ابراهيم حنا الضاهر

أي مبادئ لتصورٍ ماليّ واقتصاديّ للنهوض المرتجى؟

14 كانون الأول 2023

02 : 00

سأحاول تجنيب القارئ الغوص في خضم الأرقام والمبارزات التي عمت قنوات الإعلام والتواصل الاجتماعي. وعبثاً نحكم على أرقام الموازنة أو بعض بنودها دون الاتفاق على تصور ومبادئ واضحة ملائمة للوضع الحالي ولمقتضيات النهوض من الانحلال القائم.

المقومات

ما هي مقومات الاقتصاد اللبناني الموضوعية؟

اذا ما اعتمدنا ثلاثة عناوين أساسية لوصف التكوين الاقتصادي اللبناني يمكن تلخيصها كالآتي:

أولاً: قطاع زراعي متنوع ومتخصص لكن تنقصه القدرة على تشكيل قوة تصديرية حديثة بغياب صناعات كافية وضمانات الجودة حسب المعايير الدولية. تبقى حصته متواضعة في الناتج المحلي.

ثانياً: قطاع صناعي ضعيف جداً تقليدياً يبرره جزئياً عدم وجود أي ثروات معدنية تذكر، وقطاع خدماتي (السياحة والتأمين والخدمات المالية منها والمتنوعة) وازن تقليدياً قبل انهيار القطاع المصرفي وذات دور أساسي في معادلة عجز الميزان التجاري.

ثالثاً: تقليدياً يبقى الاقتصاد اللبناني يستورد أكثر مما يصدر مسبباً عجزاً تجارياً كبيراً جداً، يرتد سلباً على ميزان المدفوعات الذي يجب أن يبقى متوازناً اذا ما اردنا المحافظة على سعر الصرف. كان الاقتصاد اللبناني حتى بعد سنة 2005 يتوصل الى التوازن في هذا الميزان بوسائل مختلفة.

ففي ستينات القرن الماضي كانت الواردات الخفية أي غير الرسمية ومداخيل الـ IPC والـ TAPLINE والترانزيت كافية للمعادلة. اما منذ التسعينات فاتكل لبنان على فائض التحويلات من الخارج التي قاربت أحياناً 7 مليارات دولار سنوياً.



المبادئ

انطلاقًا من هذا التوصيف ما هي المبادئ التي يمكن الاستناد اليها لوضع السياسات المالية والاقتصادية المقبلة ؟

1- المحافظة على النظام الاقتصادي الحر لكن مع اعتماد سياسة اجتماعية تراعي العدالة الاجتماعية وحماية الضعفاء.

2- المحافظة على النسيج السوسيو-إجتماعي باعتماد سياسات إصلاحية تقدمية تؤمن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

3- ضرورة السعي الى اكبر معدل نمو ممكن لمواجهة سلبيات الوضع الحاضر وتأمين فرص العمل وسداد الديون وتأمين حاجات الناس المعيشية أولاً ومن ثم التقدم والرخاء.

4 - بعث الثقة بالقيادة السياسية ومن خلالها التوصل الى الإصلاحات المنتظرة و الى نظام مصرفي فعال.

الطريق

لكن كيف الطريق الى كل هذا؟

أ- بالاستقرار السياسي والثقة بالقيادات وبالمسؤولين المؤهلين من خلال تضامن داخلي يشكل توافق الحد الأدنى.

ب- بالعمل على توازن ميزان المدفوعات من خلال العمل على خفض الفجوة في الميزان التجاري أي تفعيل جدي للصادرات والضغط على الاستيراد من خلال ميزانيات رشيدة ورسوم محددة لحماية الناتج الداخلي والحد من استيراد الكماليات.

ج- إعادة انتاج قطاع مصرفي متعاف باللجوء الى الرأسمال الاغترابي. لقد حقق القطاع في فترة ما بين 1995 و2015 أرباحاً تفوق حسب التقديرات الـ 50 مليار دولار. فلا بد من ان تُطلب مساهمة جدية من أصحاب هذه المصارف لإعادة رسملة هذا القطاع بعد التوصل الى تصور منطقي خاص بودائعهم لدى المصرف المركزي.

د- البراغماتية أي مقاربة الحلول بعيداً عن الايدولوجيات فنلجأ الى تدابير مرحلية مثلًا فقط لمواجهة الحالات القائمة كالاتكال على الاستثمار الأجنبي لتغطية عجز ميزان المدفوعات في السنوات الأولى وحتى التوصل الى الاستقرار السياسي والمالي.

ه- مقاربة معضلة الودائع واستطراداً شروط صندوق النقد. فهنا يجب البحث مع الصندوق للتوصل الى شروط قابلة للتطبيق والعمل على خطة حسن نية تعطي تصوراً مستقبلياً للمودعين، مع عدم التهرب من مسؤولية الدولة تحت وطأة ايديولوجية كالخوف من البحث في إمكانية استثمار أملاك الدولة، او ترشيد عائداتها لتقوم بجميع بمسؤولياتها.

اما في ما يتعلق بالميزانية فالأولوية يجب ان تعطى لإمكان تفعيل النمو. فلا تكون باستحداث ضرائب خيالية على القطاعات المنتجة في ظل الركود القائم كما وتحفيز مرحلي لدخول الرساميل الأجنبية في ظل هذه الظروف.

كذلك، ترشيد الوظيفة العامة لاعادة دور الدولة واعتبارها من خلال إنتاجية وشفافية تخدمان المواطن وتريحان المستثمر. فلا تكون بديلاً عن السياسات الاجتماعية التي يجب ان تعنى بكل المهمشين من الخارجين من سوق العمل.

فلا ترشيد في الوظائف وتقليص في عدد موظفي القطاع العام والتخلص من المستفيدين غير المنتجين من دون سياسة رعاية واضحة وحديثة.

بالمحصلة وباختصار إعادة الثقة بالمسؤولين كممر الزامي وأوّلي للنهوض.

(*) وزير سابق


MISS 3