رفيق خوري

خياران في مواجهة قانون "قيصر"

6 حزيران 2020

02 : 00

لبنان محكوم بـ"ثنائية" فوق كل الثنائيات الطائفية: منظومة أمنية - عسكرية خارج الشرعية وممسكة بها من الداخل، مرتبطة بمشروع اقليمي في مواجهة الغرب والعرب. وتركيبة سياسية - مالية مرتكبة، مرتبكة ومتغطرسة في آن. مرتكبة جريمة إفلاس البلد، ومرتبكة امام الأزمات التي صنعتها، ومتغطرسة على الناس. والآن يزداد التحدي والارتباك في مواجهة قانون "قيصر". فمن السهل الذهاب في الخطاب الى الحد الاقصى في ادانة السياسة الاميركية. لكن من الصعب الهرب من تحديات قانون يخوّل ادارة الرئيس دونالد ترامب فرض عقوبات قاسية، على كل من يتعامل مع النظام السوري أو يدعمه بأي شكل.

ذلك انه ليس في لبنان شيء لا علاقة له بسوريا و"حزب الله". وقانون "قيصر" فتح جبهة خطيرة في حرب لا مجال للرد العملي عليها في البلدان المتوسطة الصغيرة. والكل يعرف ما في تجارب الرد على العقوبات الاميركية او الالتفاف عليها او التكيف معها من مشقة. فالقادر على التكيف في ضيق مالي واقتصادي، والعاجز عن التكيف في ورطة كبيرة. فما العمل بعدما خسرنا الهامش الفاصل، ولو نظرياً، بين الشرعية اللبنانية و"حزب الله"؟ وما هو البديل من التشاطر المكشوف في الجمع بين التفاهم مع اميركا والتماهي مع "حزب الله" والذي كانت واشنطن تشاركنا فيه وتعمل على تغطيته؟

الخيار دقيق ومحدد في اتجاهين لا ثالث لهما، هو الاتجاه الذي سبق قانون "قيصر". الاول هو التحدي: الاعتراف رسمياً بالواقع، وهو ان الدولة و"حزب الله" واحد. وعلى اميركا معاقبة لبنان كله. وعلينا ترك الغرب والتوجه نحو "الشرق"، كما يدعو السيد حسن نصرالله. فالعقوبات لن تقتلنا، وفي مواجهتها والبحث عن البدائل نكتسب مناعة ضدها على طريقة "مناعة القطيع" في مواجهة وباء كورونا. والاتجاه الثاني هو التوقف الجدي امام خطورة الازمات التي نحن فيها ومخاطر زيادتها، عبر اغلاق باب العرب والغرب والاصطدام بالحقائق في التوجه نحو الشرق: فصل سياسة لبنان عن حسابات "حزب الله"، وتأليف حكومة قادرة بالفعل على اخراج لبنان من أزماته بمساعدة الاصدقاء، لبدء مرحلة النهوض الوطني والسياسي والاقتصادي.

ولا شيء يوحي ان "الثنائية" المتحكمة قادرة على اتخاذ خيار واضح. فهي بالخيار والاضطرار، أسيرة الصراع الجيوسياسي في المنطقة. وليس قانون "قيصر" سوى نقلة اضافية على رقعة الشطرنج في الصراع. وأخطر ما في الصراع بالنسبة الى لبنان هو ان يفقد الوطن الصغير جوهر وجوده في منطقة لا ترحم.