جوزيف حبيب

"الطوفان" يُغرِق نتنياهو ويُعوّم غانتس

20 تشرين الثاني 2023

02 : 00

خلال قصف إسرائيلي على قطاع غزة أمس (أ ف ب)

حلّت عملية «طوفان الأقصى» لعنة على حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الإئتلافية، القومية والدينية، منذ السابع من تشرين الأول الماضي حين تهشّمت «هيبتها» بمشاهد انفلاش مقاتلين فلسطينيين في «غلاف غزة»، حيث «تصيّدوا» لساعات الإسرائيليين، مدنيين وعسكريين، معرّين المنظومة الأمنية المولجة حماية «الكيبوتسات» والمناطق المحيطة بـ»الغلاف»، الذي تمزّقت معه صورة نتنياهو كضابط سابق في وحدة للقوات الخاصة، وكقائد سياسي حريص على أمن الشعب اليهودي، بينما سطع في المقابل نجم المُعارض بيني غانتس الذي دخل «حكومة الحرب» بلا حقيبة بهدف توحيد صفوف البلاد المنقسمة والمشاركة في عملية «صنع القرار» في مرحلة مصيرية.

صحيح أن نتنياهو، المُلاحق بثلاث قضايا فساد، هو «ثعلب سياسي» محنّك استطاع إمرار مراحل عصيبة في مسيرته السياسية الحافلة بالمطبّات والمشقّات، إلّا أنّ وجوده على رأس حكومة فشلت فشلاً ذريعاً، سياسيّاً وأمنيّاً واستخباراتيّاً وعسكريّاً، في الحؤول دون عملية بحجم «طوفان الأقصى» واحباطها في مهدها، جعل مصيره السياسي في مهبّ رياح الحرب والتحقيقات المُزمع اطلاقها في نهايتها، والتي قد تقضي على مستقبله السياسي، بل قد تضعه خلف القضبان إذا ما تبيّن أنّه يتحمّل مسؤولية مباشرة عن الإخفاق الأمني، وهو الذي رفض الاعتراف بمسؤوليّته رغم كونه رئيساً للحكومة، وغَرِقَ في تخبّطه بتوزيع الاتهامات وإصدار التوضيحات ونشر الاعتذارات.

بدأت استطلاعات الرأي تُعاكس نتنياهو منذ سيره في «درب جلجلة» الإصلاحات القضائية، التي أقرّت حكومته بعض بنودها في الكنيست، ما فجّر موجة غضب عارمة لم تشهد الدولة العبرية مثيلاً لها في تاريخها، فكان كلّ يوم سبت موعداً ثابتاً مع تظاهرة حاشدة ضدّ التعديلات التي تعتبرها المُعارضة تمسّ بأُسس الديموقراطية وجوهرها. ثمّ أتى يوم السابع من تشرين الأول ليحلّ كارثة على شعبية نتنياهو المتراجعة أصلاً، لتتدهور أرقام التأييد الشعبي له إلى مستويات سحيقة لم تُصعق بها «سيرته الذاتية» من قبل، فيما ارتفعت شعبية غانتس و»صعدت» به إلى مرتبة «أفضل» شخصية لتولّي موقع رئاسة الحكومة وقيادة إسرائيل.

دفع غانتس سابقاً ثمن مشاركته في حكومة وحدة طارئة لمواجهة جائحة «كوفيد» مع زعيم «الليكود»، التي لم تدم طويلاً وسقطت قبل أن يتمكّن غانتس من الجلوس على مقعد رئيس الوزراء في اتفاق تقاسم السلطة المعقود آنذاك، فتراجعت شعبيّته وتقلّصت كتلة حزبه «أزرق أبيض» الوسطي البرلمانية داخل الكنيست في الانتخابات اللاحقة، وبرز حزب «هناك مستقبل» الوسطي أيضاً برئاسة زعيم المُعارضة يائير لابيد الذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، تطبيقاً للاتفاق المُبرم مع حليف نتنياهو السابق الزعيم اليميني المتشدّد نفتالي بينيت الذي سبقه إلى تولّي المنصب قبل تسليمه إيّاه.

لكنّ اسراع «الجنرال» غانتس إلى تلقّف الفرصة المؤاتية في «مرحلة تاريخية» دقيقة، ودخوله عضواً في المجلس الوزاري الحربي، أظهره أمام الرأي العام في موقع «رجل الدولة» الذي وضع خلافاته الحزبية جانباً من أجل مصلحة البلاد العليا، خلافاً للابيد و»موقفه المبدئي». حتّى أنّ غانتس ذهب إلى حدّ تحمّله جزءاً من المسؤولية عن هجوم «حماس» المُباغت على «غلاف غزة»، إذ قال وزير الدفاع السابق: «كلّ من شارك في قيادة إسرائيل بأي صفة، لا يُمكن إعفاء نفسه من المسؤولية، أنا في مناصب أمنية منذ أكثر من 20 عاماً، وأنا لا أُعفي نفسي من المسؤولية».

على الرغم من الخصومة السابقة والتباينات القائمة معه، يرفض غانتس اطاحة نتنياهو في زمن الحرب، الأمر الذي يدعو إليه لابيد المتمسّك برفضه الإنضمام إلى «حكومة الحرب» بشكلها الحالي، كما فعل حليفه غانتس. كلّ هذه الخطوات والمواقف عزّزت شعبية غانتس ورسّخت زعامته أمام حلفائه وغرمائه على حدّ سواء. أضحى الجنرال السابق الرجل الأقوى في الدولة العبرية بلا منازع، فهل يغدو رئيساً للوزراء في المستقبل القريب؟ وماذا عن مصير نتنياهو؟ هل ينجح كعادته في الوثب فوق الحواجز، أم أن تداعيات «الطوفان» حتّمت «تصفيته السياسية»؟


MISS 3