باتريسيا جلاد

"لبنان في قرنه الثاني: رؤية مستقبلية"

عودة الناتج إلى ما كان عليه قبل الأزمة... ليس قبل 2040

7 كانون الأول 2023

02 : 00

جانب من الندوة

*منصور: نحتاج إلى ضريبة على الريع أعلى من الضريبة على الأجر... وإلى إنفاق حكومي مركّز على قطاعات تساعد الإنتاج

*مبيّض: لدينا مقوّمات غير مستغلّة بسبب استفحال الأزمة ورفض معالجتها وغياب الرؤية لدى المنظومة المتحكّمة بالبلد

*أبي نصر: لتحقيق النمو... طبيعة لبنان السياسية والجغرافية تحتاج إلى نظام لامركزي بامتياز لا سيّما على الصعيد الإقتصادي

*غانم: القطاع الزراعي اللبناني يملك إمكانات كبيرة تضاهي تلك الموجودة في إيطاليا أو تركيا على سبيل المثال... ولكن!



أوضح النائب أنطوان حبشي أن «لبنان يعاني من أزمة معرفة. فالمشكلة هي في المعرفة وليست في ما اذا كان النظام الإقتصادي المعتمد في لبنان صحيحاً أم لا، باعتبار ان المعرفة في لبنان منتجة».

واعتبر الاقتصاديّ في البنك الدولي وائل منصور ان «إعادة حجم الاقتصاد اللبناني إلى ما قبل الأزمة، يمكن أن يتحقق في لبنان بوجود الإرادة السياسية والتغيير السياسي والمؤسسات القادرة على التطبيق، وبذلك نستطيع أن نعيد الاقتصاد إلى سابق عهده مع نمو مستدام وبطريقة متينة».

جاء ذلك خلال الندوة الثانية من مسار الاقتصاد والاجتماع التي عقدت في الجامعة الأميركية في بيروت تحت عنوان «إعادة بناء اقتصاد منتج للبنان الجديد»، ضمن فعاليات مشروع «لبنان في قرنه الثاني: رؤية مستقبلية».

3 مقومات

افتتحت مديرة الأبحاث الاقتصادية للشرق الأوسط في مصرف جفريز، علياء مبيّض، الندوة وأدارتها. وأشارت في كلمتها الى أنّ «أيّ اقتصاد منتج يُبنى على 3 مقوّمات:

- اولاً، الموارد المتاحة، ونعني بها رأس المال البشري والمالي والبنى التحتية. وخسرنا بسبب الأزمة جزءاً كبيراً من مدخرات اللبنانيين، وهاجر عدد كبير من الشبّان، لكننا ما زلنا نملك مخزوناً كبيراً من اليد العاملة المنافسة التي نستطيع أن نعتمد عليها، اما البنى التحتية فأصبحت للأسف مترهّلة.

ثانياً، وجود سياسات عامّة تعزّز التنافسية لتجعل من الاقتصاد المنتج مستقطباً للاستثمار الخاص الذي عانى في خلال السنوات العشرين الماضية من تراجع مستمر في لبنان. وهذه السياسات هي ليست اقتصادية فحسب، بل هي أيضاً في مجالات البنى التحتية والطاقة ومنظومة الأمن التي ستؤسّس لمناخ مشجّع على الاستثمار.

ثالثاً، تشكّل المقومات قدرتنا على التأقلم مع المتغيّرات العالمية والإقليمية التي من المفترض أن تكون قوية، بفعل الاغتراب اللبناني الذي لا يملك فقط رأس المال البشري والمالي المهم، بل يملك أيضاً شبكة العلاقات التي يستطيع أن يستثمرها لإعادة رفد عملية التحوّل من اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج».

واكدت ان هذه المقومات الـ3 هي اليوم غير مستغلّة بسبب استفحال الأزمة ورفض معالجتها وغياب الرؤية لدى المنظومة السياسية المتحكمة بالبلد.


الإقتصاد المنتج

ودار النقاش في الجلسة الأولى حول مقوّمات الاقتصاد المنتج واحتياجاته، فعرض د. منصور الفرق بين الاقتصاد المنتج والاقتصاد الريعي. فقال إن الاقتصاد الريعي هو الذي يعتمد على الدخل الزائد الذي يُحقّق من دون بذل جهد أو تكلفة إنتاج إضافية، وينشأ عادة عند وجود حالات من الاحتكار أو الامتيازات الممنوحة لفئة دون أخرى. بينما الاقتصاد الإنتاجي هو اقتصاد يركّز على إنتاج السلع والخدمات بكفاءة وفعالية ويتميّز بأنه يحقّق النمو المستدام ويخلق فرص العمل ويعتمد على الابتكار والتطوّر التكنولوجي والمهارات، والأهم أنه يعتمد على المنافسة. واذا عتبرنا أن النموذج الريعي الذي كان موجوداً في لبنان قد انتهى، ومن أجل بناء اقتصاد تنافسي منتج، ولأن السوق اللبنانية صغيرة، نحتاج إلى تصدير هذه السلع والخدمات وليس تصدير العمالة واليد العاملة الماهرة، لذا يجب أن نضع لأنفسنا عدّة أهداف، منها:

- إعادة حجم الاقتصاد إلى ما كان عليه في العام 2018 والذي كان يبلغ 55 مليار دولار، بعد أن تراجع في الأزمة إلى أقل من النصف أي 23 مليار دولار وهو الرقم الذي كان عليه الاقتصاد في العام 2006، أي بفارق 17 عاماً. لذا يجب أن يكون الهدف إعادة حجم الاقتصاد اللبناني إلى ما قبل الأزمة في العام 2040، وأن يحقق نسب نمو توازي نسب النمو في الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، وذلك على ركائز متينة متمثّلة بإنتاج وتصدير أكثر واستهلاك أقل».


تحفيز الإستثمار

كما أشار منصور إلى «أننا إن أردنا أن نخلق هذا الاقتصاد المنتج نحتاج إلى سياسة مالية تحفز الاستثمار وتضع ضريبة على الريع أعلى من الضريبة على الأجر، وإلى إنفاق حكومي مركّز على قطاعات تساعد الإنتاج مثل الكهرباء والإنترنت والتعليم، وإلى سياسة نقدية تنهي الاحتكارات المصرفية لتمويل الاقتصاد وتدخل لاعبين جدد إلى السوق اللبنانية. وتضع حدّاً لتهوّر مصرف لبنان بدعم قطاعات وسياسات نقدية أوصلتنا إلى الإفلاس، وإلى إعادة النظر في الاتفاقات التجارية الخارجية وتفعيل الاتفاقات التي تشمل القطاع الخدماتي، وإلى بيئة أعمال تنافسية عبر إلغاء كل القوانين الاحتكارية مثل قانون الوكالات الحصرية وسن قوانين لمكافحة الاحتكار مع مؤسسات رقابية ذات كفاءة لتطبيقها مع هيئات ناظمة لإدارة القطاعات وتحفيز القطاع الخاص للدخول ومشاركة الدولة في الاستثمار، ودعم الشركات الناشئة.


البيئة الحاضنة للصناعة

أما الجلسة الثانية فكانت حول الصناعة الوطنية، وكان المتحدث فيها بول أبي نصر، عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين اللبنانيين، الذي تناول موضوع البيئة الحاضنة «التي تُعَدّ أساساً في نظامنا الليبرالي، والتي يجب أن تسهل الطريق للشركات والقطاع الخاص لينطلق ويبدأ النمو من تلقاء نفسه. لذا يجب أن نتبنى طروحات تناسب طبيعة لبنان وخاصة في ما يتعلّق باللامركزية الإنتاجية والصناعية.


النظام اللامركزي حاجة

كذلك يجب أن نجد صلة الوصل بين الإبداع الفردي والقطاع الصناعي، كي يعملا بتناغم وتكامل لتصل المنتجات والأصناف الإبداعية إلى السوق. من هنا يجب التركيز على كيفية خلق البيئة الحاضنة على المستوى التربوي، وعلى مستوى البنية التحتية، التي يجب أن تكون في الوقت نفسه مطابقة وملائمة لطبيعة لبنان. فنحن لا نستطيع أن ننشئ شركات كهرباء ومصانع كبيرة، لأن طبيعة لبنان السياسية والجغرافية غير مناسبة لذلك، لذا نحتاج إلى نظام لامركزي بامتياز كي يكون النمو منفصلًا وكي يكون الحل متجزّئًا. هذه هي طبيعة لبنان التي يجب أن نسير معها لا ضدّها. أي أنّنا يجب أن نوجد الحلول حتى وإن لم تكن أفضل الحلول».

إمكانيات التصدير الزراعي

وكانت الجلسة الأخيرة حول الصناعة الزراعية بين الغذاء والدواء، فتحدث فيها نزار غانم، مدير الأبحاث في مؤسسة Triangle، وشدّد على «أن الاقتصاد الزراعي هو جزء مهم من الاقتصاد اللبناني، لدينا إمكانيات التصدير إلى دول عديدة كما أنّ هناك إمكانية هائلة لتحسين هذا القطاع. المشكلة اليوم تكمن في أنّ استثمار الدولة في الزراعة هو فقط 0.5 في المئة من الموازنة العامة، وهذا الرقم صغير نسبة الى سائر الدول لذا نحتاج إلى إصلاحات كبيرة في سوق الأدوية مثلًا. وكذلك كل ما يخص القطاع الزراعي في لبنان يجب أن يتحسن، كما يجب تفكيك كل الكارتيلات في هذا المجال، وأن تكون للبنان سياسة تجارية واضحة من أجل تحسين منتجاته للدخول إلى الأسواق الأوروبية أو الأميركية أو غيرها، لذا فإنه من غير المقبول ألّا يكون هناك تحسين في الجودة العامة وضبط للمرافئ وإصلاح شامل للتعاونيات الزراعية غير القادرة حاليًّا على تحسين الإنتاج المطلوب، وغيرها الكثير من الأمور. إذ ليس هناك جدية اليوم عند الدولة لتطوير هذا القطاع، علماً ان القطاع الزراعي يملك إمكانات كبيرة تضاهي تلك الموجودة في إيطاليا أو تركيا على سبيل المثال».

سجال

وفي الختام أجرى مستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومحاربة الفقر اديب نعمة مداخلة اعتبر فيها أنه «لا يمكن البحث عن اقتصاد منتج من دون التطرق الى الناحية الإجتماعية وتحديداً العمالة التي لها الدور الأساس في الإنتاجية، مهاجماً الرأسماليين وأولهم الصناعيين. فرد أبي نصر أن «الصناعيين مع توسّع عملهم في لبنان وتشبثهم بأرضهم يوفرون الوظائف ويحرّكون عجلة الإقتصاد مع زيادة الإنتاجية وخصوصاً في المواد الغذائية التي باتت بغالبيتها لبنانية على رفوف السوبرماركات، مشدّداً على ضرورة تصغير حجم الدولة والتركيز على اللامركزية الإنمائية».



MISS 3