حسان الزين

"معرض بيروت العربي الدولي للكتاب": رحلة مع حلمي التوني وفنون الأغلفة والمطبوعات

2 كانون الأول 2023

02 : 02

صمم التوني شعار «النادي الثقافي العربي»

جميل أن يُقام «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، على الرغم من الملاحظات التي تُساق عنه لا سيّما في شأن تقليديته ومحدودية الأنشطة المصاحبة للثقافة واتجاهاتها وأحوالها، والتي تجذب الأجيال الفتية والشابة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الكتب في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتراجع القيمة الشرائية... لكن أجمل ما قدّمته الدورة الـ65 للمعرض هي التحيّة إلى الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني وعرض نحو ألف غلاف من تصميمه.



تتعدّى الالتفاتة إلى التوني (مواليد 1934) تكريم فنان عربي معروف ارتبط مع كثيرين من أبناء جيله بالكتاب والثقافة والسياسة، انطلاقاً من التزام تجاه المجتمع والإنسان العربيين. فهي التفاتة ثقافية إلى فنون صناعة الكتب والمطبوعات وحرفتها، وخصوصاً فن تصميم الأغلفة. وحلمي التوني واحد من أبرز الفنانين العرب العاملين في هذا الحقل، وبصمته الخاصّة واضحة. وهو في مقدّم تيّار جدّد في صناعة الكتب وفنونها وربط بين ظاهر الكتاب ومضمونه، بل حرص على أن تكون لكل كتاب هويّته وجماليّته، لا بالأناقة فحسب إنّما بتظهير المحتوى من خلال الألوان والرسوم والحَرف والحجم والشكل. وكثيراً ما كان الغلاف لوحة قائمة بذاتها. وتجاوز ذلك، في أحيان كثيرة، الغلاف إلى إخراج النص والصفحات ومزاوجة النص المكتوب بمفردات ورسوم. فالتوني لم يبخل على الكتب والأغلفة التي صمّمها، بل أغناها بريشته وألوانه الصاخبة والمتفائلة ولهوه بالأشخاص ولعبه بالأحجام والأبعاد الواقعية.

وقد وفد التوني إلى تصميم الكتب والأغلفة ضمن تيّار عريض، في النصف الثاني من القرن العشرين، يؤمن بدور المثقّف، الأديب والشاعر والفنان والأكاديمي... إلخ، في المجتمع والتغيير. والكتاب الذي يدخل كل بيت، أو يجب ذلك، بالنسبة إلى ذاك التيار الذي ارتبط بقوى سياسية يسارية وقومية عربية، هو إحدى أدوات التنوير والتثوير. وفيما ركّز ذاك التيّار على الكتاب وآمن بأن له أدواراً خارج المعرفة والأكاديميا التقليديتين، من مثل نشر خطاب الثورة والمقاومة والتحديث والقومية والعدالة الاجتماعية وانتقاء ما هو مناسب من التراث (العربي والعالمي) وتنشئة الأجيال على ذلك، نشط في كل ما يمكن أن يؤثّر. ولم يستخدم تلك «الأدوات» الكتابية والفنية فحسب، بل أدلجها وجعل «المهمّة الثورية» جزءاً من هويّتها. ووسط هذه الأجواء، عمل التوني إضافة إلى الفن التشكيلي، في تصميم الملصقات، خصوصاً للمقاومة الفلسطينية، والمجلات. وقد صمّم، في بيروت التي اختارها للإقامة بعدما طرده عهد الرئيس أنور السادات من الوظيفة في مؤسسات الدولة المصرية، شعاري جريدة «السفير» (1974) و»النادي الثقافي العربي» (تأسس عام 1944) الذي ينظّم «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب». فيما كان كثيرون من «رفاق السلاح»، كما يسمّيهم الكاريكاتوريست المصري بهجت عثمان، يرسمون الكاريكاتير أو يكتبون الأدب والشعر ويلحّنون ويغنّون.



صمّم التوني شعار «النادي الثقافي العربي»



ليس غريباً أن يكون القسم الأكبر من معرض التوني من مجموعة الناشر اللبناني عبودي أبو جودة التي توثّق الحركة الثقافية والفنية العربية. كذلك ليس غريباً أن تحضر في المعرض «دار الشروق» المصرية. فهذه الدار التي تولي أهميّة لفنون صناعة الكتاب، وقّع التوني عدداً كبيراً من منشوراتها وأسهم في صوغ هويّتها الفنيّة. وإضافة إلى هذين المصدرين، شارك في رفد المعرض كلٌّ من «المؤسّسة العربية للدراسات والنشر» وصديق التوني خالد عبد المغني. وهكذا، أمكن أن يكون المعرض توثيقاً لمسيرة التوني في تصميم الكتب والأغلفة الممتدة على نحو نصف قرن، ورحلة في الأدب والفنون. وتضمّن المعرض ندوة عن مسيرة التوني وفنّه، وعُرض خلالها شريط مصوّر مع المحتفى به سجّله كميل حوا، الذي تحدث خلال الندوة مع أبو جودة ومديرة «معهد الفن العربي» في الجامعة اللبنانية الأميركية ياسمين نشابة طعّان.



حلمي التوني من أبرز التشكيليين العرب الذين عملوا في تصميم المطبوعات


تجربة "الفتى"


لا مفرّ هنا من التوقف عند تجربة «دار الفتى العربي» التي شارك فيها التوني ومجموعة كبيرة من الفنانين والكتّاب والشعراء العرب. فتلك المؤسّسة التي اتّسعت لها بيروت قبل الحرب (تأسّست في 1974)، زاوجت ما بين الكتابي والتشكيلي. وساهم في ذلك كون الأعمال التي أعدّتها ونشرتها موجّهة إلى الأطفال.

لقد وفّرت هذه الدار الهادفة إلى تنشئة الأجيال على الثقافة والتراث العربيين مساحة إبداعيّة للكتابة والفن التشكيلي ولفنون صناعة الكتب أيضاً. وهذا ما ميّز أعمالها التي بلغت نحو مئتي كتابٍ. وقد تشاركت في تلك الكتب نصوص صنع الله إبراهيم وغسان كنفاني وزكريا تامر وعدلي رزق الله وفؤاد حداد وسعدي يوسف ومحمود درويش وأمل دنقل وزين العابدين الحسيني ومحجوب عمر وأحمد بهراجي ومحمود سامي البارودي والشاعرين الفرنسيين بول إيلوار وجاك بريفر وآخرين، مع أعمال فنية تشكيلية للتوني ومحي الدين اللباد وعدلي رزق الله ونذير نبعة ومنى السعودي وبهجت عثمان وحجازي وسعد عبد الوهاب وإيهاب شاكر ونبيل تاج وسليمان منصور وبرهان كركوتلي وحامد ندا وآخرين. وفي مناخ ذاك المختبر الثقافي الملتزم، كانت ثمة إمكانية للتجريب وللعب خارج الأطر، فنجد الشاعر بدر شاكر السياب والكاتب غسان كنفاني يرسمان مثلاً، وهكذا.

وعلى الرغم من أن أعمال الدار أُخرجت وفق تصور فنّي صاغه كمال بلاطة وتابع بعده محي الدين اللباد، إلا أن ذلك حافظ على التنوّع. فكانت لكل سلسلة شخصيّة، في النصوص وفي الإخراج على حدّ سواء. وحملت السلاسل الأسماء الآتية: الحكايات العلمية للصغار، أتو وماتيك، كتاب الأرقام، حكايات عن الوطن، الأفق الجديد، الشعر والشعراء، القصة العربية القصيرة، قبل المدرسة، قوس قزح، المدن العربية، حكايات شعبية عربية، مكتبة هواة الطوابع، مستقبل الأطفال، من عيون التراث العالمي وحكايات الشعوب.



دار الفتى العربي



MISS 3