جولي مراد

"الذئب" يأكل "ليلى"

31 تموز 2019

10 : 20

أخطر ما آلت إليه الأمور في قضية "مشروع ليلى" في جبيل ليس فعل "الإلغاء" بحدّ ذاته بقدر ما هو مسوّغه. يقول البيان الصادر عن "مهرجانات بيبلوس": "منعاً لإراقة الدماء"، جملةٌ تحمل في طياتها غيضاً من فيض واقع بائس: أوّله أنّ الدولة عاجزةٌ عن حماية مجتمعها من "الغيارى على الدين"، مسلمين ومسيحيين على السواء، الذين يتحوّلون بلحظةٍ خاطفة الى "عصبياتٍ موتورة" هادرة للدماء ومهدّدة بالويل وعظائم الأمور، تملي على العباد ما عليهم استذواقه أو حضوره، وثانيه أنّ فرائص المواطنين لا ترتعد أمام القضاء بما أن كلمة سلطات الدين تعلو على صوت القانون، لقدرتها على تحريك جحافل من المؤمنين "الجنود عند الرب"، وثالثه أن بلد الحريات "منبر الانفتاح والتميّز" بات عاجزاً عن صون التعبير والمعتقد.

وهكذا بدا قرار القاضية غادة عون، مدعي عام جبل لبنان، بإخلاء سبيل الفرقة لعدم توافر جُرم، باهتاً أمام الدعوات لـ"أبلسة" مشروع ليلى والداعين الى تحريف الوقائع والمبالغة في "تضخيم التُهم" بحجة "تهديد الكيان والوجود".

نرفض بشدة وكلياً التعرّض للمقدسات والابتذال طبعاً، ولكن الذهاب الى حدّ الالغاء هو ضربٌ حقيقيّ لجوهر لبنان كبلدٍ منفتحٍ وكيانٍ يصون الحريات والتنوّع، فلا سحب الصورة موضوع "الاساءة" عن موقع الفرقة كان كافياً، ولا التعهّد بعدم أداء ما يمسّ مشاعر المؤمنين في أمسيتها الفنية كان قادراً على سحب الفتيل. كان لا بدّ من "نحر" الفرقة كي لا يتجاسر أحد على الحذو حذوها في حال سوّلت له نفسه ذلك.

ومع أنّ احترام الدين واجب ومطلوب لا يسعنا في الوقت عينه أن "نطبّل" لممارساتٍ تناقض التعاليم نفسها. مفهوما المحبة والغفران ركنان أساسيان في الديانة المسيحية، فكيف سمحت الكنيسة برجحان كفة العنف والوعيد على رسالتها السامية؟ وكيف سمحت الدولة بسطوة "شريعة الغاب" على القانون؟

وكيف سمح المسيحيون لأنفسهم بجرّهم الى مستنقعاتٍ كانوا حتى الآن بعيدين كل البعد عنها ظاهرياً على الأقلّ إن لم يكن في النفوس؟

وللمصفقين لقرار "التصفية" ما الجدوى من الابتهاج ما دام الإلغاء تم على خلفية "حقن الدماء" وليس احتراماً للمقدسات؟ كيف تهلّلون أساساً لإجراءٍ يكتنف اتهاماً صريحاً وواضحاً - وإن مجحفاً نوعاً ما- للمسيحيين بانتهاج ممارسات "داعشية" تساويهم بمتحجّري العقول؟ سقط المسيحيون في فخّ سبقهم إليه المسلمون... فأفعال الأقلية المتطرّفة منهم وصَمت جبينهم ومرّغت تاريخ انفتاحهم بين ليلة وضحاها في وحول التشدّد، فباتوا السباقين الى إلغاء أمسيةٍ على مستوى مهرجاناتٍ دولية... وما نفع الكلام أصلاً مع مجتمعات لا تجيد إلا لغة "الانتصار" في قمّة الهزائم!


MISS 3