لين أودونيل

لماذا تطرد باكستان اللاجئين؟

18 تشرين الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

لاجئون أفغان على حدود تورخام الافغانية - الباكستانية / 1 تشرين الثاني 2023

تحوّل اللاجئون الأفغان الذين تركوا بلدهم هرباً من مظاهر الحرب والإرهاب القائمة منذ عقود إلى دمى يحرّكها الآخرون وسط صراع سياسي وحشي وبدائي بين حكومة باكستان وحركة «طالبان» المتطرفة، فقد انهارت العلاقات الثنائية التي كانت وثيقة سابقاً بين الطرفَين بسبب تبادل التُهَم.



في 3 تشرين الأول، أعلنت الحكومة الباكستانية أن موجة ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين، معظمهم من الأفغان، ستبدأ في 1 تشرين الثاني. حتى الآن، تم ترحيل 300 ألف أفغاني على الأقل، ويواجه أكثر من مليون آخرين المصير نفسه في ظل استمرار حملة الطرد.

يبدو أن هذه المعركة الثنائية تتمحور حول دعم كابول للمتطرفين الذين نشروا الفوضى وقتلوا المئات في باكستان في آخر سنتين. إنها الفكرة التي تتمسك بها إسلام أباد على الأقل، فهي مقتنعة بأنها تطبّق قوانينها بكل بساطة. في المقابل، تنكر «طالبان» المزاعم التي تتّهمها بالوقوف وراء توسّع مظاهر الإرهاب في باكستان عن طريق أتباع تحميهم الحركة، وتُدرّبهم، وتسلّحهم، وتُوجّههم.

يعتبر وزير الداخلية الباكستاني في حكومة تصريف الأعمال، سارفراز بوجتي، أن حملة الترحيل الجماعية مؤشر على نزعة باكستان إلى «تنظيم نفسها محلياً»، فهو قال في رسالة نصية: «باكستان هي الدولة الوحيدة التي استضافت أربعة ملايين لاجئ في آخر أربعين سنة ولا تزال تستضيفهم حتى الآن. كل من يريد البقاء في بلدنا يجب أن يبقى بطريقة شرعية. من أصل 300 ألف أفغاني سبق وتعرّضوا للرفض، لا يواجه أيٌّ منهم المشاكل عند عودتهم. وبما أن «طالبان» تزعم الآن أن السلام يسود في أفغانستان، يُفترض أن يساعدوا مواطنيهم على الاستقرار هناك مجدداً. نحن لسنا دولة وحشية، لكنّ الباكستانيين لهم الأولوية».

ارتكبت «طالبان»، منذ عودتها إلى السلطة في آب 2021، عمليات قتل واعتقالات عشوائية وثّقتها الأمم المتحدة، حتى أنها أجبرت النساء والفتيات على ترك عملهنّ والتخلي عن التعليم. لكنها تعتبر عمليات الترحيل من باكستان «غير إنسانية» و»متسرّعة» اليوم. أعلنت شخصيات في «طالبان» أن المساعدات الدولية، التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات ولا يزال البلد يتلقاها حتى الآن، لا تكفي للتعامل مع الأزمات الاقتصادية والإنسانية السابقة، فكيف سيتعاملون إذاً مع التدفق الجماعي المستجد للاجئين الفقراء؟

تأتي موجة الطرد هذه بعد جهود سابقة بذلتها باكستان، منها فرض قيود على التجارة، لزيادة الضغط على كابول وكبح «حركة طالبان باكستان» (الفرع الباكستاني من «طالبان»)، لأن اعتداءاتها ضد الجيش والشرطة تطرح تحديات أمنية خطيرة على الدولة الباكستانية. في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال الباكستاني، أنوار الحق كاكار، أن هجمات «حركة طالبان باكستان» زادت بنسبة 60% منذ أن استرجعت «طالبان» سيطرتها على أفغانستان، تزامناً مع مقتل 2267 شخصاً.

تكمن المفارقة الحقيقية في إقدام باكستان على تمويل «طالبان» على مر تمرّدها الممتد على 20 سنة، بعد إسقاطها من السلطة خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2001. وجد قادة «طالبان» ملاذاً آمناً لهم وتمويلاً كافياً بفضل الجيش وأجهزة الاستخبارات في باكستان. وعندما استرجعت «طالبان» سيطرتها على أفغانستان في العام 2021، هنّأها رئيس الوزراء الباكستاني حينها، عمران خان، مثلما هنّأتها جماعات أخرى مثل «القاعدة» و»حماس». لكن بدل أن تبقى «طالبان» عميلة تابعة لإسلام أباد، قررت عكس الأدوار وراحت توفّر ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية والجهادية، بما في ذلك «حركة طالبان باكستان».

يقول عبدالله الخنجاني، نائب وزير السلام في الحكومة الأفغانية السابقة: «لا يزال الوقت مبكراً على استخلاص أي استنتاجات حول التحولات السياسية الحاصلة في إسلام أباد، لكن يبدو أن الحماسة الأولية التي رافقت عودة «طالبان» إلى السلطة تحولت الآن إلى خيبة أمل. نتيجةً لذلك، يعيد حلفاء «طالبان» التقليديون [الدولة الباكستانية] تقييم نفوذهم بطريقة منهجية استعداداً للتعامل مع أسوأ السيناريوات المحتملة».

منذ عودة «طالبان» إلى السلطة، توجّه حوالى 600 ألف أفغاني إلى باكستان، فتضخّم بذلك عدد اللاجئين الأفغان الموجودين في ذلك البلد وبلغ 3.7 ملايين شخص، علماً أن 1.32 مليون منهم مُسجّل في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة. يواجه عدد كبير منهم أسوأ مظاهر الحرمان، ويعجزون عن إيجاد عمل أو حتى إرسال أولادهم إلى المدارس المحلية. قد يتدهور الوضع بدرجة إضافية بعد حملات الترحيل الأخيرة: تفيد التقارير بأن باكستان بدأت تصادر معظم أموال اللاجئين أثناء مغادرتهم البلد، فتتركهم في حالة من العوز في بلدٍ يجد صعوبة أصلاً في تأمين فرص العمل لشعبه أو يعجز عن معالجة أزماته الإنسانية.

شهدت المعابر الحدودية بين باكستان وأفغانستان زحمة خانقة في الأسابيع الأخيرة، فقد استبق عدد كبير من اللاجئين الأفغان مداهمات الشرطة وبدؤوا يعودون إلى ديارهم. ذكرت وسائل الإعلام أن جزءاً من الأفغان غير الشرعيين وُلِد في باكستان، بعدما هرب أهاليهم من الصراع المتواصل محلياً منذ غزو الاتحاد السوفياتي السابق في العام 1979. لكن لم يُسجَّل عدد من تلك الولادات رسمياً.

في غضون ذلك، يبدو جزء من الجماعات التي يتم ترحيلها معرّضاً لمخاطر كبرى. قد يواجه مئات الأفغان عقوبات قاسية من «طالبان» بعدما تركوا البلد هرباً منها. سبق واستهدفت هذه الحركة الصحفيين، والنساء، والناشطين المدنيين والمنتمين إلى جماعات حقوق الإنسان، والمدافعين عن المثليين، والقضاة، والشرطة، وعناصر سابقين في الجيش والحكومة، وأعضاء من جماعة الهزارة الشيعية، وقد هرب جزء كبير منهم إلى باكستان مع أوراقهم الرسمية أو من دونها.

بُذِلت بعض الجهود لمساعدة الأفغان المعرّضين لتجاوزات «طالبان» في حال عودتهم إلى بلدهم. أنشأ قمر يوسفزاي الاتحاد الدولي للصحفيين الباكستانيين والأفغان في نادي الصحافة الوطني الباكستاني، في إسلام أباد، للتحقق من هويات مئات الصحفيين الأفغان، وإصدار بطاقات هوية لمن يحتاجون إليها، وتقديم المساعدة لتأمين أماكن الإقامة وخدمات الرعاية الصحية. حتى أنه توسّط للصحفيين المعتقلين لدى الشرطة لأنهم لا يحملون أوراقاً رسمية. لكن قد لا تكون هذه التدابير كافية لمنع ترحيلهم.

دعت منظمة العفو الدولية من جهتها إلى «وقف حملات الاعتقال المستمرة، وموجات الترحيل، والمضايقات الواسعة بحق اللاجئين الأفغان»، وإلا «سيُحرَم آلاف الأفغان المعرّضين للخطر، لا سيما النساء والفتيات، من الأمان والتعليم والمعيشة اللائقة». في هذا السياق، ذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة في الأمم المتحدة أن حملات الترحيل القسرية «قد تؤدي إلى انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان، بما في ذلك فصل العائلات وترحيل القاصرين».

أدرك العائدون إلى أفغانستان سريعاً صعوبة المضي قدماً، فقد وصلوا إلى بلدٍ بالكاد يعرفونه، وهو مكان يفتقر إلى الموارد التي تسمح لهم بإعادة بناء حياتهم، ويواجه عدد كبير منهم شتاءً قاسياً في المخيمات التي نشرتها إدارة «طالبان» رغم افتقارها إلى المعدات اللازمة لتجهيزها.

تنحدر فريبا فايزي (29 عاماً) من مدينة «فرح» في جنوب غرب أفغانستان، حيث كانت صحفية تعمل لصالح إذاعة خاصة. كانت والدتها شيرين نائبة عامة في مكتب المدعي العام في محافظة «فرح»، وهي متخصصة بقضايا العنف المنزلي. لكن خسرت المرأتان عملهما بعد عودة «طالبان» إلى السلطة، لأن المرأة لم تعد تستطيع العمل في أفغانستان الجديدة. هما تواجهان أيضاً مخاطر مثل الاعتقال، والضرب، والاغتصاب، والقتل.

تعيش فايزي مع عائلتها المؤلفة من عشرة أفراد (أبوان، أشقاء، زوج، طفل)، وهي الآن حامل في شهرها الثامن وتنتظر طفلها الثاني. انتقلوا جميعاً إلى إسلام أباد في نيسان 2022، على أمل أن يجدوا ما يكفي من الأمان هناك. لكن حين أعلنت الحكومة عن حملة الترحيل، بدأ أصحاب الأملاك الذين عمدوا إلى تأجير المنازل للأفغان بإخلاء الشقق. قال صاحب المكان الذي تقيم فيه فايزي إنه أراد استرجاع المنزل للعيش فيه بنفسه. تقيم عائلتها الآن مع أصدقاء يوسفزاي الذي وفّر لهم أيضاً دعماً خيرياً لتغطية تكاليف معيشتهم طوال ستة أشهر.

في ظل غياب فرص العمل في باكستان وأفغانستان، تقول فايزي إنهم يواجهون وضعاً اقتصادياً متشابهاً على طرفَي الحدود. لكن تستطيع نساء العائلة في باكستان البحث عن عمل على الأقل. هم يفضّلون البقاء في باكستان إذا تسنى لهم الاختيار. لكنهم يتابعون الاختباء حتى الآن، ويخشون أن تعتقلهم الشرطة ويضطروا لقطع الحدود بعد انتهاء صلاحية تأشيراتهم.


MISS 3