طوني فرنسيس

لودريان ما بعد غزة

28 تشرين الثاني 2023

02 : 00

عندما يصل المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان ستكون اتّضحت مصائر الهدنة في غزة وما إذا كانت ستكسب أياماً أخرى فيكسب المزيد من الأسرى الفلسطينيين حريتهم وتطلق «حماس» مقابلهم من اقتادتهم من «الغلاف»، أو أنّ هذه الهدنة ستنتهي تحت ضغط حاجة حكومة نتنياهو إلى نصر ما في نقاط برنامجها الحربي، وأوّلها القضاء على المنظّمة العدوّة والسيطرة على القطاع.

في الحالتين، زادت العقد التي واجهت مهمة لودريان في زياراته السابقة عقداً جديدة. كانت التعقيدات خلال جولاته «الرئاسية» السابقة تتّصل بـ»انحياز» حكومته إلى خيار «حزب الله» الرئاسي، وإلى تشبّث «الحزب» بهذا الخيار. وعندما مالت باريس إلى احتمال المرشح الثالث، أو بدا منها ذلك، بقيت مشكلتها مع «حزب الله» وحلفائه على حالها. في الصيغتين إنّ «الحزب» لن يتنازل عن رغبته في الإمساك في الرئاسة الأولى.

الآن يأتي لودريان ليتباحث مع طرفٍ محارب في حرب غزة. لم يعد «حزب الله»، كما كان قبل 7 تشرين، مشروع حرب محتملة، وإنما فتح حرباً بتوقيته وقراره من لبنان (الذي ينتظر ولادة رئيس له) ضد العدوّ الصهيوني، وفي هذه الحرب المتدحرجة لا تعود مواصفات «الحزب» لرئيس ما قبل غزة كافية لرئيس ما بعد الجبهة المفتوحة. كانت المواصفات المطلوبة أن يكون الرئيس العتيد صديقاً لـ»حزب الله» و»لا يطعن المقاومة في الظهر». الآن، ستتطوّر هذه المواصفات ليصبح من شروط الرضى عن الرئيس الجديد أن يتبنّى صراحة فتح الجبهة الجنوبية، ويواجه قوات الأمم المتحدة وبقية اللبنانيين المعارضين، ويرفع علم المحور المقاوم ويستضيف غرفة عمليات الممانعة في القصر الرئاسي.

ليس في هذه التوقّعات ما هو غريب أو استثنائي، والحديث عنها بدأ يتصاعد في تحليلات المقرّبين والعارفين، وهي كلّها تصبّ في عنوان أنّ لبنان قبل غزة لن يكون هو ذاته ما بعد غزة، والمقصود بذلك أنّ محاولة السيطرة على مفاصله ستكون قد اكتملت.

سيواجه لودريان من موقع سياسي ضعيف هذه المعطيات الجديدة، ففرنسا قبل غزة عانت مصاعب في أفريقيا، وفي شأن غزة ظهر رئيسها ماكرون في قمة الارتباك والتناقض، ولا ينتظر أن يحمل معه إلى بيروت غير التمنّيات الطيبة، وليس بالتأكيد مبادرات تسوية تحتاج أظافر من قوة ومال لإنجازها.

مع ذلك، ستكون زيارته فرصة لسماع الآراء الخافتة والمرتفعة، التي ضاعت أو التي لم تعد تُسمع في خضمّ الحرب التدميرية المميتة. ولدى سماع هذه الآراء التي تمثل غالبية ترفض الحرب وتتضامن في العمق مع الشعب الفلسطيني وسعيه إلى استرداد حقوقه، فإنّ المهمّة ستكون حقّقت بعض أهدافها، بانتظار اللحظة التي يقتنع فيها أصحاب الشروط القصوى التي تمنع انتخاب الرئيس بالنزول عن الشجرة. وهذا لا يبدو وارداً في المدى المنظور.


MISS 3