خالد أبو شقرا

عربيد لـ"نداء الوطن": موازنة "جس النبض"

الدستور يفرض المجالس الإستشارية والدولة لا تأخذ بنصائحها

29 تموز 2019

09 : 26

عربيد (أرشيف)
قبل نهاية العام 2017 بقليل، أُعيد نفخ الحياة في المجلس الإقتصادي والإجتماعي، بعد تعطيل دام 15 عاماً. دواعي العودة كانت المشاركة في رسم التوجهات العامة للدولة من خلال منصة الحوار التي يخلقها هذا المجلس بين مختلف شرائح المجتمع وقطاعاته. وبالفعل انكب المجلس بنشاط وثبات على جمع فرقاء الإنتاج الثلاثة، الدولة، العمال وأرباب العمل، وأجرى أكثر من 12 جلسة نقاش وحوار، وعرض أفكاراً مع مختلف الكتل النيابية المسؤولة عن رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية. نفذ المجلس بدافع المسؤولية كل مهماته، وخرج بورقة إصلاحية شاملة قدمها إلى الدولة.



بين حزيران وتشرين الأول العام 2018، أطلق المجلس ورشة عمل حقيقية مع ممثلي الأحزاب والهيئات الإقتصادية دامت حوالى 4 أشهر، هدفت للبحث في السبل المناسبة والعاجلة لمواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية التي يمر بها البلد. وأيضاً مناقشة الإجراءات التي تؤمن تخفيض عجز الموازنة، ولا تثقل على الإقتصاد ومحدودي الدخل والفقراء في المجتمع. ونتج من هذه اللقاءات ورقة من 22 نقطة، توافقت عليها الأحزاب كورقة سياسية إقتصادية، وتعهدت بالعمل على تنفيذها من خلال ممثليها في الحكومة والمجلس النيابي، للوصول الى معدل عجز لا يتجاوز 5 في المئة من الناتج المحلي. واتُفق على تنفيذ الإصلاحات من خلال الحد من الهدر، وخفض الإنفاق غير الضروري، وتعزيز الإيرادات، مع تجنب فرض أي ضرائب جديدة أو زيادة معدلاتها، تجنباً لآثارها السلبية على النمو وعلى ميزانية الأسر في الظروف الاقتصادية الراهنة.



موازنة "جس النبض"

"بعد كل الجهد والتعب أتت المقاربة في الموازنة "جس نبض"، يُمرر حيث لا يوجد إعتراض، ويُحجم حيث يعلو الصوت والصراخ"، يقول رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي شارل عربيد، مضيفاً: "العديد من التوصيات المهمة والضرورية لم يؤخذ بها، ولقد افتقدنا درس الواقع الإقتصادي والإجتماعي لبعض الإجراءات التي اتخذت أو التي استعيض عنها. ومقابل طلب المسؤولين من المواطنين تحمل الاجراءات التقشفية، والصبر لتمرير المرحلة، لم نر في المقابل أي مساهمة، ولو رمزية، من المسؤولين في الحكم. في حين كان يجب أن تنطلق المقاربة الأساسية من مبدأ مساهمة الجميع على قدر امكاناتهم وعلى قدر الامتيازات التي استفادوا منها لفترة طويلة في الماضي".



أخذت الحكومة أثناء إعداد الموازنة ببعض نقاط ورقة المجلس الإقتصادي والإجتماعي الـ 22، ولكنها أسقطت كل الافكار الآيلة الى بناء توجه اقتصادي واجتماعي. فاستبدلت السياسات التحفيزية للقطاعات الإنتاجية بالضرائب المرتفعة. وغاب عن توجهاتها تحسين القطاعات التي تتصل بالتربية، ومحاربة الفقر والجهل، وتعزيز الخدمات الاساسية من طبابة وتعليم، والعمل على تقديمها لأوسع شريحة من المواطنين بكلفة منخفضة وجودة عالية ومردود كبير. "فموازنة وزارة التربية تشكل 8 في المئة من الموازنة العامة، واللبنانيون غير فرحين بالنظام التربوي، ومثلها الصحة والتأمين والإسكان ومختلف الخدمات"، يقول عربيد، مردفاً: "كان الأجدى إعادة توزيع الوظائف داخل القطاع العام لسد النقص في بعض القطاعات وتخفيف الفائض من قطاعات أخرى".


الضرائب والفوائد الإضافية تُثقل الإقتصاد

عاملان أساسيان فرضتهما الموازنة بعجزها الكبير وهما: الضرائب والفوائد المرتفعة. وهو الأمر الذي سيقوض الإستثمارات ويحد من القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من المواطنين، ويُدخل البلد في دوامة سلبية، "فعند هذه المستويات من الفوائد تنعدم الاستثمارات، وبالتالي يتراجع النمو وينخفض مردود الدولة. فبدل تقديم المحفزات للقطاعات الانتاجية، والبحث عن صداقات جديدة لتسويق المنتجات الوطنية وتأمين مناخ آمن للإستثمار والإنتاج، "يثقل الإقتصاد بمزيد من الضرائب تفرض على المؤسسات القانونية، في حين تتكاثر الشركات المكتومة، وتشرّع الأبواب على التهريب والتهرب الجمركي. ولعل أخطر ما في هذه الضرائب، أنها وُضعت من دون دراسة الأثر الإقتصادي ومعرفة النتائج التي يمكن أن ترتبها على الاقتصاد، فضريبة 3 في المئة على الإستيراد تشكل خير دليل على عدم دراسة الآثار الإقتصادية والإجتماعية للضرائب والرسوم المفروضة"، يقول عربيد.


مع تمرير موازنة العام 2019 تتجه الأنظار إلى موازنة العام 2020 والتي، برأي عربيد، يجب "أن تركز على محاربة الفساد السياسي، ومكافحة الفقر الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة واصبح يهدد بمشكلة إجتماعية كبيرة جداً".



ما كان جائزاً في الأعوام الماضية لن يكون ممكناً في الأعوام المقبلة، وهو يتطلب من الجميع بدءاً من أصغر المؤسسات المتمثلة بالأسر، ووصولاً الى أكبرها في القطاعين العام والخاص، تغيير طريقة إدارة الأمور ونمط العيش والإقتناع بأن الوضع اختلف. وهذا يتطلب معالجة الهدر والفساد وإعطاء التحفيزات، بدل الضرائب، وتخفيض الفوائد، لأن الإستمرار بهذا الوضع سيأخذ البلد الى الانهيار أو الى مزيد من الضغوطات في أحسن الأحوال.




MISS 3