يوسف مرتضى

إنتصر العرب في الـ67 وهزموا في الـ73 فماذا عن "طوفان الأقصى"؟

17 تشرين الثاني 2023

02 : 00

حرب 1967 وتُعرف أيضاً في كل من سوريا والأردن باسم «نكسة حزيران» وفي مصر باسم نكسة 67 وتسمى في إسرائيل حرب الأيام الستة، هي الحرب التي نشبت بين إسرائيل وكل من العراق ومصر وسوريا والأردن بين 5 حزيران 1967 والعاشر من الشهر نفسه، وأدت إلى احتلال إسرائيل سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.

وقد ساد العالم العربي في أعقاب «النكسة» جو من الكآبة والإحباط. وفي مصر أعلن جمال عبد الناصر عن تنحيه عن رئاسة مصر»متحملاً المسؤولية الكاملة عن الهزيمة»، إلا أنه عاد عن الاستقالة بعد تظاهرات احتشد فيها الملايين في القاهرة ومدن أخرى، رافضة تنحيه عن السلطة.

وفي 1 أيلول، انتحر المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش المصري، تلاه استقالة أحمد الشقيري زعيم منظمة التحرير الفلسطينية وصاحب نظرية «رمي إسرائيل في البحر» كما استقال من منصبه كممثل لفلسطين في الجامعة العربية.

وفي 8 أكتوبر استقالت الحكومة الأردنية وتألفت حكومة جديدة كان نصف أعضائها من الضفة الغربية في إشارة من الملك حسين بن طلال الى ما يوليه من أهمية كبيرة للقضية، ثم تمت الدعوة لعقد قمة عربية في العاصمة السودانية الخرطوم كان هدفها «إيجاد إطار وفاقي وعمل موحد يمكن أن يكون مقبولاً لدى جميع البلدان العربية»، وقد عرفت هذه القمة باسم «قمة اللاءات الثلاث»: «لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف».

وقد خلصت القمة إلى قرارين بارزين، الأول: عدم تزويد الدول العربية الدول الداعمة لإسرائيل بالنفط، والثاني إنشاء صندوق تموّله الدول العربية الغنية وعلى رأسها السعودية وليبيا لمساعدة دول الطوق العربية استعداداً لحرب التحرير المقبلة.

أما على صعيد المنظمات الفلسطينية فقد أعلنت أغلب التنظيمات ومنها «شباب الثأر» و»أبطال العودة» و»جبهة التحرير الفلسطينية» توحيد جهودها ضمن «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وذلك في مؤتمر عقد في دمشق أواخر حزيران 1967، كما أنّ حركة فتح التي تأسست عام 1965 كشفت عن هويتها بعد أن التزمت السرية في المرحلة السابقة، وقررت حركة القوميين العرب بدورها انتهاج «الكفاح المسلح»، والذي انطلق عملياً من مختلف الفصائل في أعقاب الحرب، وشمل عمليات انتحارية استهدفت مواقع إسرائيلية حول العالم. وهكذا يمكن القول إنّ هزيمة أو نكسة الـ1967 قد حوّلها معظم العرب رسمياً وشعبياً إلى انتصار على الذات، فتوحدت الإرادات للتحضير لحرب الثأر واستعادة الحقوق. فكانت حرب الاستنزاف مقدمة للتحضير للحرب الكبرى، حرب العبور في 6 أكتوبر 1973.

بعد أن كانت إسرائيل قد احتلت كامل سيناء ووصلت إلى الضفة الشرقية لقناة السويس كما أسلفت، عملت على تحصين خطوط دفاعها على طول القناة، فشكلت ساتراً ترابياً منيعاً عُرف باسم خط بارليف، نسبة إلى حاييم بارليف، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت، وصاحب فكرة إنشاء الخط، الذي اعتبره الاستراتيجيون الإسرائيليون والغربيون السد المنيع الذي لا يمكن اختراقه. غير أنّ الرئيس جمال عبد الناصر الذي آلمه ما حصل في الـ1967، حشد كل الطاقات المعرفية الهندسية والعسكرية بالتعاون والشراكة مع الجيش السوفياتي تحضيراً ليوم العبور وتحرير سيناء وفلسطين. للأسف وافته المنية في أيلول 1970، لكن التحضيرات لم تتوقف مع خلفه أنور السادات وبالتنسيق مع سوريا والعراق. وبعد أن أصبحت كل التحضيرات جاهزة لخوض حرب مشرّفة ضد العدو الإسرائيلي، وفي صبيحة السادس من أكتوبر يوم «عيد الغفران» كان الهجوم العربي المفاجئ للعدو، بتنسيق محكم بين ثلاثة جيوش عربية، مصر، سوريا والعراق. تمكن الجيش المصري من اختراق خط بارليف المنيع والدخول إلى سيناء، كما اجتاز الجيش السوري مدعوماً من الجيش العراقي بحيرة طبريا شمال فلسطين المحتلة ووصل إلى سهل الحولا.

هذا الانتصار العسكري الكبير على جيش العدو دفع بوزير الدفاع الصهيوني موشى ديان للتوجه إلى الإعلام العسكري لإعلان الإستسلام، وبينما هو في الطريق اتصلت به رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير لتطلب منه العزوف عن ذلك والعودة إلى الكابينت، حيث كانت تلقت اتصالاً من الرئيس الأميركي نيكسون، أبلغها أنّ الصفقة قد تمت مع الرئيس السادات. فحصل الدفرسوار، وتحوّل الجيش المصري المُحَاصِر إلى محاصَر.

وهكذا بصفقة قادها السادات مع الأميركي، انقلب الانتصار العسكري في 1973، إلى هزيمة سياسية تُرجمت بزيارة السادات إلى القدس تحضيراً لتوقيع اتفاق كمب ديفيد لاحقاً في العام 1978، الذي أخرج مصر من المجابهة، وأسس لاجتياح إسرائيل للبنان عام ١٩٨٢.

اليوم وبمناسبة العبور الثاني» طوفان الأقصى» هل أن حركات المقاومة الفلسطينية على اختلافها ومعها ومن خلفها الأنظمة العربية ستكون على قدر المسؤولية في توظيف انتصار طوفان الأقصى؟ بغض النظر عن أيديولوجية منفّذها، والتضحيات الجسام التي يتكبدها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية من أجل فرض تسوية سياسية وفق حل الدولتين بعيداً من الشعارات الغوغائية وغير القابلة للصرف. تسوية كما أرى شروطها اليوم متوفرة أكثر من أي وقت مضى، في ظل هزيمة غير مسبوقة للعدو الصهيوني والتي لن يستفق منها بعد عقود، وفي ظل حملة تضامن شعبية عالمية عارمة وغير مسبوقة أيضاً، أم سوف يضيع هذا الانتصار في زواريب التنافس والصراع بين الفصائل، ووقوعها في فخ التجاذب ببن القوى الإقليمية، أو أسيرة رهانات خاطئة لهذا النظام أو ذاك؟

التاريخ لن يرحم من بيدهم القرار على الساحة الفلسطينية وفي مقدمهم حركة حماس بأجنحتها السياسية والعسكرية، وكذلك فصائل منظمة التحرير من دون استثناء. إن توظيف هذا النصر سياسياً اليوم معقود أولاً وقبل كل شيء على وحدة القرار الفلسطيني واستقلاليته.


MISS 3