لين أودونيل

أعداء "طالبان" لا يتّفقون على شيء

9 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

أنصار «طالبان» في شوارع كابول | أفغانستان، 15 آب ٢٠٢٣
فيما ترسّخ حركة «طالبان» اليوم مكانة أفغانستان كصلة وصل بين جميع المظاهر السيئة في العالم، بدءاً بالجرائم ضد الإنسانية وصولاً إلى تصدير الأدوية، والأسلحة، والإرهاب بالجملة، ظهر أمير حرب قديم ومتعطش للدماء خلال إجتماع حديث للمعارضة المزعومة، فأعلن أن الحرب هي الأمل الوحيد لاسترجاع البلد. خلال اجتماع في دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، تكلم إسماعيل خان، وهو رجل في منتصف السبعينات من عمره، عن مسارَين محتملَين لاستعادة حرية أفغانستان: الإكتفاء بالمواقف الشفهية أو خوض الحرب. لم يسبق أن نجح التفاوض مع «طالبان» يوماً برأيه، ما يجعل الحرب الخيار المتاح الوحيد.

إستضافت دوشانبي للتوّ النسخة الثانية من «حوار هيرات الأمني» الذي كان يحصل في مدينة «هيرات» الأفغانية قبل سقوط الحكومة القديمة. كان يُفترض أن يشكّل ذلك الاجتماع فرصة تسمح لمختلف جماعات المعارضة بالتوصّل إلى خطة لإصلاح مسار البلد المضطرب، بعد أكثر من سنتين على عودة «طالبان» وسيطرتها على أفغانستان.

لكن زاد ذلك الاجتماع الانقسامات الداخلية والفئوية وطرح أفكاراً مقلقة حول أحداث المرحلة المقبلة. إنها نتيجة مؤسفة لشحّ الأفكار وسط الشخصيات المعارِضة لحركة «طالبان»، فهي تبدو عاجزة عن تجاوز ممارسات عبادة الزعيم والطموحات الشخصية للتركيز على مستقبل البلد المدمّر أولاً. خلال الاجتماعات المنتظمة التي تموّلها عموماً المعاهد البحثية ومنظمات الديمقراطية، يستعرض هؤلاء عداواتهم ويفشلون دوماً في إفساح المجال أمام إحداث أي تغيير حقيقي بين جيل وآخر، أو الاعتراف بدورهم في انهيار الجمهورية الفاسدة وغير الكفوءة. اشتكى رحمة الله نبيل، الرئيس السابق للأجهزة الأمنية الأفغانية في عهد الجمهورية، من غياب الوضوح والرؤية والإجماع في أوساط المعارضة والعالم ككلّ، ما سمح لحركة «طالبان» بترسيخ سلطتها.

بدأت الأدلة التي تثبت وحشية «طالبان» تجاه الشعب الأفغاني والتهديدات التي تطرحها على الأمن العالمي تتراكم خلال هاتين السنتين. أشارت مجموعة من وكالات الأمم المتحدة إلى حصول انتهاكات دائمة لحقوق الإنسان، وإنتاج وتصدير الهيروين والميثامفيتامين، ودعم الإرهاب والجماعات الجهادية في أنحاء المنطقة، وحتى في ساحات بعيدة مثل أوروبا. تذكر الحكومة المجرية أن «طالبان» متورّطة في تهريب الناس لجمع المال وتنفيذ عمليات إرهابية. وفي بيئة تعجّ بالأسلحة النووية، يفترض نبيل أن «طالبان» قد تحاول اكتساب أسلحتها الخاصة، فتستغلّها لجمع الأرباح إذا لم تشأ استخدامها فعلاً.

كان غياب الاهتمام الدولي بتجدّد التهديدات الإرهابية في أفغانستان ركيزة لما اعتبره هانز جاكوب شندلر، مدير «مشروع مكافحة التطرف» في برلين ونيويورك، نسخة مستقبلية متكرّرة من الأعمال الوحشية التي ارتكبها تنظيم «القاعدة»، بالتواطؤ مع «طالبان»، في الولايات المتحدة، في أيلول 2001.

بدأت مجموعة من الدول التي دعمت عودة «طالبان» لتوجيه ضربة موجعة للولايات المتحدة، تستنتج حقيقة ما يحصل بأصعب الطرق. دعمت باكستان «طالبان» في مساعيها لكبح طموحات الهند بقيادة المنطقة، لكنها عادت وتعرّضت لاعتداءات إرهابية عدة على يد «حركة طالبان باكستان» التابعة لكابول بهدف تدمير الدولة الباكستانية.

كذلك، تدرك طاجيكستان التي تتّسم دوماً بالحذر والواقعية طبيعة تهديدات «طالبان»، فهي أحبطت عدداً من الاعتداءات هذه السنة، وصادرت الأسلحة، والذخائر، والمواد الدينية، والأموال النقدية. تنشر «طالبان» الانتحاريين وجماعة «أنصار الله» المتطرّفة والمعادية لطاجيكستان في مناطقها الحدودية المشتركة.

لكن في ظل زيادة قوة «طالبان» وعجز المنظّمات الدولية، ما هي الخيارات المتاحة اليوم؟ يظنّ شندلر أن الأمم المتحدة تواجه خياراً شائكاً: هي أصبحت «رهينة افتراضية» كونها تتّكل على «طالبان» لضمان أمن موظفيها في أفغانستان من جهة، لكنها تُسهّل من جهة أخرى تسليم عشرات ملايين الدولارات النقدية لتخفيف حدّة الأزمة الإنسانية، مع أنها تواجه صعوبة كبرى في إتمام هذه المهمة بعد استيلاء «طالبان» على المساعدات. لا يقدّم أي تقييم ذاتي جديد من جانب الأمم المتحدة رؤية مستقبلية مختلفة تناسب حقبة ما بعد «طالبان».

بقيت الأجوبة المباشرة عن الأسئلة العالقة في دوشانبي قليلة. كان خان يرتدي زيّ «سلوار قميص» الأبيض الذي يشتهر به ويضع وشاحاً بالأبيض والأسود على رأسه، فبدا أشبه بنجوم الروك ووقف لالتقاط صور السيلفي في ردهة الفندق الفخم الذي كان يستضيف المؤتمر. قبضت «طالبان» على خان حين كان يقود ميليشيا عشوائية في مدينة «هيرات»، وهو يقيم راهناً في إيران. حين سُئِل خان إذا كانت إيران تسمح له بحضور قمة هذه السنة لإقناع «طالبان» بأن أحداً لم يعد يتحمّل عنادها، تردد في الإجابة.

بعيداً عن الذين احتشدوا لالتقاط صور السيلفي مع خان، استاء الكثيرون من حضوره المؤتمر، فهم يعتبرونه رمزاً للحرس القديم الفاشل.

يقول مندوب رفض الإفصاح عن اسمه: «إذا عاد، فلن يتغير الوضع الراهن برأيي. هو قتل عدداً كبيراً من الناس، ثم خضع لمراقبة مشدّدة طوال 20 سنة. وضعه الأميركيون تحت المراقبة عبر استعمال الطائرات المسيّرة وسيطروا على اندفاعاته، وإلا كان ليبقى على حاله. هذا الوضع لا يفيد أفغانستان».

كان خان يمثّل ظاهرياً المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية، وهو عبارة عن ائتلاف من أسياد حرب مثل عبد الرشيد دوستم، ونائب الرئيس السابق عطا محمد نور، وشخصيات إقليمية وعرقية أخرى هربت من حرب «طالبان» الخاطفة وأكثر ما تتمناه الآن هو استرجاع أموالها، وأملاكها، وامتيازاتها.

لكن كان حضور خان يضمن غياب أحمد مسعود، زعيم «جبهة المقاومة الوطنية» الذي كان يتمتع بشعبية واسعة في السابق، مع أنه يقيم في دوشانبي. يقول مساعدوه إن انشغالاته منعته من الحضور. كان جزء كبير من الأفغان الشباب يحملون آمالاً كبرى بأن يصبح الرئيس المستقبلي، لكنهم يعتبرونه اليوم مجرّد زعيم يسعى إلى جمع أتباع له مثل والده، زعيم التحالف الشمالي السابق، أحمد شاه مسعود.

على غرار الولايات المتحدة، لن يدعم معظم الحكومات الغربية المقاومة المسلّحة ضد «طالبان». قد يكون التردد في العودة إلى الحرب في أفغانستان مبرراً برأي شندلر، لكن «يمكن التواصل مع جماعات المعارضة والتأكد من حضور جميع الأطراف المعنية عند تنظيم اجتماع من هذا النوع لتسهيل طرح رؤية بديلة لأفغانستان، خارج إطار نظام طالبان».

يضيف شندلر: «دائماً ما تتعلق المشكلة بجماعة أو بأخرى. لا يحضر البعض بسبب حضور خصومه. لكن كيف يمكن الاستفادة من هذا الوضع؟ تتكرّر الأحداث نفسها منذ أكثر من عشرين سنة. لا أحد يملك الأعذار اليوم».

من المنتظر أن يتكرر اللقاء بين أطراف المعارضة هذا الأسبوع مجدداً، إذ يتمّ التخطيط لاجتماع ثالث في فيينا. يقول المتحدث باسم «جبهة المقاومة الوطنية»، علي ميسم نظري، من دوشانبي إنهم ما زالوا يخططون هناك لوضع اللمسات الأخيرة على استراتيجية تناسب حقبة ما بعد «طالبان».


MISS 3