إيفون أنور صعيبي

يُعزّز سيولة الخزينة ويقضي على الفساد والمفسدين

"الشراء العام" مشروع قانون... "يحمي المغفّلين"

3 حزيران 2020

00 : 00

إفتُتحت أمس ورشة عمل لإطلاق أعمال اللجنة الفرعية النيابية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة حول "اقتراح قانون الشراء العام في لبنان". يشكل الاقتراح اصلاحاً متكاملاً لمنظومة الشراء العام وهو لا يقتصر على قانون عصري فحسب، بل على رؤية متكاملة تتضمن إلى جانب القانون، إجراءات موحّدة تضمن المنافسة وتحترم معايير النزاهة والشفافية، بالإضافة الى منصّة الكترونية مركزيّة تتيح للجميع، من جهات شارية أو قطاع خاص أو مجتمع مدني أو دولي، الحصول على المعلومات ومتابعة مسارات عمليات الشراء ونتائجها. كما تتضمن كادراً بشرياً عالي المهنيّة، والأهم، أطراً فعّالة للمراجعة والشكوى وهو معيار دولي أساسي في مجال المناقصات العمومية.

خلال الورشة، كانت كلمة للنائب ياسين جابر الذي قال: "لا يوجد نص عصري وموحّد للشراء العام، ويُعتبر الإطار القانوني الحالي مبعثراً ومتقادماً ينطوي على أحكام متعددة متفرّقة من أبرزها قانون المحاسبة العمومية (المرسوم رقم 14969 تاريخ 30/‏12/‏1963 المعدل) ونظام المناقصات (المرسوم رقم 2866 تاريخ 16/‏12/‏1959 المعدل بتاريخ 1962/‏02/‏10)، بالإضافة إلى عدد من النصوص الخاصة. منظومة الشراء العام في لبنان ذات جودة متدنّية، ويبلغ المؤشر العام لجودة دورة الشراء 48/‏100، مقارنة مع مثيلاتها في بلدان المنطقة العربية وفي العالم".

كُلّف معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي إعداد إقتراح القانون، وفي هذا السياق، تشدّد رئيسة المعهد لمياء المبيّض بساط في اتصال مع "نداء الوطن"على ان هذا الاقتراح قانون لامركزيّ يحترم المعايير والتوصيات الدولية. في الواقع تشكل معايير الشراء العام أساس السلامة المالية للدول، وقد بدأت مبادرات معهد باسل فليحان لإقرار قانون للشراء العام منذ العام 2012 من دون تحقيق أي نتائج آنذاك، علماً ان المشروع اصلاحيّ بامتياز خصوصاً وان مسألة الشراء العام لا تصبّ في صلب إدارة المال العام، في حين يجب ان يكون مدمجاً في قانون الموازنة العامة".

لا يمكن تكريس شعارات المحاسبة والشفافية ومكافحة الفساد من دون قانون عصري للشراء العام وادواته أي دفاتر شروط نموذجية وإجراءات واضحة، بالإضافة الى مبدأ الدمج بغية ادخال ممارسات جديدة لتحسين إدارة السيولة للخزينة العامة. ولعل ابرز ركائز القضاء على الفساد في الدولة، وأي دولة، يتمثل بصورة أساسية بتحصين الصفقات العمومية. لذلك لا مفرّ من سنّ تشريع واضح ودقيق تتساوى فيه المبادئ العامة وتحديداً تلك المتعلقة بالمنافسة العامة والشفافية، الى جانب توحيد الصفقات العمومية ضمن قانون واحد ما، وهو ما يقدمه مشروع قانون الشراء العام.

وبحسب اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمكافحة الفساد، يُقاس مستوى تفشي الفساد في بلد ما بالارتكاز الى مؤشرَين: الأول هو القوانين المتعلقة بحماية المرافق العامة من توغل الفساد. وثانياً سنّ التشريعات الضرورية لضمان معايير الشفافية في الصفقات العامة ولوازم الشراء في الدولة، وهو ما يجعل لبنان عملياً في مراتب متأخرة دولياً. فقوانين المناقصات تعود الى خمسينات القرن الماضي وقد أثبتت انها الباب الأبرز لهدر المال وتمرير الصفقات المشبوهة، خصوصاً وان صلاحية السلطة السياسية - التنفيذية فيها كبيرة والامر سيّان بالنسبة الى صلاحية الوزير، الذي بوسعه ان يقرر منفرداً اجراء المناقصة ومن دون الرجوع الى إدارة المناقصات، كما حصل على مدى أعوام تحديداً في وزارة الطاقة. يؤمن مشروع قانون الشراء العام المبادئ التالية:

- مبدأ الشمولية لكل صفقات الدولة على اختلاف أنواعها، أكانت مؤسسة عامة او بلدية او اشخاص القانون العام المولجين إدارة مرفق عام والشركات الخاصة التي تتولى المرافق العامة.

- دور ناظم لإدارة الشراء العام يسمح لها بالتدخل فوراً لوقف أي عملية شراء غير مطابقة للمعايير.

- مبدأ المساءلة الذي يعتمد للمرة الأولى في قانون للمناقصات وهذا ما اوجبه أصلاً حق الوصول الى المعلومات.

باختصار يساهم قانون مماثل في تعزيز مكانة لبنان في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، ذلك طبعاً في حال اقراره من قبل سلطة برلمانية شرّعت على مدى أعوام الانفاق العشوائي والهدر الممنهج، في صفقات بغالبيتها الساحقة مشبوهة، معتبرة ان القوانين التي أنتجتها منذ التسعينات وحتى اليوم "لا تحمي المغفلين"، على عكس المشروع الحالي الذي يضمن حقوق حتى مَن هم مِن غير المستترين.