إعطاء الأولوية لاسترداد التكلفة قبل أي تفكير بالخصخصة

خريطة طريق لإصلاح المؤسسات والشركات الحكومية

02 : 00

*صندوق النقد الدولي يوصي بجرد هذه الشركات ووضع هيكلة ملكية استراتيجية جديدة

*إجراء تدقيق مالي بمعايير دولية على أن يتولى ذلك ديوان المحاسبة مع صلاحيات واسعة

*إنشاء «هيئة تنسيق» تحول دون التدخل السياسي لا سيما في تعيينات مجالس الإدارات

*إجراءات صارمة لتشكيل «الهيئة» لتفادي تضارب المصالح والتعيين على أساسٍ نصف سنوي

*تقود «الهيئة» عمليات استرداد التكلفة وتراقب الأداء وترفع التعيينات إلى مجلس النواب

*الشركات التي تحتاج دعماً يوضع لها برنامج إستثنائي مع تصور لكيفية الخروج من الدعم

*غياب تنظيم الأراضي الحكومية يسهّل إدراج أصول غامضة في عمليات خصخصة بالسرّ!

*في ظلّ الظروف الحاليّة فإن الخصخصة ستكون في مصلحة النخب السياسية والمصارف




نشر موقع «بديل» دراسة (من اعداد ليونورا مونسون) عن الشركات المملوكة للدولة اللبنانية، اكدت ان تلك الشركات ضعفت بشكل كبير تحت وطأة الأزمة المالية في البلاد. وأصبح ينظر إليها من قبل الكثير بكونها ورقة مساومة، حيث من شأن خصخصتها أن تخفف من فجوة العجز الحكومي وتسوية الحسابات في شكل ما يسمى «الصندوق السيادي». ومع ذلك يوحي فهم نطاق المؤسسات الحكوميّة العامّة في لبنان، وسوابق إصلاح تلك الشركات نفسها في أنحاء العالم، بأنّ استرداد التكلفة ممكن في حال تم التعامل معه وفقاً للمعايير الدولية. وتوصي ورقة الموقف (او الدراسة هذه) بأن يصبح استرداد التكلفة الهدف الرئيسي لإصلاح الشركات العامّة المملوكة للدولة، وفقط بعد ذلك يمكن النظر في الخصخصة المنظمة لكل مؤسسة على حدة، ووفقاً لمعايير محددة. وفي ما يلي ابرز ما جاء في الدراسة:

تأتي عمليّة إصلاح الشركات المملوكة للدولة في قلب الحزمة المحدثة من الإصلاحات العاجلة التي نشرها صندوق النقد الدولي عقب مهمته في لبنان في آذار 2023. لقد تضمن هذا الإصلاح أولاً إجراء عمليات تدقيق مالي وجرد لهذه الشركات، كما أوصى (صندوق النّقد الدّولي) بهيكلة ملكيّة استراتيجية جديدة، مقترنة بإصلاحات «مبادئ الرقابة والإدارة». وقد أورد أيضاَ في تقرير لاحق مزيداً من التفاصيل حول هذه الإصلاحات، ولا سيما ضرورة تحقيق استرداد التكلفة في مورد الكهرباء التابع للدّولة أي: شركة كهرباء لبنان.

توضح ورقة الموقف هذه أوجه الغموض في عملية الإصلاح المقترحة، باستخدام أبحاث أوسع أجراها صندوق النقد الدولي إلى جانب الأدوات والمبادئ التوجيهية التي طورتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بشأن إصلاح الشركات المملوكة للدولة على الصعيد العالمي، والتي هي في الأساس مملوكة من قبل الدّولة. كما وستقدم الورقة لاحقاً موقفاً متماسكاً بشأن قضية التعديلات والتحسينات المرتبطة بهذه الشركات في السياق العامّ للبيئة السياسية المتغيرة في لبنان. وستنظر أخيراً في إمكانية خصخصة مؤسسات الدولة وفقاً لمعايير وإجراءات محددة، من شأنها أن تساهم في تعزيز خطط الإصلاح المؤسساتي والتنمية.

22 شركة حكومية... الأسوأ مؤسسة كهرباء لبنان

يعرّف صندوق النقد الدولي الشركة المملوكة للدولة في لبنان على أنها: أ- تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي؛ ب- تسيطر عليها الحكومة جزئياً أو كلياً ؛ ج- منخرطة في الغالب في النشاط التجاري/الاقتصادي.

يوجد حالياً 22 شركة حكوميّة (مملوكة من قبل الدّولة) في لبنان يمكن أن تدخل في خطّة الإصلاح القائمة بهدف استرداد التكلفة وفقاً لهذا المعيار ومنها شركة أوجيرو للهواتف الأرضية للاتصالات والشركتان المشغلتان للهواتف المحمولة، وشركة كهرباء لبنان ومؤسسات المياه الإقليمية الأربع، وكازينو لبنان وشركة طيران الشرق الأوسط وإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية – الريجي، وسلطات الموانئ في بيروت وصيدا وصور وطرابلس.

ومع ذلك، فإن هناك تبايناً كبيراً في الحاجة الفورية لاسترداد التكاليف في هذه الشركات التابعة جميعها للدّولة. تعمل بعض هذه الشّركات على توليد الإيرادات، ولا سيما في قطاع الاتصالات الذي بلغت إيراداته 23.4 تريليون ليرة لبنانية بين عامي 2010 و 2020، أيّ ما يقارب الـ 12 بالمئة من إجمالي إيرادات الدولة اللبنانية في عام 2017. وعلى النقيض من ذلك هناك مؤسسة كهرباء لبنان. ومن المرجح أن يؤدي إصلاح الكهرباء بهدف تحقيق استرداد التكلفة إلى إحداث تغيير جذري في التكاليف المالية التي تولدها مؤسسات الدّولة، وهذا ما يعطيها الأولوية على هذا الصعيد.

ستشمل ورقة الموقف هذه أيضاً الشركات غير المدرجة في تعريف صندوق النقد الدولي، مثل الأراضي المملوكة للدولة والتي تشمل حوالى ربع أراضي لبنان. وقد تم تضمين هذه الأصول وإدراجها في هذه الورقة أيضاً لأن «السهولة» النسبية لتصفيتها تعرضها لخطر الخصخصة غير المنظمة.

جمعية المصارف وكوستانيان

عند الحديث عن استرداد التكاليف في الشركات المملوكة للدولة، لا يمكن أن لا تتصدر عمليات الخصخصة النّقاش العام في لبنان. يبدو هذا واضحاً من خلال عدّة عوامل أهمّها الجهود التي قامت بها جمعية مصارف لبنان (ABL) لإنشاء «الصندوق السيادي». إذ قدمت ABL، منذ بداية الازمة في 2020، «خطة بديلة» وضعت المؤسسات الحكوميّة، بما فيها الأراضي العامة، في «صندوق الإعفاء من الديون الحكومية» (GDDF) أو «الصندوق الحكومي». مما يساهم نظريًا في منح جميع أسهم الصندوق الحكومي إلى جمعيّة المصارف مقابل إلغاء الدّيون الحكوميّة المستحقّة للبنوك.

استجابةً لهذا، حدد بحث لـ «ألبير كوستانيان» سلسلة من المتطلبات المسبقة لخصخصة سليمة وشفافة في لبنان. اقترح البحث وضع بيئة تنظيمية سليمة وقوانين وأطر لمكافحة الفساد فضلا عن اقتراح عمليات شراء كاملة وشفافة والتوجه نحو أسواق رأس مال ذات أداء جيد ومنافسة عادلة. إلّا أنّه في ظلّ الظروف الحاليّة في لبنان ونظراً لغياب جميع هذه العوامل في السياق الحالي للبلد فإن خصخصة هذه الشركات ستكون خطةً غير عادلة لن يستفيد منها إلّا النخب السياسية والمصارف.

إجراء التدقيق المالي والجرد... لتوضيح فروقات التقييم

تتمثل الخطوة الأولى في تحقيق استرداد التكلفة في إجراء ونشر جرد تفصيلي للشركات المملوكة حالياً للدولة. وهذا يشمل 22 شركة موجودة في لبنان وفقاً لصندوق النقد الدولي، ويجب توسيعها لتشمل أراضي الدولة. إن الاستناد إلى تعريف ومعيار محدّدين فضلا» عن التقدير الواضح لحجم قطاع الشركات المملوكة للدولة من شأنه أن يزيل أوجه الغموض الحالية في المؤسسات التي تعرّف بكونها «تابعة للدّولة»، اذ ان غياب التدقيق والنظر في تنظيم الأراضي الحكومية (التابعة نفسها للدّولة) يسهّل إدراج أصول غامضة في عمليات خصخصة تتمّ بالسرّ تحت الطاولة.

يتبع هذا الإجراء تدقيق مالي لكل شركة حكوميّة لمتابعة الجرد. لأن التناقضات في تقييم حجم أرباح الشركات المملوكة للدولة في لبنان الذي قدرت جمعيّة المصارف أن قيمتها تصل إلى 40 مليار دولار أميركي، مع التكتّم على مصدر التقرير نفسه والنتيجة التي وصل إليها «ألبير كوستانيان» حين لخص قيمتها بأنها «نصف تقدير ABL بأحسن الأحوال» أي ما يقارب 12 إلى 22 مليار دولار أميركي، سيكون من الضروري أن تتخذ عمليّة التدقيق المالي شكل تقريرٍ منشورٍ يوثّق الأداء المالي والتشغيلي لكل شركة حكومية في لبنان، إذ إنه من شأن هذا التدقيق أن يعد تقييماً مدروساً عن تجربة هذه الشركات على صعيدين: فردي كحالة دراسة وجماعي لاستخدامها كأساس للجهود المبذولة في السّعي وراء استرداد التّكلفة.

وعلى الرغم من دعوة صندوق النقد الدولي إلى أن يتم إجراء هذا التدقيق من قبل «شركة دولية ذات سمعة جيدة» على عكس الهيئات وإجراءات التدقيق الموجودة أساساً داخل الدولة، إلَا أن هذا التقرير يوصي باللجوء الى ديوان المحاسبة (المحكمة المالية) مع صلاحيات موسّعة، بهدف إجراء عمليات تدقيق سنوية في الشركات المملوكة للدولة اللبنانية. و للوصول إلى هذا الديوان يتوجب تزويد المحكمة المالية بمنصة رقمية كاملة وشاملة حيث يمكن الوصول إلى إجراء عمليات تختص بنقل البيانات وتقديم الوثائق فضلاً عن إثبات القدرة على إجبار الكيانات الحكومية والوزارات المؤاتية على الامتثال.

إصلاح استراتيجية ملكية الشركات بوكالة تنسيق مركزي

يعتمد لبنان نموذجاً شبهَ مركزيٍّ لملكيةِ الشركاتِ المملوكة للدولة فيه، ينطوي هذا النموذج على إنشاء «وكالة تنسيق» مهمّتها قيادةُ سياسات الشركات وتنظيمها إلّا أن هذا النموذج شبه المركزي يتناقض مع الآخر اللامركزي الحالي في لبنان، حيث يتم الإشراف على الشركات المملوكة للدولة بشكل منفصل عن نظيراتها وفقاً لخططِ واتجاهاتِ الوزارات التنفيذية المختلفة. ومن خلال تكييف نموذج الملكية، يمكن للبنان أن يتغلّب على الصعوبات الحالية الناشئة من الملكية القائمة على الوزارات، والتي مكّنت من التدخل السياسي في تشكيل سياسات الشركات. إن هذه السياسة المتمثلة باتباع نموذج لامركزي بالكامل تعيق الطريق أمام «الوزارات العظمى» لتشكيل سياسات الشركات القائمة ويمنعها من حشد السلطة في يدها. وبوقوعه بين قطبين متجاورين (المركزية الكاملة واللامركزية) يساهم النموذج نفسه في الحفاظ على فاعلية الوزارات المعنيّة في إصلاح الشّركات المملوكة للدولة والتحقق من عملها من خلال هيئة تنسيق مستقلة.

تعمل «وكالة التنسيق» بصفة استشارية مع الوزارات المعنية بالأمور الفنية والتشغيلية في الشركات المملوكة للدولة، وتكون الوكالة أيضاً مسؤولة عن مراقبة الأداء. والأهم من ذلك، فإن الوكالة لديها تفويض لقيادة عملية استرداد التكلفة في كل شركة حكوميّة بما في ذلك مراجعة استراتيجيات خطة الإصلاح واختيار أعضاء مجلس الإدارة (حالياً في أيدي الوزارات التنفيذية) والتسوية عندما تصل هذه الشركات بالفعل إلى استرداد التكلفة. أما في ما يتعلق بالتقارير وتعيين أعضاء مجلس الإدارة المقدمين من قبل الوكالة فإنها تعود إلى البرلمان للنظر فيها لضمان المساءلة العامة.

يسمح للوزراء بترشيح أعضاء مجلس إدارة الوكالة بعد أن يخضعوا أولاً لموافقة البرلمان وإجراءات صارمة أخرى لتفادي تضارب المصالح وتدابير التأهيل وإعادة التعيين على أساسٍ نصف سنويٍ، وبغيةَ تقويض التدخل السياسي المحتمل فإنه من الواجب أن يديرَ الوكالة مجلسٌ من الخبراء المستقلّين والموظفين العموميين.

أساس منطقي لملكية الدولة للشركات لوضع أهداف مشتركة

يتوجّب على الحكومة أن تنشر وثيقة سياسة ملكيةٍ متاحة للمواطنين، تحددُ الأساس المنطقيّ وأولويات ملكية الدولة لكل شركة تابعةٍ لها. إن سياسة ملكية الدولة في لبنان في الوقت الحالي لا تزال ضمنية، ما يعني أن الوزارات التنفيذية تضع أهدافاً على أساس كلّ حالة على حدة إلّا أن هذه السياسة تبقى قاصرة عن تزويد الشركات المملوكة للدولة والسوق والجمهور التابع لها بفهمٍ واضحٍ للأهداف والأولويات العامّة للدولة كمالك، لهذا فإنه من الأفضل أن يتم العمل على استكمال المنطق العام لملكيّة الدولة من خلال وضع أهداف أخرى مشتركة تُحدّد عن طريق التشريعات واللوائح والسياسات التكميلية دون التركيز على حالة بعينها من مقياسٍ خاصّ.

تستلزم وثيقةُ سياسةِ ملكيةِ الدولة استخدام مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) والتي تسمح للوكالة المنسقة بمراقبة أداء الشركات المملوكة للدولة مقابل أهداف مالية وغير مالية محددة، ومن الضروري أن تتضمن هذه الوثيقة سياسات واضحة ومشروطة إذا كانت الحكومة ستقدم دعماً منتظماً واستثنائياً للشركات التابعة لها. كما يجب تطوير استراتيجيات خروج صريحة لسحب الدعم الاستثنائي. إنّ تجنّب التجارب السالفة التي تمّت فيها الموافقة على عمليات ضخّ الخزينة في الشركات المملوكة للدولة في لبنان وفقاً للاحتياجات الفورية للوزارة التنفيذيّة ذات الصلة وليس ضمن استراتيجية واضحة، هو في صلب هذه الوثيقة ولذلك فإن عمليّة الإصلاح لن تتمّ إلّا عبر هذا الباب.

إن مراجعة وثيقة سياسة ملكيّة الدّولة وتحديثها بانتظام هو أمرٌ ضروريّ، وفي لبنان على وجه الخصوص، فإن هذه العملية يجب أن تتمّ ضمن نطاق تقارير التدقيق السنوية الموصى بها أعلاه، وهذا من شأنه أن يضمنَ التوازن بين الانتظام والكفاءة في المراجعات.





نظام لإدارة المخاطر لا سيما مخاطر الفساد

يتم إنشاء نظام إدارة مخاطر متكامل في كلّ شركة من الشركات ذات الصلة، ومن شأن هذا النظام أن ينتج تقييمات دوريّة للمخاطر تقيس المخاطر الداخلية والخارجية من حيث احتمالية حدوثها على تحقيق أهداف الشركات التّابعة للدّولة. إنّ هذه التقييمات جميعها ستعالج مجموعة شاملة من المخاطر المتعلّقة بالفساد وتأخذ في الاعتبار المجالات عالية المخاطر مثل التعاملات بين مجلس إدارة الشركات المملوكة للدولة والوكالة المنسقة والحكومة. يمكن لهذا النظام استخدام أداة فحص صحة المؤسسات المملوكة للدولة من صندوق النقد الدولي (IMF 2021) لتقييم السلامة المالية لهذه الشركات من خلال مؤشرات تعكس ربحية الشركة نفسها وملاءمتها وسيولتها. وكي يتمّ هذا يجب دمج عمل تقييم المخاطر في خطة التخطيط المركزي للسياسة المالية العامة من قبل وزارة المالية والوزارات التنفيذية ذات الصلة.

هيئات حوكمة وأعضاء مجالس إدارة مستقلون

يتعلق إصلاح الحوكمة بشكل أساسي بإنشاء أو إصلاح «مجلس الإدارة» لكل شركة مملوكة للدولة. يضم المجلس عادةً الكيان المكلف بوظائف إدارة الشركات المملوكة للدولة وإدارة المراقبة، ويجب أن يتراوح عدد أعضائه من 3 أعضاء في الشركات الصغيرة إلى حوالى 20 عضواً في أكثر الشركات المملوكة للدولة تعقيداً مثل شركات الكهرباء والمياه.

ففي لبنان اليوم يتم تعيين أعضاء مجلس إدارة الشركات المملوكة للدولة (إن وجدوا) من قبل مجلس الوزراء بالاشتراك مع الوزارة ذات الصلة. وقد أدى ذلك إلى مخاوف بشأن التقسيم الطائفي لمجالس إدارات الشركات المملوكة للدولة والتي ظهرت، على سبيل المثال، في عام 2020 مع تشكيل مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان. تتبنى جميع الدول في العالم تقريباً مركزية سلطة تعيين مجلس إدارة الشركات المملوكة للدولة في أيدي الحكومة و/أو الوزارات. ويمكن أن يستمر هذا في لبنان لكن يجب رفده بالضوابط والتوازنات. ومن بين هؤلاء الأعضاء «المستقلون» في مجلس إدارة الشركات المملوكة للدولة ولجان مجلس الإدارة المتخصصة. ما يعني الاستقلال عن كل من المؤسسة (عضو مجلس إدارة غير تنفيذي) وعن الدولة (لا موظف مدني أو مسؤول عام أو مسؤول منتخب). سيشمل أعضاء مجلس الإدارة أيضاً موظفي الخدمة المدنية بشرط أن تنطبق عليهم متطلبات التأهيل وتفادي تضارب المصالح كما يجري مع أعضاء مجلس الإدارة «المستقلين». ويجب أن يخضع جميع المتقدمين المعنيين من قبل الوزارة والحكومة لموافقة وكالة التنسيق المذكورة أعلاه وأن يخضعوا كذلك للتصويت البرلماني.

إنّ من شأن مجلس الإدارة التابع لهذه الشركات المملوكة من قبل الدولة أن ينظم عمل هذه الشركات في إطار قانوني وتنظيمي حصين يحمي استقلاليته وهذا يتمّ من خلال تطبيق معايير حوكمة الشركات التابعة للدّولة والتي تعزّز هي نفسها «ثقافة النزاهة المؤسسيّة»، وهذا كلّه ينطوي على سياسة واضحة المعالم تحظر الفساد كما على التزامٍ صريحٍ من مجلس الإدارة والإدارة عينها بالضوابط الداخليّة والأخلاق، فضلاً عن إجراءات الامتثال وتشجيع الثقافة المفتوحة التي تحثّ على الحكم الرشيد والنّزاهة، إلّا أنّ كل هذا غائب بشكلٍ ملحوظٍ في لبنان.

كما يجب أن تكون رواتب أعضاء مجلس الإدارة محصنة ضد التدخل وكذلك الأموال المخصصة للمجلس نفسه. وأخيراً يجب إيجاد إجراءات تحقيقية وتأديبية مؤسسية لتعزيز الامتثال ومعالجة أي انتهاكات في مجلس القوانين ذات الصلة أو آليات النزاهة.

المحاسبة والتدقيق المالي السنوي

بهدف زيادة شفافيّة أداء الشركات المملوكة للدولة مقابل أهدافها، يمكن تقديم تقرير على مستويين: يتضمن التقرير الأوّل أوصافاً لمختلف الأهداف التجارية وغير التجارية للشركات المملوكة للدولة وتفاصيل المساعدة المالية التي تقدمها الدولة، بالإضافة إلى تقدير تكلفة تحقيق الأهداف غير التجارية، أمّا التقرير اللاحق فيشمل أداء الشركة في الفترة الأخيرة، أي في العام السابق على سبيل المثال. وفي الوقت الحاضر، يظهر إنفاق غالبية الشركات اللبنانية المملوكة للدولة كبند واحد فقط في الميزانية اللبنانية، وصافي رصيدها متاح للعلن إما تحت قسم الإيرادات أو تحت قسم النفقات.

أما بالنسبة لتقارير التدقيق السنوية وغيرها من التقارير الإجمالية (بما في ذلك الإفصاحات المالية وغير المالية) التي يتم إجراؤها من قبل ديوان المحاسبة الأعلى فيجب أن تكون إلزامية للشركات المملوكة للدولة، إذ يوصي البنك الدولي بأن تقدم هذه الشركات تقارير تدقيق دقيقة ومتاحة للجمهور وتتوافق مع المعايير الدولية التي يجري العمل عليها من قبل المدققين مع القدرة على تقديم تقييم موضوعي لحسابات الشركة والبيانات المالية والضوابط الداخلية. وستكون هذه التقارير جميعها بمثابة أساس موضوعي في تقديم ومقارنة المعلومات المالية.

ولتجنب أي تأخيرات محتملة – مقصودة أو غيرها – فإنّه يجب تزويد محكمة التدقيق العليا بمنصة رقمية كاملة يتم عبرها نقل البيانات وتقديم المستندات. كما سيكون لها تفويض لإجبار الوزارات ومجالس الشركات المملوكة للدولة على تقديم الوثائق اللازمة وفقًا لمواعيد نهائيّة محددة. وبعد هذه العمليّة تقدم المحكمة المالية تقرير التدقيق المالي إلى البرلمان، الذي يصوت لاحقاً للموافقة على أي تحويلات للخزانة إلى الشركات المملوكة للدولة المعنية.

كما يجب على هيئة التنسيق المملوكة للدولة، المبيّنة أعلاه، إصدار تقرير إجمالي سنوي يكون بمثابة أداة إفصاح للوكالة المنسّقة لتكون شفافة للعموم وللسلطة التشريعيّة ووسائل الإعلام في محفظة ملكيّة الدّولة الخاصّة بها كما من شأنها أيضاً أن تغطي قضايا مرتبطة مباشرةً بحجم وأداء هذه الشركات نفسها، إلى جانب العناية بأدائها المالي الكليّ ولا سيّما في قطاع الشركات الحكوميّة أو المملوكة للدّولة، على أن يتم تقديمها إلى اللجان البرلمانية للتدقيق فيها لاحقاً.

الهيئة التنظيمية: إبعاد التأثير السياسي والمصلحي

بهدف الحفاظ على الموضوعيّة والثقة العامّة في قرارات الهيئات التنظيميّة التي تعنى بتنظيم عمل الشركات المملوكة من قبل الدولة، يتوجب إنشاء و/أو تفعيل الهيئات التنظيمية في لبنان من خلال الشروع في عملية إصلاح مرتبطة بالدرجة الأولى بتعيين أعضاء مجلس الإدارة، إذ انّ هناك حاجةً ضروريةً لأن ينظر إلى الجهة التنظيميّة على أنّها مستقلة عن السياسيين والكيانات الأخرى الخاضعة للتنظيم، لذلك يجب إزالة سلطة تعيين المنظم من الوزارة ومجلس الوزراء في لبنان، نظراً لقدرة هذه الجهات الفاعلة على تأخير العملية – كما فعلت مؤخراً- ووضعها في أيدي الهيئة التنسيقية الموضحة أعلاه.

ومن خلال منح صلاحيات التعيين لجهة التنسيق، فإن الهدف هو تحقيق الاستقلال والعمل بمعيار الخبرة في اختيار أعضاء الهيئة التنظيمية، مع تجنب مخاطر «الاستحواذ التنظيمي» (regulatory capture). كما يجب أن تكون تعيينات أعضاء مجلس الإدارة على فترات متقطعة للحفاظ على المعرفة والخبرة في الفترات الفاصلة بين تجديدات التعيينات. وفي الوقت نفسه يجب تحديد أسباب وعملية إنهاء التعيينات صراحة في التشريع ويجب أن تقتصر على الحالات الخطيرة لسوء السلوك وإشراك البرلمان لمزيد من الشفافية والمساءلة.

كما يجب أن تخضع الجهة التنظيمية لتدابير صارمة تحمي الكيان من الضغط السياسي أو تأثير المصالح الخاصّة في القرارات ووضع الميزانية، إلى جانب وجود هيكل مؤسسي واضح يفوّض سلطته ودوره. ويمكن أن تتمّ هذه العمليّة المرتبطة بخضوع الجهات التنظيمية لتدابير صارمة تعمل على حسن سير عملها من خلال مجموعة من أفضل الممارسات الدولية بما في ذلك وضع قواعد السلوك لكوادر الهيئة التنظيمية -الإداريين والموظفين- بشأن التعامل مع جماعات الضغط والمجموعات ذات المصالح والآليات المناسبة لتنفيذها.

إصلاح تمويل المؤسسات العامة وكيفية وضع الرسوم

تحدّد الرسوم في لبنان من قبل الهيئات التنظيمية المنشأة أو المعاد تفعيلها للشركات ذات الصلة وحسب، ويضمن ذلك مساهمة الخبراء في تشكيل التعرفات في المرافق العامة لتعكس على أفضل وجه التكاليف الحقيقية لتقديم الخدمة مع ضمان قدرة المستهلكين على تحمل التكاليف. وكمرحلة أخيرة لتحقيق استرداد التكلفة في الشركات المملوكة من قبل الدّولة في لبنان، يمكن رفع هذه الرسوم.

ومن أجل إضفاء الشرعيّة على تعديلات التعرفة والرسوم، يتوجّب أولاً وجود تحسن واضح في توفير الخدمات وهذا هو الحال في قطاع الكهرباء حيث يجري بالفعل زيادات غير منظمة في التعرفة. وكان البنك الدّولي قد أصدر دراسةً تحدّد الهيكل المعدّل لتعرفات مؤسسة كهرباء لبنان، ومع ذلك أوصى بضرورة تنفيذها بعد استرداد التكلفة، لا غير. لهذا، ولدعم جميع حقوق السكان في الوصول إلى الخدمات الأساسيّة فإنّه من الضروري أن توضع زيادات التعرفة في سياق نظام حماية اجتماعيّة كامل.

إتخاذ القرار بأن استرداد التكاليف «تم تحقيقه»


إنّ سلطة القرار الرّسمي الذي يقول بانّ استرداد التكاليف قد تحقق بالفعل، لا تقع ضمن ولاية وكالة التنسيق المنشأة حديثاً وحسب، بل تتجلى أيضاً في شكل وثيقة كاملة؛ تستفيد هذه الوثيقة – والتي يجب أن تكون متاحة للعموم – من التقارير السنوية وعمليات التدقيق الموضحة أعلاه وتقدم توصيات بشأن ما إذا كان ينبغي أن تكون الخصخصة أو استمرار الملكية الحكومية خياراً قابلاً للاستمرارية. وكي تضمن عملية استرداد التكاليف بصورة سليمة فإنه يجب أن يتم تقديم هذه التقارير إلى البرلمان للنظر فيها على أن يتم إنشاء عمليّة متعددة الطبقات، قائمة على الخبرة. تهدف هذه التوصية إلى تجنب القرارات التعسفية أو الذاتية في ما يتعلق بتحقيق استرداد التكلفة التي يمكن أن تجهّز الطريق أمام الشركات المملوكة للدولة، للبيع قبل أن تصبح جاهزة.

MISS 3