جوزيف حبيب

سان فرانسيسكو و"الزلزال العظيم"!

13 تشرين الثاني 2023

02 : 00

مركز موسكون حيث عقدت لقاءات تحضيرية لقمة "آبيك" السبت الفائت (أ ف ب)

تجذب اللقاءات التاريخية الاستثنائية بين قادة الدول المتصارعة أو المتنافسة عدسات كاميرات وسائل الإعلام العالمية، مثلما حصل على هامش القمّة العربية - الإسلامية الطارئة في الرياض السبت الفائت، حين التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للمرّة الأولى منذ اتفاق آذار المُفاجئ بضمانة الصين. وكاميرات المصوّرين ستكون متأهّبة بعد غد الأربعاء في سان فرانسيسكو، لإلتقاط مصافحة بايدن وشي ودردشاتهما في ولاية كاليفورنيا المطلّة على المحيط الهادئ، مسرح الصراع الأساسي بين واشنطن وبكين.

تجمع سان فرانسيسكو، التي يمرّ عبرها صدع سان أندرياس والمهدّدة بخطر حصول زلزال كبير، الرئيسين الأميركي والصيني بهدف إدارة المنافسة الجيوستراتيجية بينهما بطريقة مسؤولة تُبقي «الصراع البارد» «مدوزناً» على ايقاعات «دقيقة» لمنع خروج «تضارب المصالح» عن السيطرة، وبالتالي تحوّله إلى «صدام ساخن» يأخذ المعمورة برمّتها إلى «زلزال عظيم» تستفيق معه البشرية على حرب عالمية ثالثة، اندلاع شرارتها سيكون سريعاً، لكن لا أحد يستطيع تقدير حجم تداعياتها الكارثية أو معرفة خواتيمها.

أمام بايدن وشي ملفات شائكة كثيرة، تبدأ بتنظيم العلاقات الثنائية واستعادة التواصل بين الجيشين لتجنّب أي «سوء فهم» وضبط أي «احتكاك» غير محسوب ولجمه في مهده، ولا تنتهي بتايوان التي قد تتصدّر العناوين في أي لحظة حرجة في أقصى شرق آسيا. فأوّلاً، لدى الإدارة الأميركية قلق متنامٍ من محاولة السلطات الشيوعية في بكين التدخّل في الانتخابات التايوانية المقرّرة في كانون الثاني المقبل، خصوصاً أنّ نائب الرئيسة لاي تشينغ تي، مرشّح الحزب الديموقراطي التقدّمي الذي يطمح لاستقلال تايوان، يُعتبر المرشّح الأوفر حظّاً للفوز بالرئاسة.

ثانياً، واشنطن منزعجة من ازدياد وتيرة الأنشطة العسكرية الصينية الاستفزازية حول تايوان، ومتأهّبة لاحتمال اقتراب «ساعة الصفر» في حسابات بكين، التي تواجه تراجعاً اقتصاديّاً لافتاً، لإطلاق «حرب التوحيد» الهادفة إلى ضمّ الجزيرة إلى السيادة الصينية. يُضاف إلى كلّ ذلك، توالي «تحرّشات» جيش التحرير الشعبي الصيني و»ميليشياته» البحرية بسفن دول مجاورة كالفيليبين، لفرض أمر واقع على مناطق بحرية متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي من خلال «البلطجة البحرية»، الأمر الذي قد يجرّ المنطقة إلى حرب لا تُحمد عقباها.

وستُطرح الحرب الروسية في أوكرانيا على طاولة البحث، حيث سيُؤكد بايدن على مسامع شي ضرورة احترام بكين العقوبات الأميركية على روسيا، ورفضه تسليم شركات صينية معدّات تكنولوجية ومواد صناعية تستخدمها موسكو في مجهودها الحربي، وسيطلب الرئيس الأميركي من نظيره الصيني أيضاً الضغط على بيونغ يانغ في ملفيها الصاروخي والنووي، علماً أنّ كوريا الشمالية تُعزّز علاقاتها مع روسيا وتتبادلان الخدمات المشتركة بما يصبّ في مصالحهما الذاتية.

لن تكون الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة غائبة عن محادثات بايدن وشي، في وقت تسعى فيه بكين إلى التسلّل أكثر فأكثر إلى الساحة الشرق أوسطية لتعزيز نفوذها فيه ومزاحمة واشنطن من باب العداوات القائمة والأزمات المتناسلة. وتحاول الصين جَني أكبر قدر من المكاسب الديبلوماسية والسياسية والتجارية من هذه الحرب، بإظهار نفسها وسيطاً محتملاً يعتدّ به لتأدية دور في حلّ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ولتحسين صورتها في العالم الإسلامي بعد «تشوّهها» بفعل اضطهادها المُمنهج لأقليّة «الإيغور» المسلمة في إقليم شينجيانغ.

ولا تقلّ المسائل الاقتصادية والمالية والتجارية والتكنولوجية والصحية والوبائية والمناخية أهمية عن القضايا السياسية الدولية. وهنا تطفو على السطح مخاوف الشركات الأميركية الموجودة في بلاد «التنين الأصفر» من القوانين الصينية الغامضة والمعاملة التفضيلية للشركات المحلّية، بينما تتمسّك واشنطن بمعاملة عادلة للوصول إلى علاقات اقتصادية صحية ومستدامة، وتالياً تفادي «الإنفصال» بين الاقتصادين وما يترتّب عليه من زعزعة إضافية في النظام الدولي. كما ستطلب واشنطن من بكين وقف تدفق المواد الكيماوية التي تُستخدم في انتاج مخدّر «الفنتانيل» إلى كارتيلات المخدّرات في المكسيك، إذ أصبح هذا العقار السام المسبّب الرئيسي للوفيات في صفوف الشباب الأميركي.

في المقابل، تُعارض بكين العقوبات الأميركية المتعدّدة على شركات صينية، فضلاً عن قيود التصدير الأميركية المتشدّدة، ولا سيّما على المنتجات التكنولوجية المتطوّرة كأشباه الموصلات، تحت شعار الحفاظ على «الأمن القومي»، الذي تلجأ إليه بكين بدورها بغية تحقيق غاياتها. وتنظر الصين بعين الريبة إلى الممرّ التجاري الذي يربط الهند بأوروبا عبر الخليج العربي برعاية أميركية، ويعتبر منافساً موضوعيّاً لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية. فهل تنجح سان فرانسيسكو في تبريد الخلافات وتأجيل موعد «الزلزال العظيم»، أم أن المعضلة أعمق من ترميمها بلقاء عابر؟


MISS 3