48 فتحولت ميليشياتها الإرهابية إلى «جيش دفاع» يخضع للسلطة السياسية التي تداولتها أحزاب صهيونية بالانتخاب. في العام 1948 وإنفاذاً لقرار رفض التقسيم الصادر قبل عام صار القطاع تابعاً لحاكم عسكري مصري. ثم احتلته إسرائيل عام 1956 ليعود إلى السلطة المصرية بعد اندحار العدوان الثلاثي على السويس. بعد 11 عاماً اجتاحته اسرائيل في حرب 1967 وإحتلته حتى اتفاقيات أوسلو وبنت فيه مستوطنات أخلتها وأخلته عام 2005.

الضفة الغربية كان وضعها مماثلاً. رفض الفلسطينيون والعرب تقسيم 1947 فأُلحِقت بالأردن، إلى أن احتلتها إسرائيل في العام 1967. طوال تلك السنوات استمر حلم العودة من النهر إلى البحر، ونشطت التجارة العربية بالقضية. قامت أنظمة عسكرية باسم فلسطين. حاربت إسرائيل وانهزمت، لكنها انتصرت بمجرد استمرارها في السلطة. يومها لم تعد المؤامرة على فلسطين أولوية، صار حفظ سلطات العسكر انجازاً.

بعد أوسلو ساد شعور بإمكانية تحول السلطة الوطنية إلى دولة. كانت نواة السلطة تشبه إلى حدٍ ما، في الشكل، نواة السلطة الصهيونية عشية إعلانها دولة إسرائيل. الفارق أنّ بن غوريون ورفاقه حوّلوا سلطة الميليشيات إلى دولة، فيما تقاتلت المنظمات الفلسطينية على السلطة.

الآن تعمل إسرائيل، في حرب إبادة موصوفة، على طرد «حماس» من غزة. قبلها في العام 2007 خاضت حماس حرباً «مماثلة» لطرد «فتح» من القطاع . نجحت المنظمة «الاسلامية» في مهمتها، وسط ارتياح الطاقم الصهيوني، وعلى رأسه نتنياهو، للانشقاق المريع في الجسم الوطني الفلسطيني. كثير من المحللين والسياسيين الاسرائيليين اتهموا سلطاتهم بتشجيع «حماس» ضمناً لأنها تعفيهم من رفض ومواجهة مشروع السلطة والدولة الفلسطينية صراحة... الحصيلة منذ 16عاماً كانت قيام دويلتين فلسطينيتين يستحيل جمعهما بدلاً من التقدم على طريق حل الدولتين: فلسطين وإسرائيل.

اليوم، ومرة أخرى، تدفع غزة ثمناً باهظاً، وتدفع الضفة ثمناً لا يقل خطورة. ومرة أخرى يدخل اللاعبون الأجانب، كلٌ لحساباته، على خط النزاع بما يهدد استقرار دول مجاورة، خصوصاً مصر والأردن. أمّا البلد الأكثر تضرراً من طموحات بائعي القضايا وتجارها فهو لبنان، الذي تستعمل أرضه من دون عقد إيجار لتسديد حسابات صاروخية لا يعرف عنها شيئاً.

كان في غزة قبل 1967 شارع باسم عمر المختار، يحمل اسم القائد الوطني الليبي الكبير، ومن المدينة خرجت العمليات الفدائية المبكرة مع غيفارا غزة، وفيها إستعرت الانتفاضة الأولى التي جعلت من وجوه القطاع الوطنية التاريخية أبرز المفاوضين لاحقاً على طريق الحرية والاستقلال.

الآن ستنتهي أيام القتل والدمار، وستواصل غزة انجاب القادة المسؤولين، لا الإنجاب الذي يتحدث عنه باعة الأطفال، ولن يموت الحلم الفلسطيني مهما اعتقدت الحكومة الإسرائيلية وفعلت، ومهما غلت الأثمان.

لكن، بات من حق هذا الحلم أن يتجسد بمشروع سياسي جدي، عنوانه الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، يجذب إليه دعم العرب والعالم، وقبل كل شيء يحيي وحدة الشعب الفلسطيني، التي من دونها لن يتحقق شيء. وفي القمة العربية الاستثنائية اليوم لن تكون دعوة تسبق هذا الخيار غير الإلحاح على وقف المجزرة، وهذا أقل المأمول.


MISS 3