طوني أبي نجم

محسن ابراهيم ليس جورج حاوي!

6 حزيران 2020

02 : 00

بعد رحيل محسن ابراهيم وقراءة "الأطروحات الصحافية" في رِثائه، ظننت للوهلة الأولى أن أدولف هتلر، انتصر في الحرب العالمية الثانية وحكم أوروبا بالتعاون مع بينيتو موسوليني، أو ربّما أن الولايات المتحدة سقطت في ختام الحرب الباردة لمصلحة الإتحاد السوفياتي الذي بات القوة العظمى الأولى ويحكم العالم!

يبدو أن في لبنان من يُصرّ على عدم الإتّعاظ من الماضي ودروس التاريخ، لا بل يُصرّ في أحيان كثيرة، على محاولة تزوير التاريخ، بوقائعه وبخلاصاته!

ثمّة مُغالطات كثيرة يقع فيها أركان "الحركة الوطنية" سابقاً في لبنان، إذ تختلط عليهم الأمور بين الحنين إلى زمن سقط وانتهى، وبين استمرار عدد كبير منهم في موقع لا يُشبه "تنظيراتهم" اليسارية، تماماً كواقع أن يكون الحزب الشيوعي في لبنان حليف "حزب الله"، على سبيل المثال لا الحصر.

لا بُد ّمن الإقرار للأمين العام السابق لمؤسسة العمل الشيوعي، وأحد أبرز مؤسسيها، أنه اعترف بأن الحركة الوطنية إرتكبت خطأين: استسهلت الحرب الأهلية معبراً لتغيير بنية النظام الطائفي، وأباحت لبنان للمقاومة الفلسطينية، ما حمّله فوق طاقته وأدّى إلى انقسامه وتفتّته وتدميره.

لكن هل يكفي هذا الإعتراف المُتأخّر لإعلان "طوباوية" محسن ابراهيم؟ بالتأكيد كلا. محسن ابراهيم ليس جورج حاوي. لا تجوز أي مقارنة بين النقد الذي أجراه الشهيد جورج حاوي، وبين النقد الذي أجراه رفيقه محسن ابراهيم. جورج حاوي تجاوز كل الخنادق والمتاريس فعلياً وليس نظرياً. توجّه بسيارته إلى غدراس، وأجرى نقاشات معمّقة مع قائد "القوات اللبنانية"، مُسقطاً جبهات الماضي لمصلحة جبهة موحّدة مناضلة، في سبيل استقلال لبنان وسيادته وحريته وقيام دولته بسلاحها الشرعي الحصري، وعلى هذه الجبهة وفي معركة السيادة هذه، سقط جورج حاوي شهيداً!

محسن ابراهيم الذي قاتل مع الفلسطيني ضدّ اللبنانيين، والذي اعتبر نفسه فلسطينياً وناصرياً وجزائرياً، لم يخُض أي معركة كلبناني سيادي!

لا، محسن ابراهيم لم ولن يكون "قديساً" بالتصنيف اللبناني. ما يُفرّقني عنه أكثر بكثير ممّا يجمعني به. هو حمل السلاح ضدّ اللبنانيين وضدّ لبنان، خدمة لقضايا خارجية، ولم يخُض "معمودية التوبة" ولو في معركة سياسية وحيدة تحت راية العلم اللبناني والقضايا اللبنانية.

بالمناسبة، لا يظنّن أحد أنه يمكن ببعض التجييش الإعلامي أن يتوهّم أنه يستطيع تغيير تاريخ لبنان ووقائع حوادثه وحربه. لن يستطيع أحد أن يُزوّر الحقائق تحت جنح سراب "انتصارات" لمحور ما. المحور الذي انتمى إليه محسن ابراهيم دمّر لبنان الدولة والمؤسسات والحريات والاقتصاد والمال والسياحة، ولم يُقدّم أي بديل، كما أنه لم يُحقّق أي انتصار في أي قضية، بدءاً من القضية الفلسطينية.

حذارِ من إعادة إجراء قراءة مُشوّهة لتاريخ الحرب في لبنان، لأن أي محاولة من هذا النوع ستُعيد تأجيج احتقانات غير مُفيدة في هذه المرحلة الخطرة. أكثر ما نحتاجه في هذه المرحلة هم العروبيون على طريقة الشهيدين جورج حاوي وسمير قصير، أو على طريقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة، وليس على الإطلاق إعادة نبش ذكريات "الحركة الوطنية" التي تآمرت على لبنان، مرّة لخِدمة ياسر عرفات، ومرّة ثانية خِدمة لحافظ الأسد ونجله من بعده، وثمّة من منها لا يزال حتى اليوم يُصرّ على أن يضع نفسه في خدمة "حزب الله" والمشروع الإيراني في المنطقة... فهل من يتّعظ؟!