سامي نادر

بعد السكرة...فَكرتان

29 تموز 2019

10 : 39

راحت سكرة الموازنة وما رافقها من خطابات ومرافعات في الإصلاح، وجاءت الفكرة، لا بل الفكرات.

الفكرَة الأولى التي بدأ يستفيق عليها المواطنون شيئاً فشيئاً، هي استيعابهم أنهم هم من تحمل في المحصلة أعباء "الإصلاحات" وبطولات المصلحين. فإذا ما استعرضنا سلّة الضرائب والرسوم التي تسللت إلى الموازنة تحت عنوان "الإصلاحات"، من رسم الـ 3% المشؤوم على المواد المستوردة، إلى زيادة الرسوم المستوفاة من قبل الدولة على عدد كبير من المعاملات، مروراً بالضرائب المفروضة على المتقاعدين، لتبين بشكل لا يرقى إليه الشك أن الطبقة الوسطى هي من يدفع ثمن "الإصلاحات" وبتعبير أدق هي من تدفع ومن لقمة عيشها إستحالة تلك الإصلاحات.

وإذا ما استعرضنا بنود الموازنة وهيكلة العائدات الحكومية، لتبين أن الطبقة الوسطى أي المكلف الأول هي أكثر من يمول بنود الموازنة كافة، أي انها من يمول الرواتب والتقديمات للعاملين والمتقاعدين، وهي أيضا من يمول خدمة الدين (أولاً يشكل هذا البند 35% من النفقات الحكومية) وهي من يمول عجز قطاع الكهرباء مع كلّ خططه النهائية والمرحلية.

هذا العبء الثقيل الذي فرض على الطبقة الوسطى والتي هي أصلاً في حالة تآكل وتلاشٍ بسبب الهجرة والبطالة والركود، يطرح أكثر من علامة إستفهام. المعروف عن الطبقة الوسطى أنها العمود الفقري لأي مجتمع متماسك، وهي الحجر الأساس لأي نظام ديموقراطي ولأي حكم رشيد يقوم في الأساس على توازن السلطات. أَوَليست كل السلطات الموازية من نقابات وجمعيات ومؤسسات رقابة وإعلام نابعة من الطبقة الوسطى؟ أَوَلا تشكل هذه الأخيرة الخزان للإقتصاد الحي وقطاعات الإنتاج؟! إن انتكست الطبقة الوسطى أو غُيبت، تعرض استقرار المجتمع لهزات، وإن همشت كبرت الفروقات الإجتماعية. فهل يعي أهل الحكم ما هي نتائج إرهاق الطبقة الوسطى على الأمن والإقتصاد؟

أما الفكرة الثانية التي سوف يستفيق عليها اللبنانيون بعد الموازنة وقريباً جداً فهي تقارير وكالات التصنيف.

ليس معلوماً كم سوف تقتنع تلك الأخيرة أن ما قُدم في متن الموازنة يرقى إلى درجة إصلاحات، وأن الأرقام المطروحة ترقى إلى مستوى الواقعية. وإن اقتنعت بإصلاحات موازنة 2019 يبقى تحدي إقناعها أن تلك الموازنة قابلة للتنفيذ في ظل حكومة نصفها معتكف ونصفها الآخر متملّص من طفله اللقيط والمقصود الموازنة تحديداً.

والتحدي الأخير يكمن في إقناعها باستراتيجيات تخفيض كلفة الدين التي يتم تداولها وكان آخرها بدعة الـ 11000 مليار ليرة بفائدة 1% وما آلت إليه من هندسات. قد نقول لوكالات التصنيف أن هذه موازنة "الحد الأدنى"..الخوف من أن تقابلنا هي أيضاً بالمنطق عينه بـ"تصنيف الحد الأدنى".


MISS 3