جورج بوعبدو

"بليلة فيا ضو قمر" على مسرح "مونو"

فؤاد يمّين وسيرينا الشامي... جمال الانسجام وبراعة الأداء

15 تشرين الثاني 2023

02 : 05

بعد النجاح المتميز الذي حققه فؤاد يمين وزوجته في العروض المسرحية الأخيرة، بدا لكل من شاهد مسرحية «بليلة فيا ضو قمر» على مسرح «مونو»، في الحادي عشر من الشهر الحالي، أن يمّين ينتهج طرقاً جديدة لإضفاء المتعة على جمهوره العريض.


النص محبوك بمشهديّة بسيطة، فلا ديكور باهظ الثمن ولا تكاليف تذكر. لا شيء على خشبة المسرح سوى سلّم خشبي، وخزّان مياه، ولاقط هوائي. كيف ليمّين اذاً أن يبهر جمهوره، إن لم ينهل من خياله الواسع وسرعة بديهته وقدرته اللامتناهية على تجسيد الأدوار بسلاسةٍ تفوق الوصف؟


لم يكن يمين وحده من خطّ هذا النجاح: تعاونه مع زوجته سيرينا الشامي أعطى بعداً آخر للعمل. أداء الشامي عفويّ طبيعيّ ومفعم بالحياة. خفّتها استثنائية وفعلها كبير لدى الجمهور. تملك الفنانة الصاعدة موهبة حقيقية في إضحاك الحاضرين. يثبت الثنائي يوماً تلو آخر أنّ انصهارهما قوي ومتماسك بشكلٍ قلّ نظيره.




ساعة وعشر دقائق من التشويق والضحك والكوميديا السوداء. المئات توافدوا لحضور المسرحية. يكفي أن تذكر اسم الثنائي يمين والشامي لتضمن قاعةً متخمة وطوابير من الحضور.


حبكة المسرحية بسيطة: هي قصة الشاب وائل الذي صعد الى سطح إحدى بنايات بيروت هرباً من الناس والضجيج في الطابق السفلي الذي يضم حانةً يرتادها شباب للسهر والشرب. الشاب مكتئب. يتأمل الناس في الشارع من أعلى وتساوره أفكار سوداء بالانتحار. فجأة يفتح باب السطح على مصراعيه وتدخل فتاة جميلة تضج بالحياة. تحاول الفتاة اللعوب «بريتا» التقرّب منه. يحاول صدّها ولكنها مصمّمة على تجاذب أطراف الحديث. سرعان ما يتفاعل وائل مع الفتاة التي تخبره عن اسمها وجدّتها وتفاصيل حميمة من حياتها. تعجبه الفتاة. يعلق في شباك هضامتها وينساق معها في لعبة من الالغاز والقصص متخلياً شيئاً فشيئاً عن رصانته ليفتح لها قلبه ويطلعها على سبب وجوده الحقيقي على السطح بعيداً عن الجميع.


يخبرها بعد برهة انه وقع في اعجابها، وأنه بسببها قرر عدم الانتحار ولكنه لا يستطيع المضي قدماً معها لانه متعاقد مع شركة خدمات تساعد اليائسين على الانتحار.


هي اذا حبكة بسيطة ولكن مشوّقة. مضحكة ومبكية في آن. كوميديا سوداء بعيدة كلّ البعد عن الرتابة والتصنع تذكرك أن الخيط الرفيع الفاصل بين الرغبة في الحياة والموت قوامه الحبّ. وهذه المرة ايضاً اختار كل من يمين والشامي اللذين تشاركا الاخراج ديكوراً بسيطاً قوامه خزّان سطح وضوء قمر خافت، بدلاً من الكنبة التي سادت ديكور مسرحية الثنائي السابقة «الحكي بيناتنا». وكأنّ النجاح الذي حققته المسرحية الآنفة الذكر كانت حافزاً لعملٍ اضافي. لمَ لا، طالما أن الانسجام بين الثنائي قوي لدرجة تحقيق نجاحٍ تلو آخر.




رائعٌ هو النص ببساطته وعفويته القريبة من القلب، ويتقاسم البطلان إبداع التمثيل في انسجام تام وكيمياء مطلقة وكأنهما تقمّصا جسدين في حالتيهما المتناقضتين.


مبهرة كانت الشامي، التي تخرجت من المسرح في الجامعة اللبنانية الأميركية وتسجّل نجاحاً تلو آخر منذ العام 2011، محققة مسيرة مهنية لا غبار عليها في المسرح والسينما والتلفزيون مقدّمةً شخصيات متنوّعة على غرار «نور» في المسلسل العربي المشترك «خرزة زرقا»، و»ريتا» في مسلسل الرعب «الزيارة» وفي المسلسل الميلادي «قبل نصّ ليل»، علماً أنها شاركت كذلك في كثير من الأعمال المسرحية مثل «الفيل».





تُسحرك الشامي بأدائها الاحترافي وسلاستها في التمثيل والسرد. تأخذك بخفة دمها الى حيث اللاّملل. تشعر أنّها صديقتك الحميمة. كأنّك تعرفها منذ عشرات السنين وها هي أمامك الآن تخبرك عن تفاصيلها الصغيرة. لا يقلّ أداء يمين احترافيةً. ماذا يسعك أن تكتب عنه أساساً؟ ماذا تقول في مَن شكّل لسنواتٍ حالةً بحدّ ذاتها؟ ظاهرةً في الكوميديا والعمل التلفزيوني؟ موهبةً لا تنفك تبرهن أنها قادرة على أداء الأدوار التراجيدية ببراعة الاداء الكوميدي ذاته، فهو قادر على إضحاكك وإبكائك بالشدّة نفسها. يبهرك يمين في كلّ مرة تشاهده مؤدياً عملاً مسرحياً. فالمشهد الذي كان يشرح فيه للبطلة «ريتا» عن الاسباب التي دفعته الى التفكير بالانتحار قريب من أداء ممثلين عالميين. يذكّرك في المشهد بأداء الكوميدي الراحل روبين ويليامز. هي البراعة نفسها. ولا شكّ في أن يمين سيخبئ لنا مزيداً من الروائع في السنوات القادمة، فمخيّلته لا تنضب، ويمكننا أن نتوقع منه منذ اليوم مزيداً من الاعمال المبهرة والاداء الاستثنائي.


«بليلة فيا ضو قمر»عملٌ يستحقّ المشاهدة فلا تتوانى عن التوجه الى «مونو» والتمتّع بساعةٍ من الضحك والترفيه.





* يستمرّ العرض على مسرح «مونو» حتى 26 تشرين الثاني.



MISS 3