طوني فرنسيس

الجمهورية وجيشها

18 تشرين الثاني 2023

02 : 00

كان تعيين العماد جان قهوجي قائداً للجيش في آب 2008 إيذاناً بانتقال القرار السياسي من يد التحالف السوري الحاكم في لبنان إلى يد التحالف الإيراني الذي ورثه دوراً وأرجحية.

قبل ذلك التاريخ كان الحاكم السوري يتولى التعيينات الكبرى وأحياناً الأصغر قيمةً. منذ 1992 وحتى رحيل القوات السورية إثر اغتيال رفيق الحريري، عمل الحاكم السوري على إعادة تركيب السلطة اللبنانية بما يلائمه. ملأ الشواغر النيابية وزاد عدد المقاعد، ثم نظّم انتخابات عامة (وكان الجنوب تحت الاحتلال!) وجاء برئيس الجمهورية الذي رآه مناسباً وعيّن اميل لحود قائداً للمؤسسة العسكرية بقرار من حكومة مرّ أعضاؤها فرداً فرداً تقريباً على شاشة امتحان الولاء. إستمر نمط الحكم هذا إلى منتصف العقد الأول من القرن الجديد وكان يمكنه أن يتواصل ويتجدد إلى الأبد عملاً بشعار «قائدنا إلى الأبد» لولا جريمة اغتيال الحريري وحملة القتل التي أعقبته. منذ تلك اللحظة انتقل ميزان القوى، وبسرعة، إلى مصلحة «التحالف الايراني». صحيح أنّ ما كان يسمى بقوى 14 آذار كانت تمسك بالاكثرية النيابية والشعبية، لكنها سرعان ما تشرذمت مع التحاق «التيار العوني» بـ» التحالف» الوريث. صارت تلك القوى الحاكمة رسمياً تتصرف وكأنها معارضة والمعارضة تتصرف وكأنها السلطة. ومنذ انقلاب أيار 2008 باتت السلطة في يد تلك المعارضة، عملاً باتفاق الدوحة وثلثه المعطل، والأعطال البنيوية التي ادخلها على آليات الحكم. إنتقل القرار في تشكيل الحكومات والتعيينات الكبرى وصولاً إلى اختيار رئيس الجمهورية، إلى التحالف الجديد. صار «حزب الله» هو صاحب الرأي الأخير. حلفاؤه قد يقترحون، أو يحرنون، لكن امتحان الولاء وفروضه يتم بإشرافه وعملاً بحاجاته.

لم يكن اختيار قهوجي بعيداً عن هذه الآلية. بعده جاء اختيار رئيس الجمهورية إثر فراغ استمر عامين ونصف العام تكريساً للوقائع الجديدة. أما عن أساليب اختيار رؤساء الحكومات والوزراء، تعطيلاً وتفضيلاً، وعن صياغة بياناتهم الحكومية، وإدخال التعابير الملائمة... فحدّث ولا حرج.

اليوم يكثر الحديث عن اقتراب الشغور في قيادة الجيش، ويختلف الساسة حول تمديد وتجديد وتعيين. لكن هؤلاء جميعاً يعرفون أنّ المشكلة أكبر من موقع القيادة العسكرية. فنحن بلد بلا رئيس، ومؤسسات بلا رؤوس، والجيش واحدة من تلك المؤسسات، والتعيين والانتخاب سلةّ واحدة تنتظر قرار النافذ في البلد. ورثة الحاكم السوري سيواصلون دوره. مع فارق أساسي: السوري كان أجنبياً يدير بلداً محتلاً بأدوات يراعي فيها التوازن الشكلي، أما الورثة فيدمجون بين مصالحهم كطرف محلي والتزاماتهم الإقليمية التي ستقفز إلى المرتبة الأولى عند حاجة القائد الأعلى. وفي هذا الإطار الأشمل والأضيق يصبح مفهوماً معنى الجدل حول من سيتولى القيادة في الجمهورية وفي جيشها... وكيف سيمارس هذه القيادة.


MISS 3