جاد شحرور

من جيل إلى جيل

2 حزيران 2020

02 : 00

"يقاضون معارضاً وكأنهم لا يزالون يخافونه رغم عقد أمضاه في المنفى. يبحثون في ملاحقة محطة تلفزيونية وكأنهم يأبهون بما يقال في التلفزيون أو في الصحافة أو حتى في الشارع. يطالبون صحافياً بالاعتذار عما قاله أو لم يقله، وكأنهم فكّروا هم يوماً في الاعتذار عما يفعلونه"، هذا ما كتبه سمير في مقاله، "تلازم الحرية" في العام 2001. واليوم في 2020 أكثر من 450 انتهاكاً ضد الصحافيين والناشطين خلال ثلاث سنوات، يمكن أن يؤكدوا هذه الكلمات.

الكثير منكم عرف الشهيد الصحافي سمير قصير(1960-2005)، إما كان من دائرته الاجتماعية الصغيرة، وإما علاقة عمل أو معرفة سطحية... أنا من الأشخاص الذين كانوا في صف التاسع، أي "البريفيه" عند اغتيال سمير... آنذاك لم أعلم بوجوده، اهتمامات ابن السادسة عشرة تكون في مقلب آخر من نشرات أخبار الثامنة ليلاً أو صفحات الجرائد المحلية.

ما قاله وكتبه الشهيد سمير قصير، كان عابراً للأجيال... على الأقل أنا وأبناء جيلي مواليد الثمانينات، عرفنا وتعرفنا والتقينا سمير في مقالاته وفي مقابلاته المسجلة... على الأقل هذا ما تقوله جائزة سمير قصير التي يفوز فيها سنوياً شباب وشابات من مواليد الثمانينات والتسعينات. وهذا ما يقوله فريق عمل "مركز عيون سمير قصير للحريات الإعلامية والثقافية"، "سكايز"، وهذا ما يقوله جمهور "مهرجان ربيع بيروت" والكثير من المشاريع التي تقوم بها "مؤسسة سمير قصير". الشهيد الذي جعل من حلمه مساراً للحرية، على عكس أي ذكرى أخرى تكاد أن تنحصر في صورة سنوية وشعار، هنا حلم سمير تحول الى خريطة عمل. يقول البعض أن أهمية سمير قصير كانت في جرأته... أقول أن أهمية سمير قصير هي في المحتوى الذي قدمه، محتوى كتبه بلغة سلسة استطاع أن يجمع هواجس الأجيال كلها وورّطها معه في أن تثور وتحلم.

عسكر على مين؟ وعودوا الى الشارع، وربيع بيروت والكثير من المصطلحات التي حفرها سمير في ذهن الناس، كانت جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة جماعية في لبنان لطرد النظام السوري والحلم بالثورة... ثورة عادت في 17 تشرين الأول 2019، لتحرر لبنان من كل مستبد، سواء كان محلياً أو إقليمياً.

في العام 2002، في مقاله، بعنوان "صدقية المنع" كتب، "لكننا في لبنان، جمهورية قنص الحرية. لكننا في لبنان، امارة الهيبة، ولو مستعارة. وفي لبنان، الغريزة السائدة هي غريزة المنع، والاستسلام سريع إلى سليقة الرقابة". وهذا ما شهدناه في السنوات الأخيرة في لبنان بحق المثقفين والصحافيين والناشطين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، من استدعاءات أمنية وتحقيقات خارج الأطر القانونية.

وفي كل مرة عندما أستذكر بداية الثورة في 17 تشرين الأول 2019، عندما شهدنا انتفاضة الشعب ضد كل الطبقة السياسية من دون أي استثناء، أتذكر فوراً جملة من مقاله "لو قالوا لا" الذي كتبه العام 2005، وجاء فيه: "الديموقراطية لا تعني في حال من الأحوال تبييض المرتكبين، ولا مزوري الرأي العام. بل إن شرط الديموقراطية حتى تسود هو سقوط الأقنعة كلها، وليس فقط القناع الأبشع".

وإن أردنا اليوم إسقاط أي جملة من كتابات سمير قصير، لا يسعني الا اختيار جملة واحدة وهي "إذا افترضنا أن الكل أجمعوا على التغيير والاصلاح، فمن الواضح أنهم لم يجمعوا على محتوى التغيير والإصلاح"، من مقاله صدى الانتفاضة ووعد التغيير، في صحيفة النهار في20 أيار 2005.

اليوم سمير قصير وكتاباته وساحته في وسط بيروت وكل من آمن بالمحتوى الذي قدمه الشهيد، بنوا حصانة القتال ضد الظالم المستبد. ليس كل من نزل الى الشارع يعرف سمير، لكن أغلبهم هتف بصوت عالٍ "عسكر على مين؟" والكثير من اللافتات حملت عبارات وردت في مقالات وكتب سمير، وهذا خير دليل أن ما قاله، هو محتوى لكل جيل يبحث عن الحرية، متخطياً الزمان والمكان.

أن تقرأ في حينها خبر اغتيال صحافي في تفجير، يعني أن هناك خلافاً سياسياً في البلد، لم تستطع لغة الحوار ضبطه، فاستخدمت لغة السيارات المفخخة... القوة أن تكتب نقداً من دون خوف، الأقوى أن تنتقل أفكارك من جيل إلى جيل ويتبنوا نقدك.

نحن الآن المعركة... "عودوا الى الشارع تعودون الى الوضوح"، عودوا إلى ما قاله سمير قصير من دون تردد...