كأنه لم يكن ينقص الناس في زمن الحرب والأزمة الاقتصادية، إلا أن يغرقوا في مياه الأمطار، إذ تحولت طرقات منطقة النبطية، من أنصار إلى الدوير وحاروف وكفررمان والنبطية وغيرها بحيرات، أغرقت السيارات وطافت المياه إلى داخل المنازل والمتاجر والمحال الصناعية.
فضح الشتاء إهمال البلديات واتحاد بلديات الشقيف، بعدما غضّت الطرف عن تنظيف القنوات ومجاري الأمطار، بذرائع شحّ الموارد المالية، علماً أنّ الإيرادات التي تدخل صناديق البلديات هذه الفترة تعادل ثلاث وأربع مرّات الإيرادات التي كانت قبل الأزمة، غير أنّ الخلافات الداخلية عطّلت الأعمال والخدمات البلدية.
لم يجد مازن وهو موزّع خبز كلمة يقولها عن حجم الخسائر التي مني بها، غرقت سيارة «الرابيد» التي يقودها، ما أدى إلى تلف الخبز الذي كان فيها، صرخ بأعلى صوته «أين البلديات في أنصار والدوير وحاروف، تقدّر خسارتي بحوالى 20 مليوناً، من يعوضني؟ منذ الخامسة فجراً وأنا عالق، ولم تتحرك فرق أشغال البلديات، شو ذنبنا ندفع ثمن فشل السلطات المحلية».
الخسائر بالجملة، بضائع تلفت، اجتاحت المياه القسم السفلي في سوبرماركت في كفرّرمان، وطافت البضائع على المياه التي وصل منسوبها إلى متر تقريباً، والحال نفسه في مستودع للأدوات الكهربائية، الذي تحول مسبحاً، إذ وصل مستوى المياه إلى 3 أمتار، وقد اجتاحته المياه للمرة الثانية، ومع ذلك لم تعمل البلدية على معالجة المشكلة التي تكمن في القنوات التي تفيض مع كل «شتوة». في المرة الأولى وصلت خسائره إلى أكثر من 10 آلاف دولار، واليوم تبدو الخسائر جسيمة.
يقول يوسف: «اخترب بيتنا، خافوا الله يا بلدية الكفور، المياه أغرقت منزلنا». منذ ساعات الصباح الأولى يعمل هو وعائلته على سحب المياه من دون جدوى، فالمياه فاضت من قنوات المياه المقفلة، بسبب عدم تنظيفها من قبل البلديات.
تأخّر تحرك فرق البلديات لفتح المجاري، أكثر من ست ساعات مرّت حتى تحركت وبشكل خجول. كانت كاميليا تعمل على فتح إحدى القنوات علّها تقلّص منسوب المياه داخل محلها الواقع عند مرج حاروف، متسائلةً عن دور البلديات والإتحاد في إدارة الأزمة. رفع التجّار وأصحاب المحال في مرج حاروف الصوت عالياً مرّات عدّة لمعالجة المشكلة، لكن «لا حياة لمن تنادي». ولفتت كاميليا إلى سقوط أحد أعمدة الكهرباء وملامسة الأشرطة المياه ما يُهدّد السلامة العامة.يرى الباحث في مجال التنمية الإجتماعية والاقتصادية الدكتور رامي علّو أنّ أسباب غرق الطرقات «تعود إلى مسارب المياه. فهي إما غير فعّالة، وإما سوء التخطيط من دون أن يغفل تخاذل البلديات عن القيام بواجباتها، إضافة إلى تكدّس النفايات في الشوارع والساحات من أكياس النايلون وأكواب القهوة، وقناني المياه البلاستيكية، وكل ما يصل الى يد عامل في محل ميكانيك أو ملحمة أو ميني ماركت. جميعهم ساهموا في إقفال المجاري». وأشار إلى أنّ خسائر المواطنين في منطقة النبطية كانت كبيرة، وفي معدّل زمني قصير نسبة لتساقط المياه التي كانت غزيرة جدّاً».
وشدّد على أنّ «الأزمة تربوية وأخلاقية في الدرجة الأولى، من حيث مسؤولية المواطن، وضعف عمل البلديات والتلكؤ عن مهامها قبيل موسم الشتاء». في الخلاصة، فضحت «الشتوة الأولى» هشاشة جهوز البلديات والدولة لمواجهة أدنى العوامل الطبيعية، فكيف بالأحرى تجاه الكوارث والحروب؟