جاد حداد

Pain Hustlers... الملل سيّد الموقف

من الأسهل تقييم فيلم Pain Hustlers (تجار الألم) للمخرج ديفيد يتس لو كان ممتازاً أو مريعاً، لكن يشكّل هذا العمل المليء بالنجوم سرداً مملّاً لقصة «ليزا دريك» (إيميلي بلانت)، وهي أم عازبة وقوية الإرادة تؤدي تكتيكاتها التسويقية إلى نشر وباء بين الناس.

يبدأ الفيلم على شكل وثائقي باللون الأبيض والأسود، فيشرح «بيت برينر» (كريس إيفانز) صدمته وخيبة أمله حين عَلِم أن «ليزا» قادرة على خيانته. في المقابل، تظهر «ليزا» كامرأة غامضة في البداية. هي أمّ غريبة شاركت في إسقاط إمبراطوية كاملة. لكن عندما ينتقل المخرج من أسلوب الوثائقي إلى عرض قصة شبه خيالية، سنشاهد «ليزا» وهي تعيش في قبو منزل شقيقتها مع والدتها (كاثرين أوهارا). هي تصطحب ابنتها المتمرّدة «فيبي» (كلويه كولمان) إلى المدرسة نهاراً وتعمل كراقصة تعرٍّ في ملهى ليلاً.

يتمحور سيناريو ويلز تاور الثقيل حول اليأس الذي تشعر به «ليزا»: هي لا تُطرَد مع ابنتها من مرآب شقيقتها فحسب، بل تعاني «فيبي» أيضاً من نوبات مَرَضية بسبب حالة صحية مميتة. تنتقل الأم وابنتها إلى فندق رخيص توحي بيئته الصاخبة بمواجهة مشاكل مستقبلية أخرى. تحتاج «ليزا» إلى استراحة عاجلة. تتزامن هذه الفترة مع حضور «بيت» إلى الملهى الذي تعمل فيه، فيبدآن بالتكلم. هو يُعجَب بعنادها، وهي تعتبره زبوناً سهلاً. ثم يعرض عليها «بيت» عملاً آخر ويَعِدها بجني مبالغ طائلة قبل نهاية السنة. يعمل «بيت» لصالح شركة أدوية مبتدئة أسّسها «جاك نيل» (أندي غارسيا)، حيث يباع دواء «فينتانيل» الذي يُفترض ألا يسبّب الإدمان بل يعطي مفعولاً أفضل وأسرع من مسكّنات الألم الاعتيادية التي يأخذها مرضى السرطان. لم يبدأ تسويق الدواء لمجرّد أن السوق التنافسية التي تشمل شركات أدوية أخرى تمنع الأطباء من وصف دواء الشركة. مع ذلك، تعتبر «ليزا» أخذ عمولة أفضل من لا شيء.

قد تكون بلانت السبب الوحيد لمشاهدة الفيلم، فهي تقدّم أداءً متقناً لكنّ غياب القرارات المبتكرة يُضعِف حضورها، لا سيّما استعمال أُطُر تصوير غير مناسبة وتعليقات صوتية غير مبرّرة. على مستوى الشخصية التي تقدّمها، تبدو «ليزا» مبسّطة أكثر من اللزوم. هي تستعمل شجاعتها وحنكتها لإقناع طبيب بوصف دواء «فينتانيل». بعد إقناع الطبيب، يبدأ «بيتر» و»ليزا» بدفع المال لأطباء آخرين كي يبدأوا بوصف الدواء أيضاً. سرعان ما تحقّق الشركة نمواً سريعاً، وتنتقل «ليزا» من الفندق الرخيص إلى شقة فاخرة خلال ستة أشهر وتبدأ «فيبي» بالذهاب إلى مدرسة إعدادية مكلفة. تزدهر الأعمال في هذه المرحلة لدرجة أن تشتري «ليزا» سيارة جديدة لوالدتها، حتى أنها توظّفها في الشركة المبتدئة أيضاً. تنجح «ليزا» بسبب تفانيها في العمل، فهي تظنّ أنها تساعد الناس المتألمين فعلاً وتربط معاناتهم بنوبات ابنتها. تدرك بلانت هذا الجانب من الشخصية، فتعكسه بطريقة ضمنية وسلسة.

باستثناء بلانت، يكتفي جميع الممثلين بتقديم المطلوب منهم، من دون أي إضافات مميزة. يهدر صانعو العمل موهبة إيفانز في هذا الفيلم، فتتراجع العواطف التي يُعبّر عنها أو الحوارات المؤثرة التي يتفوّه بها. أما دور غارسيا، فهو زائد وغير أساسي، بينما تبدو أوهارا عالقة في موقف سيّئ تعجز عن الخروج منه. بعبارة أخرى، يفتقر هذا الطاقم التمثيلي كلّه إلى الحيوية والكيمياء في معظم المشاهد.

على صعيد آخر، تفشل المؤثرات البصرية والأدوات الصوتية في ترك الأثر المنشود. يحاول المخرج تقديم مجموعة مربكة من اللقطات المُمَنتجة لعرض حفلات صاخبة وتسليط الضوء على أعلى درجات الجشع والتبذير، لكن لا تعطي هذه المشاهد النتيجة المرجوّة. كان المخرج الشهير مارتن سكورسيزي قد قدّم أداءً أفضل بكثير في هذا المجال، فنجح في إضفاء أجواء جاذبة وعالية الدقة على العناصر السامة التي تطبع أي بيئة جنونية من هذا النوع. في المقابل، تبدو التقنيات نفسها ومشاهد الرأسماليين المتعصبين والمتعطشين لجمع المال بأي ثمن مصطنعة بيد المخرج ديفيد يتس بدل أن تكون حيوية ومستهدفة.

أخيراً، يبرع الفيلم في تقديم أفضل معاني الصدق. عندما تشاهد «ليزا» عدداً من أصدقائها السابقين وهم يصبحون مدمنين بسبب الدواء الذي تروّج له، أو يتكلم بعض الأشخاص عن أحبّاء خسروهم بسبب تناولهم جرعة زائدة من ذلك الدواء، ينجح الفيلم في إيجاد نفسه وكسب التعاطف الذي يصبو إليه. لكن يبقى هذا النوع من المشاهد ضئيلاً للأسف، إذ يبدو المخرج في معظم الأوقات عالقاً بين انتقاد قلة إنسانية تلك الشركة المبتدئة واستعراض مقتنياتها الفاخرة.