طوني فرنسيس

فرصة للعودة إلى الحلّ... ومعسكر الدولة

25 تشرين الثاني 2023

02 : 00

بدأت الهدنة في غزة فسَرَت على الجنوب اللبناني. لم يكن الطرف اللبناني شريكاً في التفاوض عليها، بل مجرّد متطوّع في القتال، لكن نتائج الهدنة جاءت متشابهة في البقعتين: جنوب فلسطين وجنوب لبنان.

في غزة حرص الفلسطينيون المهجّرون تحت القصف والقتل من الشمال إلى الجنوب على محاولة العودة شمالاً لتفقّد ما تبقّى من منازلهم ومصادر رزقهم وأفراد عائلاتهم، وفي لبنان عودة معاكسة من الشمال إلى الجنوب. آلاف العائلات التي اضطرّت لمغادرة قراها ومنازلها وأراضيها وأرزاقها انطلقت إلى القرى آملةً في هدوء مستدام، أو على الأقل في فرصةٍ لقطاف موسم الزيتون، وتفقّد المنازل وما لحق بها من أضرار والقيام بواجبات العزاء في أكثر من مئة مواطن قضوا في المعركة التضامنية مع فلسطينيي غزة والضفة والقدس.

في المكانين، غزة والجنوب اللبناني، يطمح المواطنون إلى أكثر من هدنة. إلى سلام لا بديل منه.

هدنة الأيام الأربعة يفترض أن تكون فرصة للجهود الدولية والعربية من أجل التأسيس لمنطق آخر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. منطق يضع الحلول السياسية على الطاولة بدلاً من الصراعات المسلّحة التدميرية التي يدفع الفلسطينيون أثمانها في الدّرجة الأولى. ويحتاج سلوك طريق هذه الحلول ترجمة للإرادة التي عبّر عنها الرئيس الأميركي جو بايدن في مقاله عن ضرورة قيام الدولتين، ويلتقي معه في ذلك قادة كثيرون في العالم. كما يحتاج إلى توحيد للرؤية الفلسطينية بين سلطة محاصرة و»حماس» مهدور دمها، وإلى تغييرٍ في قمة السلطة الإسرائيلية نفسها، وهذا ما يتحدّث عنه إسرائيليون كثيرون.

هذا التغيير بات على جدول الأعمال في إسرائيل. صحيفة «معاريف» نشرت بعد إقرار الهدنة نتائج استطلاع للرأي تقول إن حزب «معسكر الدولة» الذي يقوده الوزير الحالي بيني غانتس يحظى بأكبر نسبة من الثقة، وإنه إذا أجريت انتخابات هذه الأيام سيفوز حزب غانتس بعدد قياسي من المقاعد، ولن يتمكن حزب «الصهيونية الدينية» الذي يترأسه المتطرّف وزير المالية سموتريتش من دخول الكنيست!

استطلاعات كهذه ستثير غضب بنيامين نتنياهو ومتطرّفيه وقد تدفعهم، حفاظاً على سلطتهم، إلى مغامرات جديدة، في فلسطين وضد لبنان، ما إن تنتهي الهدنة الحالية.

وفي ما يخص لبنان تقتضي تجربة القتال والهدنة التفكير الهادئ بجدوى جرّ البلد إلى حرب مدمّرة يرى صورتها أمامه في مدن القطاع. الهدنة توفّر وقتاً للتبصّر وتحديد الأولويات. والخيارات ليست كثيرة في هذا المجال، وربما تنحصر بخيار وحيد: العودة إلى «معسكر الدولة « وترميم ما خسرته في معارك الحسابات الشخصية والإقليمية.


MISS 3