كارين عبد النور

تضارُب نظامها الداخلي وقانون "الداخلية" يُبعد المسيحيّين عن رئاستها

نتيجة انتخابات رابطة عاملي "اللبنانية"... استقالة أعضاء الفروع الثانية!

13 تشرين الثاني 2023

02 : 00

إنتخاب رابطة العاملين بغياب أعضاء الفروع الثانية

قبل أيام، شهدت انتخابات رابطة العاملين في الجامعة اللبنانية فوز مرشّح حركة «أمل» بالتزكية. جاء ذلك، في وقت كان يُفترض انتخاب مرشّحٍ مسيحيّ، ليشرّع الباب مجدداً أمام العديد من الشكوك الطائفية - الحزبية التي يُهمس بها داخل أروقة الجامعة. شكوك ليس أقلّها محاولة إلغاء الآخر وفرض الهيمنة بالقوة على غرار ما يحصل على مستوى الوطن، كنف الجامعة الأكبر. وهذا يستدعي السؤال القديم – الجديد: هل تكون وصفة الخروج من نفق أزمات الجامعة منطلَقاً لتطبيق اللامركزية الإدارية؟



هذه بعض التفاصيل. فقد قامت رابطة العاملين في الجامعة اللبنانية بإجراء الانتخابات الخاصة بها يوم الخميس في الثاني من تشرين الثاني الحالي، وذلك بعد مرور تسع سنوات على تولّي حبيب حمادة (من الطائفة الشيعية) رئاستها. ورغم أن المادة 12 من النظام الداخلي للرابطة، كما الأعراف المعتمَدة منذ عشرات السنين، نصّت على أن يتمّ انتخاب رئيس الهيئة كل سنتين مداورة بين الطائفتين المسيحية والإسلامية، إلّا أن ذلك لم يمنع انتخاب رئيس شيعي لها ينتمي إلى حركة «أمل». انتخابات اعتبرها أعضاء الفروع الثانية غير شرعية ما دفعهم إلى تقديم استقالاتهم، وهُم: عايدة كيوان، صباح حبيب، جوزيف السخن، ربيع مخلوف، شربل شاهين، جوزيف حداد وفادي مبارك. في حين رأى فيها البعض الآخر مخالفة للقانون الذي يحتّم على المرشّح أن يكون ضمن ملاك الموظفين أو متعاقداً أجيراً أو متعاقداً بالفاتورة، ما لا ينطبق على الرئيس المنتخَب. من جهّتها، اعتبرت حركة «أمل» أنها اعتمدت القانون المنصوص عنه في وزارة الداخلية والذي لم يتطرّق إلى مسألة المداورة، ممارِسة حقّها الانتخابي الشرعي والقانوني. فبين المادة 12 وقانون الوزارة، ما الذي تخبّئه سطور قصة هذه الانتخابات؟



لا لتغييب الفروع الثانية

البداية مع مصدر مقرّب من أعضاء الفروع الثانية في الجامعة اللبنانية الذي شرح في حديث لـ»نداء الوطن» أن المادة 12 من النظام الأساسي والنظام الداخلي للرابطة تنصّ على أن تتألف الهيئة التنفيذية من 24 عضواً موزّعين مناصَفة بين المسيحيين والمسلمين، وأن تكون رئاستها مداورة بين الطائفتين، على أن تكون ولاية الهيئة التنفيذية سنتين. «مع نهاية ولاية الرئيس حبيب حمادة، الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية وبقي في الرئاسة لمدة تسع سنوات دون الدعوة لأي انتخابات، جاء هذه المرة دور الرئيس المسيحي. وهذا ما رفضه المكتب التربوي لحركة «أمل» رغم العرف السائد منذ أكثر من ثلاثين سنة في محاولة واضحة لإلغاء الآخر. أما الحجة فهي أن قانون وزارة الداخلية لا ينصّ على ذلك»، كما يقول المصدر.

بناء على ذلك، قاطَع أعضاء الفروع الثانية الانتخابات، ما أدّى إلى فوز مرشّح الحركة، أيمن ماجد، بالتزكية، تلته استقالة سبعة أعضاء مسيحيين، يمثّلون جميعاً الفروع الثانية. فإلامَ ستؤدّي هذه الاستقالات خصوصاً وأن الفروع الثانية باتت غير ممثّلة حالياً داخل الرابطة؟ سؤال طرحناه على المصدر فأجاب: «لا يشرّفنا أي تمثيل في جوّ إلغائي كهذا. الرابطة لا تنجح إلّا بكافة مكوّناتها الطائفية غير أنها، للأسف، أصبحت من لون واحد. الوضع يتعلّق أساساً بمصلحة الجامعة وليس بلعبة الطوائف أو الأحزاب التي أبعدناها كلّياً عن الانتخابات. لن نقبل بأن نكون مغيّبين وأي قرار تتّخذه الرابطة لا يعنينا، فنحن نعتبر أنفسنا منشقّين عنها. اليوم بدأوا بالرابطة وغداً ينتقلون إلى صندوق التعاضد وهكذا دواليك حتى إلغاء الفروع الثانية برمّتها».




قانون وزارة الداخلية لم يتطرّق إلى المداورة



إنتخاب رابطة العاملين بغياب أعضاء الفروع الثانية وفي الاطار المادة ١٢ من النظام الداخلي تنص على المداورة والمناصفة



المادة ١٢ من النظام الداخلي تنص على المداورة والمناصفة



قانون وزارة الداخلية لم يتطرق إلى المداورة


نعم للّامركزية البنّاءة

بدوره، رأى عضو لجنة التربية النيابية، النائب الدكتور أنطوان حبشي، في اتصال مع «نداء الوطن» أن هناك مجموعة أمور تحصل في الجامعة وجميعها تدلّ على أن الأوضاع ليست بخير. بدءاً بملف مستحقات الـPCR الذي لم يصل إلى نتيجة حتى الساعة، مروراً بحظر أغاني السيّدة فيروز في مجمّع الحدث، وصولاً إلى الطريقة التي يتمّ التعاطي فيها داخل معاهد الدكتوراه. «ها هي انتخابات رابطة العاملين تؤكّد مجدداً محاولة فريق معيّن الاستئثار بالجامعة. والمحزن هو ما نشهده من تراجُع ملموس في المستوى التعليمي على يد هذا الفريق رغم التصنيفات التي يتحدثون عنها. وكأن الجامعة تأخذ منحىً ثقافياً يشبه تغيُّر كينونة لبنان الثقافية». حبشي شدّد أن لا بدّ من مقاربة الملف التربوي بكامله ذلك أن المشكلة بنيوية وليست طارئة. فما يحصل في الفروع الثانية ليس جديداً عليها، إذ إن تخطّي النظام والاستئثار بالقرارات وعدم قبول الآخر صرخة قديمة عمرها عشرات السنوات.



النائب الدكتور أنطوان حبشي




ما الحلّ إذاً؟ «كل ما يحصل في الجامعة يشير بوضوح إلى عدم إمكانية الاستمرار في جوّ المركزية الإدارية هذه ونحن نجهل كيفية إدارة الملفات. حتى في البلدان الأكثر مركزية هناك لامركزية في فروع جامعاتها وكل منها يتمتع باستقلالية إدارية بالحد الأدنى، ويتميّز باختصاصات مختلفة. فهل يُعقل مثلاً أن يشرف شخص واحد على كافة عمليات الصرف داخل الجامعة؟»، يتساءل حبشي مؤكّداً أن الجامعة لن تصطلح، كما أن لبنان لن تنقذه سوى اللامركزية الموسعة، إلّا باعتماد نوع من اللامركزية البنّاءة وتحقيق استقلالية الفروع وتخصّصها، ما سيساعد على شبك الطلاب في ما بينهم. «عندها فليَمنع من يريد أغاني فيروز في فروعه وليَسمعها من يريد في فروع أخرى، وليُعالِج كل فرع ملفاته كما يرتأي بعيداً عن أي ابتزاز سياسي أو تجاري، كما يحصل في ملف الـPCR. فمؤسف أن تنحرف الجامعة عن ثقافة الانفتاح وقبول الآخر لتتحوّل إلى صورة مصغّرة عما يحصل في البلد ككلّ».



أيمن ماجد


بين العرف والقانون

ننتقل إلى المقلب الآخر للوقوف عند رأي رئيس الرابطة المنتخَب، أيمن ماجد. فقد أوضح لـ»نداء الوطن» أن للرابطة نظامها الداخلي غير أن القانون لم يتطرّق إلى طائفة الرئيس المنتخَب. فهل نفهم أن المداورة والمناصفة مجرّد عرف معتمَد في الانتخابات؟ «لم يبلغني أحد بوجود عرف متّفق عليه. نحن موظفون موجودون في الجامعة، ترشّحنا بحسب الأصول وفزنا وسنكمل الطريق. ورغم أننا كنا على تواصل دائم مع باقي الأعضاء، لكن يبدو أنهم كانوا يريدون إيصال مرشّح معيّن». واستغرب ماجد عدم تقدّم الأعضاء الآخرين بترشّحهم معتبراً نفسه الوحيد الذي التزم بالقانون وترشّح للانتخابات. فلو التزم الجميع بالقانون، لكانت تمّت العملية الانتخابية ضمن أجواء من الديمقراطية... و»من ينجح صحتين على قلبه»، على حدّ قوله.

نتابع ونسأل عن الأسباب التي تقف وراء استقالة الأعضاء السبعة، فيلفت ماجد إلى أنه لم يستلم أي استقالة حتى تاريخه، إذ ما حصل هو تغيّب بعض أعضاء الفروع الثانية عن جلسة الانتخاب وحضور آخرين. أما عن محاولات الهيمنة على الجامعة، فنفى نفياً قاطعاً ما يتمّ تداوله مؤكّداً تواصله مع كافة الأطراف، ومنهم موظفو الفروع الثانية، كما مدّ اليد للجميع. كما أعلن عن لقاءات قريبة ستُعقد مع مختلف فروع الجامعة. «لسنا هنا لنلغي أحداً والدليل أن نائب رئيس الهيئة وممثّلها أمام وزارة الداخلية انتُخبا من الطائفة المسيحية. أما لِمَن يتكلمون عن اللامركزية فنقول إن الجامعة اللبنانية جامعة واحدة غير مقسَّمة طالما هي تضمّ إدارة مركزية وفروعاً».


الدكتور علي مشيك



دعوة إلى تواصل مفقود

مسؤول المكتب التربوي في حركة «أمل»، الدكتور علي مشيك، وصف لنا ما حصل ذاكراً وجود مغالطة ما في الموضوع، ذلك أن مضمون المادة 12 الذي يتمّ تداوله ولم يرد في نصّ النظام الموجود في وزارة الداخلية. «الكتيّب الذي يتكلمون عنه لا ندري من قام بتوزيعه، فقد يكون مجرّد اقتراح. غير أننا، كمكتب تربوي، نلتزم بالقانون الموجود في وزارة الداخلية حيث لم يجرِ التطرّق إلى المداورة ولا حتى المناصفة، فهما مجرّد عرف لا أكثر». ويلخّص مشيك الإشكالية الحاصلة بأن بعض الأحزاب المسيحية تريد لعب دور المعارضة والمشاركة في السلطة وفي بعض المواقع في آن، كمن يقف على الباب رافضاً الدخول وعاجزاً عن الخروج. وما ضاعف من تداعيات هذه الإشكالية، برأيه، هو غياب التواصل بين الأحزاب الأساسية على الساحة المسيحية والساحات الأخرى. ويضيف: «لم يتواصل أحد معنا، كحركة، ولم نتواصل بدورنا مع أحد. كما أننا لم نتدخّل في انتخابات الرابطة إذ إن الموظفين هم من قاموا بانتخاب مجلس مندوبين وبعدها الهيئة التنفيذية فالمجلس التنفيذي».

مشيك وضع ما يحصل برسم الأحزاب التي تتغيّب عن الاستحقاق. «في الانتخابات ما قبل الأخيرة لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية، شهدنا مشاركة فعّالة للأحزاب في المرحلة الأولى لانتخاب مجلس المندوبين. وتفاجأنا خلال انتخاب الهيئة التنفيذية بانسحاب «القوات اللبنانية» وتلاها «التيار الوطني الحرّ». وبعد انسحاب المرشّحين المسيحيين اضطررنا لانتخاب المسيحي المعارض». وإذ أعرب عن الاستعداد الدائم لأي نقاش إنضاجاً للحلول مع احترام حقوق كافة الأطراف والطوائف، دعا مشيك إلى تفعيل التواصل بين الأحزاب من أجل الحفاظ على الجامعة اللبنانية كصرح تربوي وطني تفاعلي لجميع الأطراف، دون أن يشعر أحد بالغبن أو هدر الحقوق. وختم متوجّهاً لِمَن يتّهم الطائفة الشيعية بالهيمنة وفرْض قرارها الداخلي بالقوة: «هل يمكن لهؤلاء أن يخبرونا ما الذي صدر عن الطائفة الشيعية أو ما فرضته من أجل تغيير وجهة البلد؟ أم أنها مجرّد عناوين تُنثَر هنا وهناك؟ نحن، كحركة «أمل» تحديداً، موجودون في الجامعة اللبنانية مثلنا مثل باقي الأطراف. لا قدرة لنا على إلغاء أحد ولا هو أصلاً من أدبياتنا كوننا من دعاة التعايش ونتنازل عن حقّنا من أجل الآخرين».

أصغينا للرأي والرأي الآخر. لكن ما يقلق كثيرين هو منسوب الفئوية الآخذ بالتفشّي كأخطر ما يهدّد الجامعة. وما لا يقلّ خطراً هو اعتقاد البعض، خاطئاً، بأن المضي بالمؤسسات كما بالبلد من خلال إلغاء الطرف الآخر ممكن إلى ما لا نهاية. أما الخوف، في الجامعة وكنفها الأكبر على السواء، فأن ينتهي الجميع خاسراً بلا استثناء.


MISS 3