رفيق خوري

سياسة تعريض لبنان لسلاح الدولار والعقوبات

13 حزيران 2020

10 : 11

لبنان المهدد بالعقوبات الاميركية معاقب سلفاً من حكامه. معاقب بإرهاب فكري يمنع اي حديث عما يهدد جوهر وجوده. معاقب بتركيبة سياسية - مالية سرقته وأفلسته وتحكم عليه بأن يدفع فاتورة ما استدانته وسطت عليه. ومعاقب بالانحدار في مئويته من قمة الابداع الفكري والثقافي والفني والقيم السامية والمخاطبة الراقية الى هاوية الإسفاف والعصبيات والتشاتم السياسي والاجتماعي وتفاهة الاهتمامات والخرافات الغيبية. وليس من الضروري ان تتبنى ادارة الرئيس دونالد ترامب ما تقترحه الدراسات الجمهورية في الكونغرس من وقف المساعدات للبنان والجيش ومنع صندوق النقد الدولي من تلبية ما تطلبه بيروت. لكن من الضروري الا نذهب بعينين مفتوحتين الى فخ العقوبات.

ذلك ان الاستهتار والمكابرة في مواجهة " قانون قيصر" لعبة مغرية في الشكل وخطرة في المضمون. فمن السهل ان نشتم الامبريالية ونحمل يافطة "الموت لاميركا". غير ان من الصعب الهرب بلا عواقب من أقوى سلاح تكثر واشنطن من استعماله: الدولار. فلا إيران، برغم حجمها وإيمان شعبها وما فيها من نفط وثروات واقتصاد منتج وما لديها من صبر ومكابرة، قادرة على تحمل المزيد من العقوبات الاميركية المرشحة للتشدد أكثر فأكثر وأن تتجنب انفجاراً شعبياً في الداخل. ولا سوريا المحاصرة التي تعاني مصاعب هائلة وتتحسب للأخطر عشية تطبيق "قانون قيصر" تجهل ان سلاح الدولار مرشح لان يفعل بها وفيها ما عجزت عن فعله الحرب. ولا من الحكمة والمصلحة الوطنية ومصالح الشعب ان نأخذ لبنان الى الحصار مع إيران وسوريا. فدمشق تخسر الرئة التي تتنفس منها اقتصادياً ومالياً، وبيروت تخسر نفسها.

لكن المسألة لا تتعلق بنا وحدنا. والسؤال هو: كيف نترجم في عز الصراع الجيو سياسي بين اميركا ودول عربية من جهة، وإيران من جهة اخرى ان تعاقب واشنطن وعواصم الخليج لبنان او أقله ان تتركه لمصيره على اساس انها تعاقب "حزب الله" وايران؟ هل هذه سياسة تحمل الحد الادنى من الفهم الاستراتيجي للصراع؟ أليست نوعاً من دفع لبنان الى الانتحار الوطني والسياسي بدل حمايته ومساعدته لئلا يصبح جبهة كاملة الأوصاف للمشروع الايراني تحت سلطة "حزب الله"؟

مهما يكن، فان ما يفعله أهل السلطة هو آخر ما يساعد لبنان. وأقل ما يصح فينا هو قول مؤرخ عن قيصر روماني: "كان امبراطوراً جيداً حتى تسلّم المنصب".


MISS 3