علي الرز

حسان... "بتوع الأوتوبيس"

11 حزيران 2020

02 : 00

في فيلم "إحنا بتوع الأوتوبيس"، يحار الراحل عبد المنعم مدبولي في جاره (عادل إمام) الذي يقول كلاماً عادياً جداً وبسيطاً، في زمن سطوة الإستخبارات المصرية أيام عهد عبد الناصر. فهو يَعتقد أن وراء الرجل قصّة كبيرة، ووراء كلامه معان كثيرة، ووراء البساطة محاولة للإيقاع به، ووراء أي ملاحظة احتمالية شحْن للتمرّد والتغيير. لذلك، عندما يقعان في مشكلةِ بطاقاتِ الباص الذي يستقلّانه، أو في التحقيق الأوّلي في مخفر الشرطة، كان مدبولي يُحذّر المُحقّق أو "الكمسري"، من أن عادل إمام شخصية كبيرة وقد يُفاجئهم بحركةٍ ما، مثل إخراج بطاقةٍ تُثْبِتُ أنه "ضابطٌ" سرّي أو خِلافه، ولذلك بقي يقول له "طلّع البطاقة" والأخير لا يَفْهَمُ عليه ... حتى دَفَعَ الإثنان في النهاية ثمنَ سوءِ الفَهْمِ هذا.

في الفيلم اللبناني الحالي، هناك مَن أصرّ على لعِب دور مدبولي، عند إتيان "حزب الله" بالدكتور حسان دياب رئيساً للوزراء. وهذا الدور لعبه كثيرون، بمَن فيهم جزء من المُشارِكين في الإنتفاضة، وتحديداً الذين التقاهم دياب قبل التشكيل.

بعضهم هَمَسَ مُتوقّعاً أن يُفاجئ دياب الجميع بموقفٍ لم يتوقّعوه، وأن تفاهماً بينه وبين "حزب الله" أدّى إلى رسْم دورٍ قويّ له داخل طائفته، تماماً مثلما حَصَلَ بين الحزب وجبران باسيل، من قبيل أن يُطلقَ موقفاً يتعارض مثلاً علناً مع موقف الحزب، فيكسب قوةً لدى السنّة تكْفيه لهامشِ تَحَرُّك.

وبعضهم وزّع كلامَه عن الإتيان بوزراء مُستقلّين، ورفْضه المحاصصة في التعيينات وإقرار التشكيلات القضائية، ولجْم الانهيار الإقتصادي ومُحاسبة الفاسدين وغيرها، بأنه حدّد لنفسه خطاً أحمر، وهو ما وعد به الثوّار.

وبعضهم طَلَبَ منحه فرصةً ليتمكّن من إعادة السيادة والاستقلال للبنان، وخصوصاً أن علاقاته الدولية سرّية وفاعلة.

وبعضهم، مثْل مَخالب النظام الأمني السوري في لبنان، صَدَحوا بأن دياب سيبدأ هو بصفع الآخَرين لأن الصفعة التي ستضيع منه سترتدّ إلى رقبته، وبأن كل القوى السياسية ترتجف خوفاً من إجراءاته.

الأمثلةُ كثيرةٌ، لكنّ نظرة سريعة إلى ما حصل تكشف التالي، بالرغم من أن البعض ما زال يقول كما قال مدبولي..."طلّع البطاقة":

قال إنه سيُشكّل حكومةَ مستقلين، فإذا بها حكومة موظّفي مكاتب القادة الحزبيين.

قال إنه سيُعالج الوضعَ الاقتصادي بحلولٍ سريعةٍ وأخرى طويلة الأمد، فلم يشهد لبنان أسوأ من الإنهيار الحالي.

قال إنه سيمشي بتعييناتِ مجلس القضاء، فأوْقفها التيارُ العوني، ووافق. ولن يمشي بمعمل سلعاتا فـ "مشّاه" التيّار العوني وقبِل. ولن يسمح بالمحاصصة بالتعيينات، فكاد ممثلو القوى السياسية في الحكومة ينفجرون ضحكاً، لأن كل ما يريدونه وأكثر، هو الذي تمّ، بما في ذلك تعيين معالج فيزيائي مديراً للاقتصاد.

قال إنه حامي الوحدة الوطنية، وعندما استُبيحت هذه الوحدة من الجماعة التي أوصلتْه الى رئاسة الوزراء، انتظر حتى منتصف الليل حتى يَسْمَعَ استنكاراً من "حزب الله" و"أمل" للإساءة الى الصحابة، فعمل "ريتويت" مُشابِهاً وقّاه شرَّ التخلّي.

أما عن السلاح والمَعابر غير الشرعية والتهريب والتدخلات الميليشياوية اللبنانية عربياً ودولياً وعملية الضمّ التدريجي لمحور إيران، فهذه تغاضى عنها بأُغنيةٍ مَلْحَمِيَّةٍ سطّرها مُنْشِدُ "حزب الله" علي بركات له: " تَيِرْجَعْ أحلى لبنان، كلنا حدّك يا حسان"، ثم يَتْبَعُهُ مُنْشِدٌ آخَر: "يا ريّس من بعد الله نحنا متّكلين عليك". هم متّكلون عليه، وقد كفّى ووفّى ولم يجدوا أفضل منه، وخصوصاً عندما رَفَعَ شعارَه الإستراتيجي "ما خصّني"، انسجاماً مع شعارِ غيره "ما خلّوني". أما الذين ينتظرون منه مفاجأةً عبر "بطاقةٍ" يَرْفَعُها في وجهِ الآخرين في الوقت المُناسِبِ، فليتوقّعوا "بطاقةً" ستُرفَع في وجهه لأنه بكل بساطة ... حسان دياب.


MISS 3