عبده جميل غصوب

الوضع القانوني لموظفي المديرية العامة للشؤون العقارية المتخلّفين عن الحضور الى مراكز عملهم

10 كانون الأول 2023

17 : 35

 تعرض معظم موظفي امانات السجل العقاري في بعبدا، الشوف، عاليه ، المتن، جونية وجبيل، اعتبارا من شهر كانون الاول 2022 لحملة توقيفات او ملاحقات قضائية أدت الى عدم حضورهم الى مراكز عملهم وتاليا توقف العمل كليا في هذه الامانات.



فما هو وضع الموظفين الذين اخلي سبيلهم ( اولا )؛ وما هو وضع الموظفين المتوارين بسبب صدور مذكرات توقيف غيابية بحقهم ( ثانيا ) .



اولا: الوضع القانوني للموظفين المخلى سبيلهم:



تنص المادة 18 من المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 12/6/1959 ( نظام الموظفين ) عن ما يلي:



" 1 – يتقاضى الموظف الموقوف عن العمل نصف راتبه اعتبارا من اليوم الذي يلي تاريخ ابلاغه المرسوم او القرار القاضي بتوقيفه عن العمل، او اعتبارا من تاريخ انقطاعه الفعلي عن العمل اذا كان قد إنقطع عنه قبل تبلغه المرسوم او القرار. ولا يدفع له النصف الآخر الا اذا برأه مجلس التأديب او حكم عليه بعقوبة من الدرجة الاولى او اذا عدلت الادارة عن احالته على مجلس التأديب بعد انقضاء خمسة عشر يوما على تاريخ ايقافه عن العمل.



2 ـ يتقاضى الموظف الموقوف عدلياً بصورة احتياطية نصف راتبه، ولا يدفع له النصف الآخر الا اذا منعت محاكمته او بُرىء او حكم بعقوبة غير عقوبة الحبس ".

في حالتنا الراهنة ينطبق على موظفي المديرية العامة للشؤون العقارية المتخلفين عن الحضور الى مركز عملهم، البند 2 من المادة 18 اعلاه، لانهم موقوفون " عدليا " وليس بموجب "مرسوم او قرار " كما نصّ عنه البند 1 اعلاه .



وعلى ذلك،

فهم يتقاضون نصف رواتبهم. ولا يدفع لهم النصف الآخر، الا اذا تحققت احدى الحالات المنصوص عنها في البند 2 اعلاه وهي:

- صدور قرار بمنع المحاكمة عنهم.

- صدور حكم او قرار بتبرئتهم.

- الحكم عليهم بعقوبة غير عقوبة الحبس.

ففي هذه الحالات الثلاثة يدفع لهم النصف الآخر من الراتب عن الفترة التي تقاضوا عنها نصف راتب، فيكون تاليا استحقاق الراتب كاملا معلقا على تحقق احدى الحالات الثلاثة المعددة اعلاه.



وهنا يُطرح سؤالان:

- من هو الموظف " الموقوف عدليا بصورة احتياطية " ؟

- متى تعود الرواتب الى السريان كاملة ؟

هل عند استئناف العمل بعد انتهاء التوقيف بتخلية سبيل الموظف، ام ان انصاف الرواتب يبقى مستمرا العمل بها، لتشمل الفترة التي تلي تخلية السبيل واستئناف العمل وذلك لحين صدور قرار بمنع المحاكمة او بالتبرئة او بعقوبة غير الحبس ؟



أ ـ من هو الموظف الموقوف احتياطيا ؟

أبدت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في الاستشارة الصادرة عنها برقم 225/2020 تاريخ 17/3/2020 " ان التوقيف الاحتياطي هو تدبير مانع للحرية يقضي بوضع المدعى عليه في السجن لمدة غير محدودة قد تمتد الى ما بعد التحقيق ، اي حتى مثوله امام المحكمة او صدور الحكم عليه، كما قد تنتهي اثناء التحقيق او بعده باتخاذ قرار باخلاء سبيله، ويكون ذلك تنفيذا لمذكرة توقيف او لمذكرة القاء قبض، وانه يجب ان تصدر قبل التوقيف الاحتياطي مذكرة توقيف عن سلطة مختصة اي قاضي التحقيق او الهيئة الاتهامية او المحكمة في بعض الحالات، اما ما يصدر عن النيابة العامة فهو قرار بالاحتجاز يسمح باحتجاز الشخص مدة 4 ايام كحد اقصى ( المادة 47 اصول محاكمات جزائية ) ويحق ذلك ايضا للضابط العدلي في حالات معيّنة.



وبالتالي يجب عدم الخلط بين التوقيف الاحتياطي Préventive détention والتوقيف المؤقت Arrestation provisoire ، فالاول ينتج فقط عن مذكرة توقيف، في حين ان الثاني يتم في حال التوقيف تنفيذا لمذكرة احضار ويشمل الوقت الكافي لمثول الموقوف امام قاضي التحقيق او النيابة العامة، ويتم ايضا في حال القاء القبض العفوي في الجريمة المشهودة ودون مذكرة ويشمل المدة اللازمة لتأمين احضار الملقى القبض عليه الى النيابة ".



وخلصت الاستشارة الى " ان المقصود بالموظف الموقوف عدليا بصورة احتياطية هو الموظف الموقوف بموجب مذكرة توقيف او مذكرة القاء قبض صادرة عن سلطة ذات اختصاص اي قاضي التحقيق او الهيئة الاتهامية او المحكمة في بعض الحالات الخاصة في قانون اصول المحاكمات الجزائية ".

ب ـ متى تعود الرواتب الى السريان كاملة ؟ هل عند استئناف العمل بعد انتهاء التوقيف بتخلية سبيل الموظف، ام ان انصاف الرواتب يبقى مستمرا العمل بها لتشمل الفترة التي تلي تخلية السبيل واستئناف العمل وذلك لحين صدور قرار بمنع المحاكمة او بالتبرئة او بعقوبة غير الحبس ؟



في ما خص هذه المسألة ، اشارت الهيئة في الاستشارة رقم 225/2020 اعلاه، الى انه سبق لها ان ابدت رأيها في هذه المسألة في العديد من الاستشارات ، منها الاستشارة رقم 365 /2000 تاريخ 5/6/2000 والاستشارة رقم 562/2000 تاريخ 11/9/2000، وابدت انه مما جاء في هذه الاستشارة، " ان المادة 18 من نظام الموظفين فيما نصت عنه في فقرتها الثانية، تكون قد حددت الفترة التي يتقاضى فيها الموظف نصف راتبه بتلك التي يكون فيها موقوفا عدليا بصورة احتياطية لما تفرضه هذه الحالة من انقطاع عن العمل، وتاليا فان اطلاق سراح الموظف المعني وعودته الى ممارسة وظيفته بصورة عادية، يستتبع اعطاءه الحق في تقاضي كامل راتبه دون حاجة لانتظار البت بالدعوى المقامة بحقه ودون ان يكون لاستمرار وجود الدعوى اي تأثير على حقه في تقاضي كامل راتبه، الا ان حقه هذا لا ينسحب على مصير فروقات انصاف الرواتب الممسوكة سابقا مدة التوقيف العدلي بصورة احتياطية، اذ ان مصير انصاف الرواتب يبقى معلقا على صدور قرار قضائي بمنع المحاكمة او بالبراءة او بعقوبة غير عقوبة الحبس وذلك بمعزل عن اطلاق سراح الموظف الموقوف عدليا بصورة احتياطية وذلك بصراحة نص الفقرة 2 من المادة 18 المذكورة التي حظّرت دفع النصف الآخر الا اذا منعت محاكمته او بُرىء او حكم بعقوبة غير عقوبة الحبس ".



تعقيبا على هذه الاستشارة الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، رأى مجلس الخدمة المدنية في كتابه الموجه الى وزارة المالية ، رقم 1317، تاريخ 6/10/2023 رداً على كتابها رقم 1131 / 2023 تاريخ 19/6/2023 انه اذا كان اخلاء سبيل الموظفين في امانات السجل العقاري المعنية وعودتهم الى ممارسة عملهم بموافقة ادارتهم بعد توقيفهم عدلياً، يستتبع اعطاءهم الحق في تقاضي كامل رواتبهم ؛ الا ان هذا الحق لا ينسحب على مصير فروقات انصاف الرواتب الممسوكة سابقا مدة التوقيف العدلي بصورة احتياطية؛ اذ ان مصير انصاف الرواتب يبقى معلقا على صدور قرار قضائي بمنع المحاكمة او بالبراءة او بعقوبة غير عقوبة الحبس، وذلك بصراحة نص البند 2 من المادة 18 المذكورة التي حظّرت دفع النصف الآخر للموظف المخلى سبيله، الا اذا منعت المحاكمة عنه او بُرىء او حكم بعقوبة غير عقوبة الحبس.



وانه يقتضي على الموظف المخلى سبيله التقدم من ادارته بطلب تمكينه من مباشرة عمله واضعا نفسه بتصرفها.

وان اخلاء سبيل الموظفين بعد توقيفهم، وتمكين الادارة لهم من مباشرة عملهم وتاليا مباشرتهم فعليا لعملهم يستبع تقاضي رواتبهم كاملة اعتبارا من تاريخ مباشرتهم العمل وفقا للاصول.



وان الموظف الذي اخلي سبيله ومكنته الادارة من مباشرة عمله وفقا للاصول ، يخضع للاحكام القانونية التي ترعى وضعه الوظيفي والمنصوص عنها في القوانين والانظمة، لا سيما نظام الموظفين، بحيث يحق له التقدم بطلب الحصول على اجازة ادارية او اجازة خاصة بدون راتب او طلب وضعه بالاستيداع وغيرها من الاوضاع الوظيفية المنصوص عنها في نظام الموظفين، بحيث يعود للادارة اجابتهم بالموافقة او الرفض في ضوء المعطيات الواقعية والقانونية المتوافرة لديها ومدى استيفاء الموظف للشروط المطلوبة قانونا، مع مراعاتها موجب انتظام حسن سير العمل وحاجة الادارة وضرورات تأمين الخدمة العامة، لا سيما في ظل ما تعانيه امانات السجل العقاري من نقص حاد في عدد الموظفين على ما اورده وزير المالية في كتابه الموجه لمجلس الخدمة المدنية رقم 1131/2023 تاريخ 29/6/2023 المشار اليه اعلاه، على ان يبقى امر السماح بالسفر خلالها خارج الاراضي اللبنانية عند الاستفادة من احدى الاوضاع القانونية، منوطا بادارته ، بعد مراجعة المرجع القضائي المختص للتحقق من عدم وجود مانع قانوني يحول دون السفر، شرط ان يبدأ مفعول الاجازة الادارية او الاجازة الخاصة بدون راتب او الوضع في الاستيداع، اعتبارا من تاريخ صدور القرار ذي الصلة ، وفقا للاصول وابلاغه الى صاحب العلاقة ودون ان يكون له مفعولا رجعيا.



وتابع مجلس الخدمة المدنية ان ما تعرضه وزارة المالية في كتابها رقم 1131 / 2023 اعلاه، لجهة تقدم البعض من هؤلاء الموظفين بواسطة محام او من خلال القنصلية اللبنانية بطلب اجازة ادارية او اجازة خاصة بدون راتب او طلب وضع في الاستيداع ، يفيد بان الاشخاص المعنيين غير موجودين في لبنان، ما يستتبع التساؤل عن كيفية سفرهم الى الخارج والسند القانوني الذي اجاز لهم ذلك، ما يقتضي معه على الادارة المعنية التحقق من الاوضاع القانونية لهؤلاء الموظفين والتواصل معهم للوقوف على السبب المبرر لعدم حضورهم الى مركز عملهم، وابلاغهم ـ في ضوء ذلك ـ بوجوب حضورهم الى لبنان ووضع انفسهم بتصرف الادارة في حال عدم وجود موانع قانونية لدى المراجع القضائية المختصة تحول دون تمكنهم من استئناف اعمالهم، وبان استمرار وجودهم في الخارج دون سند قانوني يجيزه، يعرضهم لتطبيق احكام المادة 65 من نظام الموظفين بحقهم ؛ ما يستتبع توصية وزارة المالية بالاسراع في البت بوضعهم الوظيفي واتخاذ الاجراءات اللازمة بالسرعة الممكنة وتحميل المسؤوليات وترتيب النتائج القانونية تبعاً لذلك.



وتابع مجلس الخدمة المدنية، رداً على كتاب وزارة المالية رقم 1131/2023 اعلاه، بشأن حضور البعض من هؤلاء الموظفين الى مركز عمله بشكل متقطع دون الانقطاع عن العمل 15 يوما متواصلة، فان هذا الامر من شأنه ترتيب مسؤولية على الموظف المعني ورئيسه، حيث يقتضي تحديد مركز عمل للموظف المعني في حال عدم اعادته الى مركز عمله الاساسي وتحديد المهام التي يمكنه ممارستها والزامه بالحضور في ضوء احكام المرسوم رقــــــم 11227 / 2023 تاريخ 18/4/2023 وما توجبه متطلبات العمل الذي يسند اليه، على ان يصار الى استصدار قرار بعدم استحقاق راتب من تغيّب منهم، بدون سند قانوني يجيزه، عن ايام تغيّبه ومساءلته مسلكيا.



اما في ما خص الموظفين الذين لم يحضروا منذ تاريخ مباشرتهم العمل او لم يباشروا او يضعوا انفسهم بتصرف الادارة بعد اخلاء سبيلهم، فقد جاء في كتاب مجلس الخدمة المدنية، ان غيابهم او عدم مباشرتهم العمل او عدم وضع انفسهم بتصرف الادارة، بعد ان تكون هذه الاخيرة قد مكنتهم من مباشرة عملهم وابلغتهم بذلك، الذي تجاوز 15 يوما دون عذر مشروع، يؤدي الى تطبيق احكام المادة 65 من نظام الموظفين بحقهم بعد ثبوت ابلاغهم وجوب الحضور الى مراكز عملهم، دون الاستجابة لذلك، ويقتضي على الادارة المعنية اعداد مشروع مرسوم يرمي الى اعتبار كل منهم مستقيلا من الخدمة اعتبارا من تاريخ انقطاعه الفعلي عن عمله؛ اي اعتباراً من تاريخ تبلغه قرار تمكينه من استئناف عمله او من تاريخ ابلاغه وجوب وضع نفسه بتصرف الادارة او من تاريخ انقطاعه الفعلي بعد مباشرته العمل.



ثانيا: الوضع القانوني للموظفين الصادرة بحقهم مذكرات توقيف غيابية ولا يزالون متوارين عن الانظار:

جاء في كتاب مجلس الخدمة المدنية، الموجه الى وزارة المالية، رقم 1317 ، تاريخ 6/10/2023 رداً على كتابها رقم 1131 / 2023 ، انه بالنسبة للموظفين الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف غيابية ولم يحضروا الى مراكز عملهم في المديرية العامة للشؤون العقارية، بسبب تواريهم عن الانظار، فانهم يعتبرون في وضع غير نظامي تبعا لتغيبهم غير المسند الى سند قانوني. ولا يحق لهم الاستفادة من الاوضاع المنصوص عنها في نظام الموظفين والتي منها الاستفادة من اجازات ادارية او اجازات خاصة بدون راتب او طلب وضعهم بالاستيداع، كونهم متوارين عن الانظار. كما لا تطبق عليهم احكام المادة 18 من نظام الموظفين، لجهة تقاضيهم نصف راتب لعدم توافر شروط تطبيقها، كونهم غير موقوفين عدلياً بصورة احتياطية لدى السلطات القضائية المعنية.



اخيراً،

لقد طال زمن اقفال الدوائر العقارية المومأ اليها في مستهل هذا المقال. ولم يعد مقبولا الاستمرار في هذه الحالة نظرا للاضرار اللاحقة بالدولة وبالمواطنين في آن معاً .

فالموظف المخلى سبيله الراغب بالعودة الى عمله، عليه ان يعود فوراً، والموظف غير الراغب بذلك او لديه موانع تحول دون عودته يجب اعتباره مستقيلا، لان المهم هو اعادة فتح هذا المرفق العام الحيوي؛ آملين عدم تكرار هذه التجربة السيئة؛ لان الادارة هي " الازميل بيد الحاكم " ؛ هي اساس الدولة وركيزتها الاساسية؛ فلا دولة بدون ادارة ولا ارادة بدون دوائر عقارية، فليعمل الجميع على اعادة فتحها واستئناف العمل بها.



*** دكتور في الحقوق، بروفسور لدى كليات الحقوق، محام بالاستئناف لدى نقابة المحامين في بيروت، مستشار قانوني في الامارات العربية المتحدة ـ دبي ، خبير قانوني دولي معتمد لدى عدة منظمات قانونية دولية، كاتب قانوني وباحث.

MISS 3