عبده جميل غصوب

بين قانون 26/6/2014 وقانون 28/2/2017

المدة الواجب اعتمادها لوضع حد لتمديد عقود الايجار السكنية

1 كانون الأول 2023

18 : 19

أ ـ بعد مرور حوالي ستة عقود من الزمن على اصدار اول قانون استثنائي للايجارات وما تلاه من قوانين استثنائية أخرى، اصدر المشترع القانون الجديد الذي وضع حدّاً للتمديد القانوني لعقود الايجار السكنية، بعد اقرار مرحلة انتقالية.


صدر هذا القانون ونشر في 26/6/2014، ونصّت المادة 58 منه ان يعمل به بعد ستة اشهر من تاريخ نشره.


وبتاريخ 28 شباط 2017، صدر قانون تعديلي للقانون السابق ونشر في الجريدة الرسمية في التاريخ اعلاه، العدد رقم 10، تحت عنوان: "القانون النافذ حكما رقم 2 الصادر بتاريخ 28/2/2017 تعديل قانون الايجارات ".


ب ـ قبل اطلاق الآراء بصورة تلقائية وغير مدروسة، لا بد في مرحلة أولى من توصيف قانون 28 شباط 2017: هل هو قانون جديد للايجارات ام انه قانون تعديلي لقانون 26/6/2014 ؟


هذا القانون هو قانون تعديلي للسببين التاليين:

1 ـ لان عنوانه يدل انه تعديلي اذ ورد في العنوان المذكور عبارة " تعديل قانون الايجارات ".

2 ـ لان مضمونه يدل على ذلك، فهو ليس قانونا مستحدثا تلا قانون 26/6/2014، بل هو تعديلياً، حيث يستدل منه انه كذلك: فالمادة 60 منه نصّت انه يعمل به فور نشره في الجريدة الرسمية اي في 28/2/2017؛ خلافا لقانون 26/6/2014، الذي نصّت المادة 58 منه انه

"يعمل به بعد ستة اشهر من تاريخ نشره ". فلو كان قانونا جديدا وليس مجرد قانون تعديلي، لما كان المشترع تأخر لحظة واحدة عن تأجيل العمل به. ولكنه ليس قانونا جديدا، بحاجة الى فترة ليتمكن المواطنون من استيعابه. هذا فضلا عن ان المادة التي تحكم وضع حد للتمديد القانوني لعقود الايجارات تحمل الرقم 15 في كلي القانونين اعلاه.

ج ـ بالمقارنة بين المادة 15 الواردة في قانون 26/6/2014 والمادة ذاتها في قانون 28/2/2017، يتبيّن لنا ما يلي:

ان التعديل الوحيد الذي تم ادخاله على المادة 15 في كلا القانونين هو تمديد عقود ايجار الاماكن السكنية لغاية 12 سنة"، للمستفيدين من تقديمات الصندوق". اما مهلة التسع سنوات لغير المستفيدين من الصندوق المذكور، فبقيت على حالها ولم يتم تعديلها؛ ما يعني ان المدة المذكورة تجد اساسها القانوني في قانون 28/2/2017، وليس في قانون 26/6/2014؛ وتاليا يجب ان تنتهي هذه المدة بعد مرور تسع سنوات من تاريخ العمل بقانون 26/6/2014، الذي نصّت المادة 58 منه " ان يعمل به بعد ستة اشهر من تاريخ نشره "؛ اي ان يعمل به بدءا من 27/12/2014؛ فتصبح عقود الايجار حرة بدءا من تاريخ 28/12/2023.


د ـ اما بالنسبة للمستفدين من الصندوق، فلا توجد اي مشكلة على مستوى نص المادة 15؛ بل ان المشكلة في مكان آخر؛ فالصندوق لم يستفد احد من تقديماته ! وعمليا كثيرون هم من تقدموا بطلباتهم من الصندوق بغية تأخير الفصل بدعاويهم، بمعزل عما اذا كانت شروط الاستفادة من الصندوق المذكور متوافرة فيهم ام لا!


وهنا يطرح السؤال مجددا: هل ان مجرد تقديم طلب للاستفادة من تقديمات الصندوق، كافٍ بذاته لجعل مدة الاستفادة من التمديد القانوني لعقود الايجار السكنية لغاية 12 سنة ؟ ام ان مجرد تقديم الطلب غير كافٍ بذاته، طالما ان الاستفادة من الصندوق لم تحصل عملياً؟


برأينا، ان الهدف من انشاء الصندوق كان مساعدة المستأجرين الذين تتوافر فيهم شروط المساعدة، ولكن الصندوق المذكور لم يرَ النور عمليا ولم يستفد منه أحد ! سوى ان البعض جعلوا منه " حجّة " للمماطلة في فصل الدعاوى المقامة بوجههم وتأمين بقائهم اكبر مدة ممكنة في المأجور، ليس اكثر من ذلك!

وبالتالي فاننا نرى وطالما ان الصندوق " لم يرَ النور" وبقي حبرا على ورق حتى لا نقول "كلام بكلام"، فانه لا يصح ان يستفيد من تقدم بمجرد طلب للاستفادة من الصندوق من مهلة 12 سنة بدلا من تسع سنوات لتمديد اجارته ؛ لان الاستفادة النظرية من صندوق لم يرَ النور، ليست في موقعها القانوني الصحيح لتقرير جعل المدة 12 سنة بدلا من تسع سنوات للسببين التاليين:


ـ لانها تخالف مبدأ حسن النية المنصوص عنه في المادة 221 من قانون الموجبات والعقود، والذي يشكل مبدأ عاما في تفسير العقود وتنفيذها.

ـ لانها لا ترتكز الى واقع صحيح، بل الى "حقيقة وهمية" قائمة على صندوق لا وجود له في الواقع، بل في نص قانوني لم يفعّل ولو للحظة واحدة.

وبالتالي ان اي تفسير مخالف سيصب في مصلحة اصحاب النوايا السيئة الذين جعلوا من "الصندوق" حجّة واهية لتأخير الفصل بالدعاوى المقامة ضدهم، فلا يصح افساح المجال امامهم لاطالة امد بقائهم في المأجور لمجرد تقدمهم بطلب من الصندوق.


في النتيجة، لا يجب ان نجعل من النصوص القانونية آداة طّيعة في ايدي اصحاب النوايا السيئة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ان تفسير النصوص القانونية يجب ان يرتكز الى وقائع صحيحة وليس الى وقائع وهمية.


تبقى مسألة عدم مسؤولية المستأجر عن تفعيل "الصندوق"، هذه مسألة جوهرية. ولكن لا يجب ان يتحملها المؤجرين. ثم ان وضع المؤجر بوجه المستأجر هي سياسة خبيثة اعتمدتها الدولة اللبنانية منذ مدة، غير آبهة بأن المشكلة السكنية تقع على عاتقها وليس على عاتق المؤجر. ولكن مهما يكن الامر، فانه لا يجوز البناء في تفسير النصوص القانونية على "وقائع وهمية" لتبرير الاستمرار في اشغال المأجور ! خصوصا وان نيّة المشترع في قانوني 26/6/2014 و28/2/2017، كانت متجهة الى تحرير عقود الايجار، فلا يصح تأخير ذلك لاسباب غير قائمة حقيقة وواقعا.      

MISS 3