أكثر ما بدا واضحاً في جولة المشاورات التي قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، قياساً إلى زياراته السابقة، هو استهجانه الأقرب إلى الانزعاج، من أنّ هناك في لبنان من يحول دون التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون في هذه الظروف الخطيرة التي يمرّ فيها لبنان حيث هو في حالة أقرب إلى الحرب ويواجه مخاطر واحتمالات قابلة لهزّ استقراره من خلال حدوده الجنوبية بفعل الوضع المتفجّر في غزة وانعكاساته على لبنان.
العديد من محاوري لودريان خرجوا بانطباع حاسم بأن التمديد لقائد الجيش هو خيار دولي إقليمي بلا مواربة. فهم من التقوا لودريان أنه يركز على مسألة تفادي الفراغ في قيادة الجيش، كمسألة ملحّة لا بد للفرقاء اللبنانيين من التعامل معها، في ظل استمرار الفراغ في الرئاسة اللبنانية، على الرغم من أنّ مهمته الرئيسية التي ما زال يشدّد عليها هي إنهاء الشغور في المنصب الأول في الجمهورية. فانتخاب الرئيس هو الحلّ لكلّ المشاكل التي تعاني منها المؤسسات كافة، وهو المدخل الرئيسي لمعالجة سائر مظاهر التأزّم في البلد.
مع أنّ لودريان لم يحدّد أي فريق يحول دون التمديد للعماد عون في القيادة، لكنّ بعض من استقبله فهم منه أن هناك فريقاً واحداً ما زال يعارض هذه الخطوة، وهو رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وأن سائر الفرقاء مع هذا الخيار، وأنّه تبلّغ منهم قاطبة أن «لا مانع لديهم» في ذلك، مشيراً إلى لقائه مع قيادة «حزب الله» في هذا السياق، ما أوحى بأن عدم الممانعة تشمل «الحزب». تلتقي هذه المعطيات مع ما تسرّب من معلومات بأن اجتماع لودريان مع باسيل لم يدم أكثر من 7-8 دقائق وأنّ الموفد الرئاسي الفرنسي أراد إنهاء النقاش مع باسيل بسرعة بعد الذي سمعه منه. ويبدو أنّه استغرب من إخضاع باسيل موقفه الرافض تأخير تسريح العماد جوزاف عون، رغم الحاجة القصوى إلى بقاء الأخير في منصبه صوناً لاستمرارية القيادة في ظل الخلل في السلطة السياسية، لمنطق المنافسة والخصومة مع القائد كمرشح للرئاسة الأولى.
المطلعون على المناخ الذي جاء به لودريان يشيرون إلى أنه يطرح الأمر الطارئ المتعلق بمعالجة الفراغ في قيادة الجيش باسم دول الخماسية (فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية، قطر ومصر) حيث حرص على تأكيد ذلك وعلى تذكير من التقاهم بأنه زار السعودية والتقى المستشار في الديوان الملكي الوزير نزار العلولا، واجتمع في الدوحة إلى رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وردّ لودريان بذلك على ما نشره بعض وسائل الإعلام عن أنّ هناك تحركاً قطرياً موازياً للتحرك الذي يقوم به هو، نتيجة تباين في التوجّهات.
وفي وقت أكد أكثر من مصدر أن لودريان جدّد الدعوة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية، لم يطرح كما في زيارته الماضية أي اقتراح بعقد حوار أو بدعوة الفرقاء اللبنانيين إلى مؤتمر حوار وطني في الخارج، فإنه هذه المرة لم يتناول أياً من أسماء المرشحين، لكنه بدا أكثر اقتناعاً بوجوب ذهاب اللبنانيين إلى الخيار الثالث للرئاسة، مكرراً حاجتهم الملحة إلى إخراجهم من دوّامة الأزمات وغياب الحلول لها. البعض فهم من كلامه على أنه استبعاد رئيس «تيار المرده» النائب السابق سليمان فرنجية، والمرشح المقابل له الوزير السابق جهاد أزعور، لأنه سأل كلاً من الفرقاء عمّا إذا كان يتمسك بمرشحه السابق، فأبلغه بعضهم بوضوح استعداده للقبول بالمرشح الثالث.
في كل الأحوال، فإن الموفد الفرنسي لمس ليونة أكثر لدى معظم الفرقاء حيال فكرة الخيار الثالث للرئاسة، قياساً إلى زيارته السابقة. وفي سياق تجديده نصائح باريس بأن يتجنب لبنان الانزلاق إلى حرب مع إسرائيل انطلاقاً من جبهة الجنوب، بات معروفاً أنّ التحفيز الفرنسي للقادة السياسيين لانتخاب رئيس يستند إلى حجة باريس بأن الحرب في غزة لا بدّ من أن تنتهي بتسوية وبمؤتمر دولي لصياغة هذه التسوية. وإذا بقي لبنان من دون رئيس للجمهورية، فإنه لن تتم دعوته إلى الطاولة، فضلاً عن أن حكومته هي لتصريف الأعمال وبرلمانه لا يجتمع وليس الجهة التي تمثله في أي مؤتمر يتعلّق بالتسوية الإقليمية.